الحلقة الخامسة إذن لماذا دعم الإطاحة بالقذافي. الغرب يعيش أزمة مالية خطيرة تتطلب استثمارات أو مصادر مالية من الخارج أكثر مما هو قائم ولا يمكن ذلك في حضور أنظمة تمت معها عقود اقتصادية وتجارية كافية في الوضع الراهن على غرار نظام القذافي الذي اشترى حاجيات ليبيا الاقتصادية والتكنولوجية وما تبقى من مشتريات من الغرب لا يكفي لدعم الحملة الغربية للبحث عن تسديد فاتورة الأزمة المالية التي تعاني منها الدول الغربية. كان لابد من تدمير هذه الحاجيات لإعادة شرائها من جديد من الغرب. وكان لابد من توتر ومواجهات عسكرية لتنشيط سوق الأسلحة. ذلك ما حدث، فالغرب من خلال أكبر حلف عسكري شهده التاريخ المعاصر (الحلف الأطلسي) يدخل في مواجهة دولة صغيرة وبجيش محدود جدا. الهدف كان الاستثمار المالي اليومي من خلال الضربات العسكرية بالصواريخ والطائرات والمعدات العسكرية الأخرى، إضافة إلى آثار التدمير الاقتصادي والبنية التحتية لليبيا والتي تجاوزت 300 مليار دولار يدفع فاتورتها في النهاية الليبيون والعرب بصفة عامة الذين شاركوا في العمليات العسكرية. التدمير العسكري لحقه طبعا تدمير اقتصادي والذي يتطلب استثمارات وتجهيزات جديدة من السوق الغربية. طبيعة النظام الرأسمالي المتطرف يصدر أزماته المالية و الاقتصادية ولا يقدم حلولا داخلية ولو على حساب وحدة الشعوب واستقرار الدول. يتوفر العالم العربي على سيولة ورصيد مالي يتجاوز 4000 مليار دولار ، نقد عيني (Cash)، لشراء كل ما هو جاهز من مواد غذائية، إلى الصناعات التكنولوجية، إلى التجهيزات العسكرية بنسبة تتراوح بين 90 ٪ إلى 98 ٪ .والأغلبية المطلقة من لهذا الرصيد المالي تأتي من الطاقة، يشكل العالم العربي 60 ٪ من احتياطي النفط في العالم. وحتى الاستثمارات الموجودة بالعالم العربي معظمها هي استثمارات ليست بالمفهوم الاقتصادي لتطوير وإنتاج التكنولوجيا وصناعات محلية تؤسس للتنمية المستدامة. فمعظم الاستثمارات الصناعية والتكنولوجية في العالم العربي هي لتركيب الآلات المستوردة الجاهزة. من الجانب الفلاحي فإنه رغم شساعة مساحة العالم العربي ( 14,299 مليون كلم2)، وبأراضي خصبة وبأنهار جد ثرية وخزان مياه باطني كبير كافية ليس فقط للأمن الغذائي العربي بل للتصدير وبكثافة للعالم الخارجي، فإنه رغم ذلك يستورد العالم العربي معظم احتياجاته الغذائية. إن ما حدث ويحدث في العالم العربي في السنتين الأخيرتين له خلفية وأبعاد مسطر لها مسبقاً من طرف الدول الغربية موظفة ثقل آلياتها السياسية والإعلامية والعسكرية لتجسيدها بداية باحتلال العراق (2003) ليعتمد المقياس والتباين الديني(مسلم ومسيحي) أو المذهبي(شيعي وسني) أو الانتماء العرقي أساس ومنطلق المشهد السياسي الجديد للعراق. وهكذا أصبح العراق يعيش الفوضى والانقسام على أساس تباين عرقي(الأكراد) أو ديني (مسيحي ومسلم) أو مذهبي (شيعي وسني). فبإسم الديمقراطية التعددية وحقوق الإنسان تم احتلال العراق وتدمير بنيته الصناعية والاقتصادية التحتية والذهاب لتدمير حتى مصادر ومعالم الحضارة العراقية وتدمير تركيبته البشرية بما فيها أكثر من مليون ضحية وأكثر من 2 مليون مشرد أو لاجئ معظمهم بالأردن وسوريا والباقي بمناطق أخرى بالدول العربية المحيطة وأماكن أخرى بالعالم. ليمتد موضوع التقسيم إلى السودان (تأسيس دولة جنوب السودان: جويلية 2011 والوضع بدارفور). ومؤشرات التوتر والتقسيم لاستمرار هذا المخطط تنعكس في المشهد السياسي الذي يعيشه الوطن العربي في سوريا وربما يمتد لكثير من المناطق الأخرى