سوف أسبح في هذه الدراسة بمياه محيط الحرب الجزئية العميق للثورة الجزائرية المسلحة، وهو موضوع عزف المؤرخون المحترفون والهواة عن خوض غماره، مركزين جهودهم على الكتابة حول أحداثها الكلية، وتجنب الغوص في التفاصيل والدقائق. وقد يكون السبب في ذلك هو إقامة المتربصين والكائدين والمثبطين للعزائم في تضاريسها المعقدة: صعوبة المسالك، ندرة جزئيات الوقائع، وانطماسها في ذاكرة من صنعوها. المعطيات الجزئية هي التي تمثل الأساس والجوهر، وهي التي تكون دائما محط أنظار الخبراء والقادة العسكريين، ومحل اهتمام وجذب علماء السياسة وأساتذة علم الحرب في الشرق والغرب ممن مارسوها عمليا في الميدان، أو احترفوا الكتابة عنها أو تدريسها نظريا في الكليات. إن رجالات السياسة والقادة العسكريين الأجانب القادمين من مختلف قارات العالم لزيارة الجزائر عامة لتوطيد علاقات بلدانهم معها، والذين زاروا المتحف المركزي للجيش خاصة، خلال عقد من الزمن 1985-1995 وعددهم يتجاوز المئات، كانوا كلهم يركزون في أسئلتهم الاستفسارية وأثناء مداخلاتهم على الأحداث الجزئية للحرب التحريرية الجزائرية، يريدون معرفة التفاصيل المرتبطة بإجراءات تطبيق المبادئ التكتيكية في المعارك، وكذا فنون القتال وأنواع الحيل التي نفذها الثوار في ساحات الحرب وجبهاتها والتي حققوا بها التفوق والانتصار على القوات الفرنسية البالغ تعدادها زهاء المليون مقاتل نظامي، مدعمة بنحو مليون من مليشيا الكولون المسلحة. كما كانوا يرغبون في الاطلاع على عدد أفراد جيش التحرير الوطني الناشط بجبهة الأرياف والجبال، وتعداد أعضاء شبكات الفدائيين العاملين في جبهة المدن والقرى، ومجموع عدد المسبلين والأنصار والدافعين للاشتراكات من المواطنين، وكذا عدد النشطاء الدائمين في التنظيمات المدنية لجبهة التحرير الوطني في الداخل وباتحادياتها الثلاث بالخارج، وكم كان عدد أعضاء القوة الثالثة التي طوعتها فرنسا لتسير في ركابها العسكري وفي فلكها السياسي والإداري، وما هي الأساليب التي عدلت بها الثورة كفة موازين القوى السياسية والعسكرية لصالحها خلال مراحلها المختلفة، وعدد مراكز التدريب وبرامج التكوين ومواضيعه، شبكات الإمداد والتموين، الصحف والإذاعات، شبكات الاتصال اللاسلكي، الأجهزة الاستعلاماتية، ومصادر التمويل المالي، التسليح، وغيرها من دقائق مواضيع الحرب الجزئية. انطلق القائد كريم بالقاسم عام 1952 بعد توليه مهام تسيير الولاية السياسية لمنطقة القبائل قاطبة كمسؤول على التنظيمين السياسي والعسكري، يصدر التعليمات الفورية والأولية ويذلل الصعاب المعترضة ويحث المرؤوسين على تركيز تدريب الملتحقين بالتنظيم العسكري على الاستعمال الجيد للأسلحة، المتفجرات، وكذا على قواعد حرب العصابات. كما حرص في أحد الاجتماعات التي ترأسها بهضبة سيدي عيسى بضاحية قرية شرابة، المشرفة والمطلة على كامل الطرق المجاورة، حضره زهاء 200 مناضل من التنظيمين السياسي والعسكري ينتمون لمدن: دلس، بغلية، سيدي داود، تاورڤة وعفير، على إجراء سبر عملي لآراء الحاضرين لمعرفة موقفهم من مبدأ إشعال لهيب الثورة المسلحة، أسفرت نتيجته عن ترجيح كفة الثورة بنسبة ساحقة. وبناء على ذلك أمر القائد المرؤوسين تكثيف جهود شحذ الهمم وتقوية شعلة الحماس، وتركيز الجهود حول الرفع من وتيرة حشد الوسائل في جميع المجالات: البشرية، المادية، المالية، السياسية