يجمع المتتبعون للتاريخ والدارسون له، أن ثورة التحرير الكبرى، ما كانت لتكون لولا الألم والمعاناة والتضحيات الجسام التي قدمها الآباء والأجداد، وإن كنا نقصد بالتضحيات، فإننا نقصد الريعان الشبابي وفتوته في تلك المرحلة، التي عرف قادة جيل الأمس، كيف يصنعون منها العجب العجاب، في ظل الظروف الصعبة القائمة آنذاك، حيث الحرمان والقهر ومحاولة التجهيل وطمس الهوية أسمى شعارات المستدمر الفرنسي الغاشم. فيذكر لنا التاريخ ذلكم الطفل «عٌمار» وما أكثر «عٌمارٌ» زمانه، يجهلهم التاريخ فلم يذكرهم أحد ببنت شفة، غير أن الكل يذكرهم في دعواهم للشهداء والمخلصين بالقول:«الله يرحم الشهداء»، ومن قال بأنهم أموات؟، فربما هم بيننا فمن يدري .. فنقول «ربي يرزقهم». «عٌمَار» الأمس، يختلف كثيرا عن «عٌمار» اليوم.. هكذا يجيب جيل الثورة وخلَفٌه من شباب اليوم، لا لشيء إلا لأن عوامل تكوين شخصية الماضي الثورية تختلف كثيرا عن عوامل تكوين شخصية الحاضر المستقلة، فالمعروف أن «الأزمة تلد الهمة»، بحسب جيل الشباب. وأنت إذا ما تحدثت إلى أي مجاهد عن الواقع الذي يحياه الخلف اليوم، فلن يتردد في القول بأن همته لم ترق بعد إلى مستوى الأمل الذي يرجوه رجال الثورة الأشاوس، فمنطق الجري وراء تحصيل الأموال صار هو المهيمن على عقول بعض الشباب، وهنا يتأسف أحد المجاهدين لهذه الحال الصعبة بالقول«ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب».. وهم بهذا يدعونه إلى تحمل مسؤولياته كاملة على مختلف الأصعدة يدا بيد، محافظا بذلك على مبادئ أول بيان خطه مجموعة من الشباب، كانوا جميعا على قلب رجل واحد، من أجل أن يحي هذا الشاب وهذه الفتاة، في هذا الوطن الغالي وكله أمان وحرية.. من عنابة إلي مغنية، ومن العاصمة إلى أقصى نقطة في أدرار الصحراء.. وفي هذا يقول أحد المجاهدين، «لم تجمعهم لا غنيمة أو طمع في منصب أو جاه ..»، إنما جمعهم صون الأعراض وحفاظ الأديان والعقول من براثن الاستدمار الغاشم .. ويتجلى هذه المفهوم الأسمى في الحفاظ على الهوية الجزائرية، في ترك الشباب للأوطان وهجران الدار، حيث يذكر لنا التاريخ ويذكرنا بسفر بن بولعيد لفرنسا والتقائه بزعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج، وحاله في ذلك حال المئات ممن اختلفت رتبهم وتنوعت أدوارهم، وكله همة وعزيمة في أن يحمل راية تفجير الثورة، وأعظم بها من همة، وأكبر بها من عزيمة، فالثورة كما علمنا أساتذة التاريخ وحكايا الآباء والأجداد يلدها الرجال دوما.