في العالم العربي بما فيها دول الخليج الأخرى في حالة إذا استمرت الأنظمة السياسية العربية الموالية للغرب في تجاهل هذه الحقائق والأبعاد الخطيرة على وحدة الدول والشعوب العربية، إنه مخطط غربي-صهيوني لتقسيم العالم العربي إلى 42 دويلة، مدروس وموثق في مستويات معينة بالكيان الإسرائيلي ومراكز أبحاث بالغرب. الباحثان والمؤرخان «أوداد عينون Oded Ynon»(إسرائيل) و«لويس براند Louis Brand - »(الولاياتالمتحدة) نماذج فاعلة في التخطيط لتجزئة العالم العربي على أساس عرقي، إثني، ديني، مذهبي أو جهوي. الديمقراطية مكسب ثمين وحرية التعبير والتعددية الإعلامية رهان أغلى وأثمن ولكن ليس على حساب وحدة الأراضي والشعوب العربية. 2 مشهد التدخل أو التواجد العسكري المباشر في الساحل الإفريقي
أهم مبدأ قامت من أجله منظمة الأممالمتحدة هو إبعاد توظيف القوة كوسيلة للهيمنة والتوسع وفرض المساواة والعدالة الدولية وترقية القيم الإنسانية المثلى، وفي مقدّمتها تكافؤ الفرص والرخاء الإنساني والسلم والأمن الدوليين. ولكن ما حدث في الواقع منذ تأسيس هذه المنظمة هو الازدواجية في توظيف المعايير، وهذه المبادئ والأهداف تطبيقها يتم بسرعة وبقوة حسب الانسجام مع المصالح العليا للدول الأقوى. منذ تأسيس منظمة الأممالمتحدة وهي باستمرار تخضع لإرادة الدول الكبرى ذات الخلفية والبعد الإستعماري التقليدي، ولكنها في العقود الثلاثة الأخيرة أصبحت تقريبا بصفة مطلقة سجينة لها وبوجه جديد تحت غطاء العولمة أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان، أي أنّ منظمة الأممالمتحدة أصبحت بصفة أوضح وأكثر علنياً ميدانياً وسيلة لخدمة أقلية قوية على حساب أغلبية الدول والشعوب. ففي الوقت الذي كان العالم ينتظر إحداث إصلاحات داخل هذه المنظمة ليتجسد فيها المبدأ الأساسي، وهو العدالة والمساواة الدولية أصبحت الشرعية الدولية وسيلة للعكس. مشهد التدخل تحت غطاء الشرعية الدولية ليس جديدا في ممارسة الدول الكبرى الغربية المؤسسة لمنظمة الأممالمتحدة. يكفي التذكير بالتدخل ضد كوريا الشمالية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، أي بعد سنوات معدودة من تأسيس منظمة الأممالمتحدة مرورا حديثا بضرب العراق (1991) واحتلاله سنة 2003 وضرب ليبيا والإطاحة بالعقيد القذافي (2011) والتدخل العسكري المباشر في مالي الأخير (11 جانفي 2013) تحت قرار مجلس الأمن رقم 2085 (20 ديسمبر 2012 )، والذي يفترض أنه رغم ذلك أعطى الأولوية للحل السياسي قبل الحل العسكري. التدخل العسكري في ساحل إفريقيا ليس جديداً في سياسة فرنسا، فمنذ استقلال الدول الإفريقية في بداية الستينيات فرنسا تدخّلت أكثر من 50 مرة في هذه الدول. وفرنسا في الحقيقة هي متواجدة وتتدخل عسكريا في الدول الإفريقية الفرنكوفونية من خلال قواعدها العسكرية، أو من خلال الالتزامات العسكرية في علاقاتها الثنائية مع دول الساحل الإفريقي، أو من خلال شركاتها المتواجدة بالمنطقة، والتي هي مؤمّنة بعناصر أمنية فرنسية. التدخل الفرنسي العسكري في مالي ضاعف المصالح الاقتصادية الفرنسية والغربية بمالي على حساب الصين والهند واليابان ودول أخرى. فرنسا وحدها لها 200 شركة اقتصادية وشركات استثمار بالساحل الإفريقي، وبعد التدخل تضاعف هذا الرقم بحكم أنّ الحكومة المالية الحالية لها ولاء لفرنسا، وبالتالي أمضت صفقات اقتصادية كثيرة مع شركات اقتصادية لاستغلال مناجم الذهب والفوسفات والبحث عن البترول، وتعهد الحكومة المالية الحالية لإعطاء فرنسا حق احتكار