والمعنوية. كما ألقى في هذا الاجتماع السياسي المحنك والأديب الشعبي الكبير أحمد بودة عضو القيادة العليا لحركة انتصار الحريات الديمقراطية كلمة معبرة جاء فيها أن الجزائريين يملكون كل الإمكانيات، فهم كفيضان الوادي بعد امتلائه بمياه الروافد، يفيض ويأتي بكل شيء!. وفي شهر أوت 54، انضمم كريم وأوعمران إلى موكب القادة ال22، وأصبح كريم عضوا في لجنة القادة الستة الذين قسموا التراب الوطني إلى 5 مناطق، وأعدوا بيان أول نوفمبر ووزعوا المهام فيما بينهم في شهر سبتمبر، وعُين كريم قائدا سياسيا وعسكريا للمنطقة الثالثة وأوعمران عمر نائبا عسكريا وعبد الله فاضل نائبا سياسيا. وفي شهر سبتمبر ترأس كريم بقمة هضبة سيدي عيسى اجتماعا حضره نحو 400 مناضل من التنظيمين يتقدمهم أوعمران، فاضل، زعموم محمد، قالمي امحمد، كرر فيه تأكيد الانتخاب على مبدأ تفجير الثورة المسلحة، وكانت الأغلبية الساحقة في صالح العمل المسلح الفوري ضد فرنسا. في نهاية هذا اللقاء العامّ الحاسم، أمر كريم بتكثيف التكوين لإتقان فنون الحرب وتشكيل الأفواج القتالية من أعضاء التنظيم العسكري. وتطبيقا لأمر القيادة، تم تشكيل 8 أفواج بأهم فرق القسم العسكري لدلس أي في: شرابة، مشتى علال، أولاد حميدة، بن حمزة، أولاد خداش، الدار البيضاء، سيدي داود وعفير. وفي يوم 15 أكتوبر، أمر كريم بلقاسم بصفته القائد المزدوج المهام لمنطقة القبائل الكبرى قاطبة أعلاها وأسفلها وأحد القادة الستة الذين احتكروا حق تعيين تاريخ انفجار السديم الأعظم لأسباب أمنية، أمر قائدَ ناحية برج منايل زعموم، أن يأمر ڤالمي بإعادة توزيع أعضاء الأفواج البالغ عددهم حينئذ نحو 41 مجندا ناشطا في زمر مصغرة تتكون الواحدة منها من قائد وفردين تسهيلا لتنفيذ المهام القتالية كالانسحاب والسيطرة القيادية، الذوبان في التضاريس الجغرافية والتمويه، الاختفاء، التموين وإمكانية الانتشار في كل مكان، بحيث لا يستطيع العدو معرفة أماكن تواجدها، ولا يمكنه حصر عددها ولا يستطيع السيطرة على تحركاتها ولا رصد عملياتها!. وبعد استكمال التحضيرات العسكرية والانتهاء من التدريبات القتالية النظرية والعملية. وبعد استطلاع الأهداف التي ستستهدف بمدينتي بغلية وسيدي داود (انظر الخريطة)، عقد زعموم الاجتماع التحضيري التنسيقي الأخير، في يوم 30 أكتوبر 54 حضره المجندون ال41 بمنزل محمد بن صايبى بقرية أولاد خداش إحدى فرق عرش بني ثور، حيث تم خلاله تعيين: ڤالمي امحمد مسؤولا سياسيا وعسكريا لقسم دلس، الحداد رزقي نائبا عسكريا، عبديش محفوظ نائبا سياسيا، إعادة استكمال عدد أفراد كل الزمر وإسداء الأسماء المستعارة لكل واحد. وفي يوم 31 أكتوبر 54، وعلى الساعة العاشرة ليلا تجمع المجاهدون الرواد المشكلون للزمر تحت قيادة زعموم بمنزل إيدير علي بعزيب بن حطاب، بحواف الجزء الأسفل لوادي هلال بين قريتي أولاد حميدة وبن حمزة، وهم مدججون بكل لوازم القتال الأساسية المتاحة: أسلحة، متفجرات، بنزين، ثقاب، قنابل يدوية، قطع القماش المشبعة بالبنزين، القفازات المطاطية للوقاية من لهب النيران الخ... وفي غضون هذا الملتقى تم التأكد من أسماء الحاضرين، إسناد المهام لكل زمرة، تعيين نقطة إعادة التجمع بعد الانتهاء من تنفيذ العمليات العسكرية المقررة، وكان موقعها بكدية بن زايد، غرب قرية قوفاف (انظر الخريطة). وفي الساعة الأولى من يوم 1 نوفمبر 54 احتشد المستجيبون طوعا لنداء الواجب الوطني بأطراف مقبرة الشيخ رابح، عند مسلك يؤدي إلى مدينة بغلية من جهة الشرق، حيث كبر الجميع ثلاث مرات. وكانت أعظم ثلاث قنابل روحية أطلقها المدشنون لبداية انعتاق وطنهم من الاحتلال. وأعلن القائد زعموم أن ساعة اندلاع الثورة المسلحة لتحرير الجزائر من مخالب الاحتلال الفرنسي قد دقت، ثم أدى الجميع قسم الإخلاص والتضحية على نسخة من القرآن الكريم ونصه ” أقسم بالله العظيم أن أقاتل من أجل استقلال الجزائر حتى النصر أو الاستشهاد” ! وبعد ذلك عين قالمي الأهداف المعادية التي كانت محل استطلاع مسبق دقيق والواجب ضربها وعددها 8 عمليات، حرقا، قطعا، تخريبا، تصفية جسدية. وأكد على تحلي الجميع بالحيطة والحذر واليقظة والأداء الدقيق، وكرر لهم تسمية الأهداف المستهدفة وكانت كما يلي: •زمرة القيادة تتكون من زعموم محمد المدعو صالح، ڤالمي امحمد المدعو رابح والحداد رزقي. حيث كلفت بتنفيذ مهمة الإشراف على ضمان نجاح العمليات كما خططت، ومراقبة تحركات شرطة وجند رمة العدو، ومتابعة الأنشطة التي تحدث بمدينة بغلية، والمشاركة في تغطية انسحاب الثوار بعد التنفيذ، وتعطيل تقدم القوات الفرنسية إذا تدخلت أو حاولت مطاردتهم أطول وقت ممكن لتمكنيهم من النجاة سالمين. •زمرة تتشكل من: بن صايبي محمد، بونخلة السعيد وعلوش امحمد، أسندت لها أداء مهمة قطع أعمدة الهاتف بالمدخل الجنوبي لمدينة بغلية. •زمرة تضم: بن حدادي محمد، محمد بن محمود، شرابة محمد، أوكلت لها مهمة حرق مقر بلدية بغلية. •زمرة تتكون من قاسيمي محمد، عيبدة، السعيد وعباس محمد، أنيطت لها مهمة التصفية الجسدية لرئيس بلدية بغلية ”قيبو” بمقر سكناه. •زمرة تضم: صبحي السعيد، مكيري الوناس وحدادي محمد، أسندت لها مهمة حرق مركز بريد بغلية، وتصفية المفتش ”سيمون روجي” جسديا، بإقامته بنفس المركز. •زمرة أعضاؤها: الحداد رزقي، إيدير علي، بويحياوي أحمد، منصوري السعيد ومزاري محمد. سلمت لها مهمة إتمام نقل وتوزيع أدوات القتال على الزمر مثل: الثقاب، قطع القماش المشبعة بالبنزين، العلب المعبأة بالنفط، القنابل اليدوية التقليدية والعبوات الناسفة. •زمرة تتألف من: كريم محمد، شعباني رابح والحداد رابح. أسندت لها مهمة حراسة العتاد العسكري المخزن بالمخابئ السرية، الاستطلاع والإنذار المبكر عن قدوم قوات العدو للتدخل السريع. •زمرة تتكون من: عبديش محفوظ، راتني محمد ونجار آكلي، أوكلت لها إنجاز مهمة نسف جسر الحاج عمر المتواجد بالضاحية الشمالية لبغلية، عند التقاء وادي هلال بوادي سباو، على الطريق رقم 25 الرابط بين بغلية ودلس. •زمرة تضم: رمضاني موح الصغير، شيخ محمد وبن حدادي السعيد، أوكل لها تحقيق مهمة توزيع بيان أول نوفمبر. الذي أعلنت فيه القيادة عن اندلاع الثورة وأهدافها، إستراتيجيتها، تكتيكها، دبلوماسيتها ووسائل نجاحها، في قرى وفرق بلدية: دلس، بغلية، بسيدي داود، تاورقة، عفير. •زمرة تتكون من: مسعودي السعيد، الحداد الوناس، مسعودي محمد وبوخالفة رزقي، كلفت بتنفيذ مهمة الاحتياط والبقاء في حالة استنفار ودائم، والاستعداد للتدخل السريع في أي اتجاه يحدده لها قائد القسم عندما تستدعي تطورات الأحداث ذلك. •زمرة تتألف من: زياني موسى ومزغيش حسين، أوكلت لها تنفيذ مهمة قطع أعمدة الهاتف بالمدخل الشمالي لمدينة سيدي داود. •زمرة تتشكل من غازي الربيع وقاصدي موح السعيد. كلفت بإنجاز مهمة حرق