استغلال اليورانيوم وضع لصالح فرنسا يختلف عن السنوات السابقة أين التزايد في العلاقات الاقتصادية والتجارية بمالي كان في اتجاه الصين والهند واليابان ودول أخرى. قبل سنتين وصلت نسبة تزايد التجارة الصينية بمالي إلى 16 ٪ بدلا من 3،4 ٪ سابقا مقابل تقلّص الصادرات الفرنسية من 16 ٪ إلى 8 ٪. ونفس المقاربة للتدخل تنطبق على الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي تحاول منذ أكثر من عشر سنوات لإيجاد موقع للقيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا (2001 : AFRICOM)، التدخل العسكري تحت غطاء الشرعية الدولية أعطى فرصة للولايات المتحدةالأمريكية للتموقع في المنطقة وفق استراتيجيتها المنطلقة من أفريكوم .(AFRICOM) ولما تقرر التدخل كان على الدول الإقليمية الانصياع للشرعية الدولية التي هي في الحقيقة قرارات الدول الغربية ممثلة في فرنسا، في هذا الإطار تفسّر خلفية زيارة كاتبة الدولة للخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون (29 أكتوبر 2012 )، ما تمّ إعلانه من طرف السيدة كلينتون ليس هو الهدف الأساسي في الزيارة مثل شراكة استراتيجية مع الجزائر أو تعاون اقتصادي قوي أمريكي جزائري. فالأهم وغير المعلن من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية هو القرار الاستراتيجي للمنظومة العسكرية والاقتصادية الغربية للتدخل في مالي في إطار توزيع الأدوار والتواجد، فرنسا بالساحل الإفريقي بحكم تواجدها الاستعماري التاريخي والتواجد التقليدي لتبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية الراعي للمصالح الغربية في أماكن أخرى من العالم، وخاصة الشرق الأوسط. فما كان في ذهنية السيدة كلينتون هو أن القرار اتخذ للتدخل، وتمّ تكليف فرنسا للقيام بالدور، أما التمويل فكان التكتيك هو دفع دول عربية خليجية وخاصة قطر للقيام بذلك. بعد أسبوع زارت الجزائر ممثلة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي ''كاترين آشتون'' (06 نوفمبر 2012)، وخلال أسابيع معدودة زار الجزائر الرئيس الفرنسي هولاند (21 ديسمبر 2012)، وبعده أمير دولة قطر (07 جانفي 2013) وتلاه التدخل العسكري الفرنسي بمالي (11 جانفي 2013) ليتدعّم لاحقا لوجيستيكيا من طرف الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسبانيا مؤخرا (مارس 2013). تكتيكيا وإعلاميا بإشراك فرنسا وأوربا بصفة عامة في محاربة الإرهاب، تصبح للولايات المتحدةالأمريكية مبرر للرأي العام المحلي والعالمي للتدخل باسم محاربة الإرهاب. ومن جانبها فرنسا تريد أن تظهر للرأي العام المحلي والأوربي أنها ليست وحدها في التدخل. أيام بعد التدخل الفرنسي زار نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن (4 فيفري 2013) فرنسا وهنّأ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والقوات الفرنسية على الشجاعة والحسم والإرادة اللاّمتناهية، مؤكدا للرئيس الفرنسي دعم الولاياتالمتحدة السياسي والمادي للقوات الفرنسية. إنّ التدخل العسكري الغربي في العالم العربي وإفريقيا قرار تمّ اتخاذه منذ سنوات في إطار أجندة تصدير أزمة مالية يعاني منها الغرب، يرجع سبب التسرع بالتدخل العسكري في ليبيا لعدة اعتبارات من بينها: أ الحاجة الملحة لاستغلال احتياطي الأموال الليبية التي تجاوزت 200 مليار دولار في فترة 2011 2012 بدأت الأزمة المالية تهزّ أركان الاقتصاد الغربي. ب فترة تزامنت مع التحضير لحملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية والأمريكية (2011 2012)، استعراض تحقيق مكاسب خارجية للأزمة الاقتصادية الداخلية تحت غطاء الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والانسجام مع مطالب الشعوب. ج فتح المجال أكثر لمضاعفة التوغل الإسرائيلي في إفريقيا من منطلق ومصدر وبعد صهيوني مبني على استفزاز الانقسامات العرقية والقبلية والدينية، وتجسيد المشروع الصهيوني القديم المتمثل في خلق صراع بين الأفارقة والعرب على أساس عرقي أو ديني. التدخل في مالي أعطى فرصة لإسرائيل لإثارة الفوارق أو الصراع بين مالي وبعض الحكومات العربية، الذين انتقدوا ولو ظاهرياً قمع الجيوش الفرنسية والتجاوزات الغير إنسانية ضد المسلمين بشمال مالي، والذي فسّر بأنه انتقاد لموقف حكومة مالي من التدخل الفرنسي. بدأ بعض الإعلاميين بمالي وبفرنسا استغلال الوضع لاستفزاز الخلافات بين العرب والأفارقة، وحتى انتقاد السلطة الفلسطينية في عدم إدانتها للإرهاب بشمال مالي، رغم بعض حسب الإعلاميين الماليين والفرنسيين أن مالي كانت دائماً دعماً قوياً لفلسطين بما فيها تسمية ساحات عمومية باسم شهداء فلسطين بباماكو، مثل تسمية الساحة العمومية بباماكو باسم الشهيد ''محمد الدرة''. ح تنفيذ الأجندة الغربية في ليبيا كان لابد أن تتم بسرعة حتى يمكن توظيف الإفرازات للتأثير على الوضع في الساحل، خاصة تعميم انتشار التسلح بالساحل الإفريقي والتي وصلت إلى أكثر من 30 مليون قطعة سلاح بما فيها الأسلحة المضادة للطائرات. مخازن ليبيا من الأسلحة كانت معروفة ومحسوبة ومدروسة حول كيفية توظيفها لاحقا، الذي أشرف على فتحها بطرق مختلفة وسمح بتسربها تقنيون من الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية. 3 فشل التدخل العسكري: آثار وانعكاسات التدخل العسكري في مالي كان للتدخل العسكري باستمرار آثار خطيرة لاستفزاز التوترات والحروب الأهلية والدفع لتقسيم الدولة الوطنية، وفتح المجال إلى مضاعفة الممارسات الإرهابية. العراق يعيش منذ الاحتلال الإرهاب والانقسامات المذهبية والقبلية، الأكراد هم من الناحية العملية يتصرفون كدولة منفصلة عن العراق. هذا دون ذكر ما أدى إليه التدخل والاحتلال العسكري من فقدان العراق لأكثر من مليون قتيل وأكثر من 3 ملايين مشرد داخل وخارج العراق، وإرجاع العراق إلى 50 سنة للوراء. نفس الوضع آلت إليه ليبيا نتيجة التدخل العسكري، حيث أنّ النزوح والهروب للدول المجاورة تجاوز المليونين (مليون ليبي بمصر و500 ألف بتونس و250 ألف بالنيجر، 100 ألف في تشاد ومئات الآلاف بدول أخرى). هذا دون ذكر الانقسامات القبلية والدينية التي تهز كيان ليبيا، وانتشار أكثر من 20 مليون قطعة سلاح داخل ليبيا نتيجة فتح مخازن السلاح الليبية، بما فيها 10 آلاف قطعة سلاح من نوع الدفاع الجوي المحمول .Man Portable Air Défense تسرب الأسلحة داخل وخارج ليبيا بكثافة ضاعف من الإرهاب وشكل خطرا على دول المنطقة، أفرز التدخل العسكري في مالي بالتعاون مع جيوش من دول غرب إفريقيا وتشاد وضع خطير وضاعف من التوترات والانقسامات في المنطقة، وفتح صراع جديد داخل شمال مالي، كما ضاعف من انتشار الجريمة المنظمة وأضعف أكثر حضور الحكومة المركزية المالية إداريا في شمال مالي، والذي هو أصلا هش. أثبت التدخل العسكري الفرنسي فشله في تحقيق الأهداف المعلنة من طرف الدول الغربية، وكانت له دائما آثار سلبية خطيرة على الدول والشعوب المستهدفة بالتدخل العسكري، التدخل العسكري الفرنسي في تشاد (2008) بحجة حماية اللاجئين من دارفور أو محاربة الإرهاب والقراصنة (PIRATAIRE) بالصومال، وفشل