مزرعة المستحوذ ”قوقست” بالأطراف الشرقية لمدينة سيدي داود فيما بين الجسر والمدينة. •زمرة تضم: باعزيز علي وهناب محمد. أعطيت لها مهمة قطع أعمدة الهاتف بالمدخل الجنوبي لسيدي داود. •زمرة بها: عبديش علي وشارف الوناس، أسند إليها مهمة الاحتياط والبقاء في حالة تأهب تام، والاستعداد للتدخل ضد أي عدو لمنعه من مطاردة المجاهدين المنفذين للعمليات أثناء انسحابهم. •زمرة: بن شوراق رزقي الذي أعارته قيادة المنطقة الثالثة مع 14 مجاهدا لدعم المنطقة الرابعة التي يغطي ترابها الجزائر العاصمة وما جاورها ومنطقة الوسط ومساعدتها على تنفيذ عمليات عسكرية في ترابها ببوفاريك والبليدة، ضد ثكنات ومواقع عسكرية تحت قيادة عمر أوعمران. بعد استلام المهام وتلقي أمر القتال والحصول على مختلف التعليمات، تسللت كافة الزمر تحت جنح الظلام، متجهة نحو مواقع العدو المقرر مهاجمتها، وهي 5 عمليات ببغلية و3 بسيدي داود (انظر الخريطة)، وكانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة الواحدة صباحا من يوم أول نوفمبر 54، وقامت بتنفيذ ما أمرت بإنجازه على أحسن وجه وبكل انضباط. وطبقوا أثناء الأداء العملي مبادئ تكتيكية اعتمدتها الثورة منذ لحظات عمرها الأولى وهي: الحرق، القطع، التخريب، التصفية الجسدية للغلاة من الاستحواذيين والخونة الجزائريين المتعاملين مع العدو، الهجوم الخاطف، التمويه الجيد، الاختفاء المحكم، الإغارة، سرعة التنفيذ، الانسحاب البرقي، كتمان الأسرار والذوبان في تضاريس الأرض. محمد زعموم يخطب في المجاهدين وبعد إتمام المهام كما خطط لها، انسحبوا سالمين إلى نقطة إعادة التجمع، حيث قدم قادة الزمر تقاريرهم الشفوية للقيادة. واستمع جميع الفرسان إلى كلمة موجزة ألقاها على عجل قائد الناحية زعموم محمد، أعلمهم فيها أن ما قاموا به في هذه الليلة المباركة، هو نفس ما نفذ مثله إخوانهم المجاهدون في كامل التراب الوطني! وبذلك يكونون قد وضعوا هم وإخوانهم حجر الأساس لعملية إعادة بعث أركان الدولة الجزائرية للوجود من جديد!. علما أن العمليات العسكرية التي نفذها 3 آلاف مقاوم منهم ألف مجاهد وألفان من المساندين في 1 نوفمبر 54، بلغ عددها 80 عملية غطت كامل التراب الوطني، لم يكن هدفها الأساسي إحداث خسائر باهظة بشرية ومادية في صفوف قوات العدو العسكرية والأمنية ومؤسساته المختلفة. بل كان غرضها الإستراتيجي الأول هو إعلان سياسي ودبلوماسي وعسكري بطريقة غير مسبوقة في شكله ومضمونه لم يكن يخطر على بال فرنسا وعلى بال الرأي العام الوطني والدولي، يحمل في مفاهيمه عدة دلالات منها أن الجزائريين قد غيروا ما بأنفسهم من تناقضات وسلبيات، وأنهم استخلصوا الدروس السلبية المتمثلة في الأخطاء الفادحة التي ارتكبها أسلافهم حينما خاضوا ثورات محلية وجهوية غير محضر لها جيدا، أو فجروها في أوقات لم تكن مواتية وطنيا وجهويا ودوليا. وأنهم قرروا في هذه الثورة أن لا يعيدوا تكرار صناعة التاريخ بالطرق والأساليب الماضية المهتلكة والمتجاوزة مثل ما حدث في الماضي! وأنهم عازمون على إشعال ثورة شاملة طويلة الأمد تستخدم فيها كل الوسائل، يمولها الشعب الجزائري برمته، بأبنائه وأمواله وأفكاره!. مصير ال41 مجاهدا المدشنين لانطلاق الثورة -الواقعون في الأسر عددهم 21 هم: كريم محمد، بن صايبي محمد، راتني محمد، بن حدادي محمد، نجار آكلي، شيخ محمد، مكيري الوناس، الحداد رابح، محمد