محاولة فرنسا تحرير الفرنسي ميشال جرمانو Michel Germaneau بالنيجر (جويلية 2010) ومحاولة تحرير أثنين فرنسيين آخرين (2011)، واللذين تمّ إعدامهما من طرف الإرهابيين. والتدخل العسكري الفرنسي في الساحل الإفريقي أفرز وضع أخطر وفي مقدمتها التصفية العرقية بشمال مالي التي تحدث يوميا من طرف قوات إفريقية مدعمة من طرف عناصر من الجيش المالي وجيوش دول غرب إفريقيا والتشاد تحت إشراف الجيش الفرنسي. ثالثاً: المقاربات أو المنظور الإقليمي في الساحل الإفريقي مع التركيز على المقاربة الجزائرية مهما كان حجم الاختراق الخارجي والتمرد الداخلي في شمال مالي بما فيها الحركة الانفصالية: الحركة الوطنية لتحرير الأزواد والإرهابيين المتواجدين بالمنطقة، فإنّ الواقع الشعبي هو التحدي الأقوى والنهائي لإفشال نشاطها وفعاليتها. الحكومة المركزية أو الحكومات المركزية المتعاقبة أعطت الفرصة للوضع الهش التي تعيشه مالي خاصة بالشمال، التعبئة الشعبية، إبعاد التهميش التنموي والإداري والتصرف برشادة سياسية وطنية بمالي، خاصة التوازن الجهوي، هي الاختيار السياسي الوحيد الذي يؤمن وحدة مالي ويؤسس للتحدي الجماهيري ضد الإرهاب وعصابات المتاجرة بالمخدرات ومحاربة الجريمة المنظمة. كما أنّ أيّة تسوية لأزمة الساحل يجب أن تنطلق من المنظور والواقع الإقليمي، دول وشعوب المنطقة أقرب لمعرفة الواقع وهي المعنية بأية تسوية مبنية على محاربة الإرهاب وحماية وحدة دولها والمحافظة على استقلالها. طرح إيجابي رغبوي لا تختلف حوله شعوب المنطقة، ولكن تتباين فيه مقاربات حكوماتهم لعدة اعتبارات أهمها: 1 التأثيرات الخارجية والولاءات للحكومات الغربية خاصة فرنسا، رغم عضوية دول غرب إفريقيا (الامتداد الثالث للساحل الإفريقي) في الاتحاد الإفريقي لكن عمليا معظمها (ECOWAS: The Economic Community of West African States) لها ولاءات لفرنسا وللغرب أكثر من المنظور الإقليمي ببعده الإفريقي. ينطبق هذا أكثر على الدول الفرنكوفونية لهذه المنطقة مثل السينغال وساحل العاج. 2 ضعف الحكومات في الساحل الإفريقي وهشاشتها السياسية نتيجة الانقلابات العسكرية المتعاقبة، والأوضاع الداخلية غير مستقرة والاقتصاد الهش والتهميش الاجتماعي، وضعف بنى الدولة وهياكل مؤسساتها لدرجة الغياب في بعض المناطق من مالي والنيجر وتشاد. 3 التحديات الأمنية الخطيرة لدول الساحل خاصة الإرهاب الذي تعاني منه معظم دول المنطقة، وتأثير ذلك على جوهر وجود الدولة في حد ذاتها، إدارياً، سياسياً أمنياً، واقتصادياً، خاصة في المناطق التي يتواجد بها الإرهاب والجريمة المنظمة وعصابات تهريب المخدرات. ينطلق منظور الجزائر لتسوية الوضع في الساحل من الاعتبارات التالية: 1 وجود الجزائر في الامتداد الثاني للساحل الإفريقي (المحدد في الخريطة رقم 01 في هذه الدراسة). 2 الحدود الشاسعة التي تصل إلى 3777 كلم الممتدة على دول الساحل الإفريقي بامتداده الأول والثاني (ليبيا: 982 كلم، النيجر: 956 كلم، مالي: 1375كلم وموريتانيا: 462 كلم) وآثار ذلك في حالة التوتر وفي مقدمتها الإرهاب والنزوح. 3 التزام الجزائر بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي رفض التدخل خارج حدودها. 4 هشاشة دول المحيط سياسيا واقتصاديا وعسكريا بما فيها الدول المجاورة (تونس، ليبيا، النيجر، مالي وموريتانيا)، تستطيع الجزائر مراقبة حدودها من داخل الجزائر ولكن لا تستطيع القيام بذلك خارج حدودها من منطلق رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ...يتبع