بن محمود، شرابة محمد، حدادي محمد، شعباني رابح، بن حدادي السعيد، بن شوراق رزقي، زياني موسى، مزغيش حسين، غازي الربيع، قاصدي موح السعيد، هناب محمد، شارف الوناس، بونخلة السعيد. -المحكوم عليهم بالإعدام وعددهم 5 هم: بن صايبي محمد، بن حدادي محمد، محمد بن محمود، شيخ محمد، مكيري الوناس. -المحكوم عليهم بالسجن المؤبد وعددهم 9 هم: شعباني رابح، حدادي محمد، راتني محمد، نجار آكلي، شرابة محمد، بن حدادي السعيد، بن شوراق رزقي، بونخلة السعيد، كريم محمد. -المحكوم عليهم بالسجن لمدد متفاوتة من 7 أشهر إلى 10 سنوات، وعددهم 6 هم: زياني موسى، مزعيش حسين، غازي الربيع، قاصدي موح السعيد، هناب محمد، شارف الوناس. -المنقولون من السجون الفرنسية بالجزائر إلى السجون بفرنسا وعددهم 5 هم: شيخ محمد، بن حدادي محمد، حدادي محمد، مكيري الوناس، محمد بن محمود. لأن فرنسا اعتبرتهم تهديدا لأمن قواتها بالجزائر وأنهم من أخطر العناصر. -المستشهدون خلال الثورة وعددهم 11 هم: ڤالمي امحمد، إدير علي، بوخالفة رزقي، عباس محمد، الحداد رزقي، قاسيمي محمد، عيبدة السعيد، عبديش محفوظ، صبحي السعيد، عبديش علي، رمضاني موح الصغير. -المغتالون في غضون العشرية السوداء 1991-2000 وعددهم واحد هو: شيخ محمد. -الباقون على قيد الحياة وعددهم 10 هم: بن صايبي محمد، كريم محمد، بويحياوي أحمد، شرابة محمد، حدادي محمد، شعباني رابح، زياني موسى، غازي الربيع، هناب محمد، مزغيش حسين. ارتكزت سياسة المحتلين الفرنسيين طوال 132 سنة تجاه الجزائريين على قواعد ظالمة ثابتة هي: التفرقة العنصرية، الإلغاء، الاضطهاد، مصادرة الأراضي الخصبة، اللامساواة، طمس عناصر الهوية الوطنية، تشويه الألقاب، التهجير القسري للداخل والخارج، النهب المفرط للثروات الوطنية، التجهيل المخطط، التفقير الممنهج، نعت الجزائريين بأقبح الأوصاف وإرغامهم على الاقتناع بحياة البداوة، الفقر، الجهل، التحقير كقضاء وقدر مسلط عليهم من السماء. فلم يترك الاستدمار الفرنسي للشعب الجزائري إلا الخيار بين بديلين اثنين فقط هما: الموت البطيء التدريجي أو المقاومة الساخنة، ولذلك هب يغير ما بنفسه من سلبيات ويختار الثورة المسلحة، وعقد العزم على الاستمرار في خوضها دون كلل حتى تحقيق النصر أو الاستشهاد. فاستجاب له القدر وغير الله مصيره بإعانته على إنجاز النجاح المبين وافتكاك الاستقلال التام. عملت القيادة منذ انطلاق الثورة على توظيف كل عوامل النصر والنجاح، ونفذت جميع وسائل الردع مثل: التصفية الجسدية للخونة من أبناء الوطن، والغلاة من الاستيلائيين الفرنسيين، الإعدام للحركى المقبوض عليهم، المنحرفين أخلاقيا ، وقطع أنوف وجدع شفاه المحجمين عن مقاطعة اقتصاد العدو، وعلى كل من يستمر في استهلاك منتوجات صناعته التحويلية عن طريق معاقرة خموره وتناول تبغه من سجائر وشمة! وتوكيد عزمها على إزاحة كل من يقف في طريقها لإجهاضها. إن الدلالات المختلفة لاختيار تاريخ تفجير الثورة في يوم 1 نوفمبر 54 يمكن حصر أهمها في اقتناع الجزائريين بأنهم أصبحوا أقوى من أي وقت مضى وأن الظرف السياسي الوطني، الجهوي، الإقليمي والدولي ملائم. وأن فرنسا أمست ضعيفة بعد هزيمتها المنكرة في 14 جوان 1940 في عقر دارها وبفييتنام في 20 ماي 1954. واستعداد الدول المجاورة لدعم الثورة بالسماح لها بإقامة قواعد خلفية لوحداتها المقاتلة للإمداد، التموين، ومراكز التدريب، مستشفيات للعلاج. وتفضيل تفجيرها في يوم عيد كل القديسين لأنه يوم عطلة، تكون فيه القوات الفرنسية وأجهزة أمنها في إجازة خارج ثكناتها. النجاح في تطبيق مبدأي: المبادرة والمفاجأة الإستراتيجيتين بفضل التمويه الجيد والإخفاء المحكم لحصص التكوين العملي العسكري في الميدان قبيل الثورة، كتمان الأسرار، الاستخدام الفعال لتضاريس الأرض، والطرق المبتكرة في تشكيل الوحدات الجهادية بحيث تنحصر معرفة الأسماء الحقيقية على أسماء الأفراد المكونين للزمرة فقط دون الزمر الأخرى، بفضل تسلسل التنظيم العمودي لها. النجاح في تنفيذ 80 عملية عسكرية في وقت واحد متزامن في كامل التراب الوطني بفضل التنسيق المسبق بين قادة المناطق الخمس وانضباط المجاهدين المنفذين لأوامر قادة النواحي والأقسام. والتأكيد للعدو أن ثورة نوفمبر تختلف في شكلها ومضمونها ومبادئ إستراتيجيتها وقواعد تكتيكها وأهدافها وأساليبها القيادية على جميع الثورات العشرين الكبرى والعشر الصغرى التي خاضها الشعب الجزائري ضده عبر العقود الماضية، منذ مقاومة أحمد زعموم بمتيجة والقبائل السفلى سنة 1830، وإلى غاية انتفاضة منطقة الأوراس بقيادة مسعود زلماط عام 1916. تميزت التركيبة البشرية لأبطال أول نوفمبر بقسم دلس خاصة وكل أقسام المناطق الخمس عامة، ممن دشنوا الانفجار العظيم بالفتوة أي سن الشباب، فمتوسط العمر كان يتراوح بين 20 و25 عاما، وهو سن العطاء اللامحدود. وأن هؤلاء الرواد كانوا متكونين سياسيا، متدربين عسكريا، معبئين نفسيا ومعنويا، مشحونين روحيا بمدارس الحركة الوطنية وجمعية العلماء والزوايا عامة، وبمراكز التنظيم العسكري ”O.S” خاصة، مقتنعين بأهداف الثورة، مؤمنين بمبادئها وفلسفتها إيمانا حقيقيا بقلوبهم وعقولهم وجوارحهم، متشبثين بأخلاقياتها الفاضلة، متحليين بالأقوال المتطابقة مع الأفعال. وتوافق سلوكاتهم مع قيم شعبهم المحمودة والخصائص المميزة له. ولذلك نال هؤلاء الفرسان بكامل التراب الوطني التمجيد لأسبقيتهم في الجهاد، ولإنجازاتهم الباهرة ومصداقيتهم الأكيدة وانحيازهم التام للدفاع عن الوطن بالنفس والنفيس ونكرانهم لذواتهم واعتقادهم الراسخ في النصر الذي زرعوا بذوره مبكرا. فنالوا التمجيد في الصفحات الذهبية للتاريخ وهم أحياء في الدنيا، والخلود بالجنة في الآخرة. وبالعكس سينال رواد الفساد والناشرون له والساكتون عنه في مراحل الاستقلال العار وهم أحياء على أديم الفانية المؤقتة، والحرق بنار جهنم في الدار الدائمة! لم يشف غليل فرنسا شتم الجزائريين عن طريق إطلاقها أسماء تحقيرية عليهم طوال مدة احتلالها لبلادهم بالقوة الممتد من 1830 إلى 1954، بل ركبت رأسها وراحت خلال سنوات حرب التحرير 54/62 تصعِّد من سبها للمجاهدين وتطلق عليهم جامّ غضبها بواسطة رشقهم بنعوت تدل على حقد دفين يبعث على الاستغراب والاشمئزاز؟!. بعيدة كل البعد على آداب المعاملات الإنسانية اللائقة التي تسود بين الأمم والشعوب والحكام والمحكومين. إنه تصرف خارج عن حدود دوائر كل الأعراف وقوانين الاحترام ؟. فقد سمت الثوار ب: الفلاقة ”Fellagas” بمعنى لصوص الطرق الكبرى المسلحون، محطمو الرؤوس ”Casseurs de têtes”، الشريرون جدا ”Felouzes”، قطاع الطرق ”Coupeurs de route”، العصاة ”Insurgés”، الخارجون على القانون ”Hors la loi”، المجرمون المسلحون ”Bandits”، المتمردون ”Rebelles”... وكان غرضها الأول هو تشويه سمعتهم البيضاء وخدش أخلاقهم الفاضلة، الحط من قيمتهم ومقامهم العالي، التقليل من الآثار الإيجابية لانتصاراتهم، إنكار صفة المقاتلين الشرعيين عنهم وإظهارهم أمام الرأي العام الوطني الفرنسي والدولي كوحوش ضارية، همهم الوحيد القتل وسفك الدماء دون مبرر، بقصد حرمانهم من التأييد والمؤازرة المادية والمعنوية والسياسية!. غير أن الدبلوماسية الخلاقة للثورة جعلت الرياح تهب في الاتجاه المعاكس لما كانت ترغب فيه وتبيت له فرنسا. إن الدرس القيم الذي لقنه لنا التاريخ والذي يجب أن يضعه الأفراد والجماعات نصب أعينهم عند توليهم أي مهام، هو أن الإنسان تمجده أعماله الباهرة لا أقواله الدعائية الجوفاء غير القابلة للإنجاز والقياس، وتخلده مواقفه الإيجابية وأياديه البيضاء وأخلاقه الفاضلة، ومصداقيته الأكيدة ونواياه الحسنة القابلة للتجسيد الحسي الملموس، وتقديسه للمال العام والعمل المنتج للقيم المضافة والثروات المختلفة! المطلوب والملزم أخلاقيا من منظمات المجتمع السياسي والمدني، مراكز البحث، المؤرخين، المخرجين والفنانين ورجال الأعمال، والمهتمين بالثقافة والتاريخ أن يهبوا من تلقاء أنفسهم وبإرادتهم الحرة وبكل استقلالية، ويبادروا ولا ينتظروا الإيحاء والإيعاز لا من زيد في السلطة، أو عمرو من أصحاب المال الوطني الفاسد أو من ميشال بالخارج، أن يملي عليهم مواضيع نشاطاتهم، بل عليهم تقليد نظرائهم بالدول المتقدمة وينطلقوا بجدية ومثابرة في التجسيد العملي للأحداث التاريخية ذات العلاقة بالذاكرة الجماعية للأمة التي صنعها أبطالنا الأشاوس، التي بقيت وبقوا مغمورين لا تعرف الأجيال الحالية عنهم إلا النزر القليل المشوه أو المرتجل السطحي، ما يحتم على محترفي كتاب السيناريو وإنتاج وإخراج الأفلام والمؤرخين تدارك العجز المسجل، وأن يسارعوا ولا ينتظروا حلول المناسبات متراصفين لرعاية وصناعة القوة الناعمة المميزة لأمتنا، والاندفاع نحو إبراز ما هو محمود من مآثر الأسلاف والأجداد والآباء بشكل متسلسل الحلقات دون تثاقل ولا تردد. بغرض إنتاج الغذاء الثقافي، النفسي، الروحي،المعنوي، الضروري لتقوية معنويات الأجيال الحالية والقادمة وتسليحها بوسائل الدفاع والهجوم، لمواجهة الرهانات وقهر التحديات، وتحصينها من عوامل التغريب والذوبان في ثقافة الآخر المتقدم المصنع لعناصر قوته الناعمة المبهرة، ولا نكتفي نحن بالاستهلاك اللاواعي فقط. وبذلك نوفر لها وسائل الافتخار والرؤوس مرفوعة والصدور بارزة والقامات مستقيمة والثغور مبتسمة والمعنويات مرتفعة بمساهمات الأسلاف في إثراء الحضارة الإنسانية شرقا وغربا، بدون عقد نقص ولا دونية محبطة. وحمايتها من الإصابة بداء انسحاق الآنية الوطنية. واعتبار الثقافة والعلوم الإنسانية وفي مقدمتها التاريخ أداةً فعالة في التنمية البشرية المستدامة ذات مردود غزير وقيمة مضافة عالية. للأسف نعاني نحن الجزائريين منذ القدم من عجز مهول ومزمن فيما يتعلق بالقراءة الصحيحة لأحداث التاريخ واستلهام دروسه الإيجابية، ومن تهاون فادح في توظيفها لتشكيل الوعي بالمخاطر المحدقة ببلادنا حاضرا ومستقبلا. ومعرفة الأخطاء المرتكبة لتلافي إعادة تكرارها، ربحا للوقت والجهد والمال، وخوض غمار المستقبل دون مخاطر ولا عقد. إن معاناة الجيل القديم والجيل الحالي خلال ال50 سنة المنفلتة من الجوع الثقافي والفقر المعنوي والهشاشة النفسية، والتصحر المعرفي قد سبب لهما الإصابة بسوء تغذية معنوية حاد ومزمن نتيجة حرمانهما من معرفة بطولات الأسلاف والأجداد والآباء وجهل ابتكاراتهم ومساهماتهم في شتى المجالات: السياسية والعسكرية والثقافية والروحية. والدليل على ذلك هو رد الفعل الإيجابي الكثيف بعد كتابتي دراسة حول معركة وادي هلال في 22 ديسمبر 54 بالمنطقة التي أنحدر منها دلس، نشرتها بجريدة الخبر في يومي: 9-10/07/2012، فبعد قراءة الدراسة من طرف القراء، تهاطلت على بريدي الإلكتروني عشرات الرسائل النصية من كل حدب وصوب من فرنسا، ألمانيا، تونس، ومن مختلف المدن الجزائرية من جهاتها الأربعة، يطلب أصحابها الحصول على المزيد من المعطيات حول تاريخ أبطالهم وأمجاد وطنهم. وأخيرا أطلب من المجاهدين الأحياء ومن أبناء وأحفاد وأقارب الشهداء خلال الثورة، ومن أبناء وأحفاد وأقارب المجاهدين المتوفين في مرحلة الاستقلال، أن يرسلوا لي عن طريق بريدي الإلكتروني [email protected] المعلومات المتاحة لديهم وكذا صور من لم تنشر صورهم في هذه الدراسة لأضيفها مستقبلا. كما أوجه نفس النداء للمجاهدين الأحياء وأبنائهم وأبناء أقارب الشهداء، وأبناء وأحفاد المجاهدين المتوفين خلال مرحلة الاستقلال الذين شاركوا في تفجير الثورة في غرة نوفمبر 54، بكل الأقسام العسكرية التي كانت تغطي جغرافية المنطقة الثالثة الشاملة للقبائل الكبرى وإلى كل المواطنين المهتمين بكتابة تاريخ هؤلاء الأبطال عبر كامل تراب أقسام المناطق الأربعة الأخرى حتى أتمكن من كتابة دراسات مماثلة عنهم مستقبلا. انطلق القائد كريم بالقاسم عام 1952 بعد توليه مهام تسيير الولاية السياسية لمنطقة القبائل قاطبة كمسؤول على التنظيمين السياسي والعسكري، يصدر التعليمات الفورية والأولية ويذلل الصعاب المعترضة ويحث المرؤوسين على تركيز تدريب الملتحقين بالتنظيم العسكري على الاستعمال الجيد للأسلحة، المتفجرات، وكذا على قواعد حرب العصابات. في يوم 31 أكتوبر 54، وعلى الساعة العاشرة ليلا تجمع المجاهدون الرواد المشكلون للزمر تحت قيادة زعموم بمنزل إيدير علي بعزيب بن حطاب، بحواف الجزء الأسفل لوادي هلال بين قريتي أولاد حميدة وبن حمزة، وهم مدججون بكل لوازم القتال الأساسية المتاحة مصادر البحث اعتمدت في كتابة هذه الدراسة على المصادر التالية: -الشهادات الكتابية للمجاهدين الذين عايشوا الأحداث مثل: بن صايبي محمد ومسعودي السعيد. -الشهادات الشفوية للثوار الذين عاشوا الوقائع، صرحوا بها قبل وفاتهم خلال الاستقلال، ومن أبنائهم وأقاربهم مثل: رشيد قاسيمي، إيدير إسماعيل وشيخ رابخ. -شهادات المجاهدين الأحياء الذي شاركوا في تفجير الثورة في يوم 1 نوفمبر 54 بقسم دلس، مازالوا أحياء يرزقون وعددهم 7 هم: بن صايبي محمد، كريم محمد، شرابة محمد، حدادي محمد، زياني موسى، بويحياوي أحمد، شعباني رابح. -محاضر استنطاق الأسرى العشرة من قسم دلس المدونة بلائحة الاتهام أثناء محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية الدائمة للجزائر العاصمة يومي 28-29 نوفمبر 1955. -محتوى بلاغات البحث عن المجاهدين التي نشرتها أجهزة الأمن الفرنسية بالصحف الصادرة بالجزائروبفرنسا قبيل وبعد اندلاع الثورة. -شهادات الوجود بالسجون الفرنسية بالجزائروبفرنسا خلال الثورة للمجاهدين المدرجة أسماؤهم بالدراسة. -الشهادة الخطية التي أرسلها المقاوم التونسي محمد بن محمود لوزير الخارجية الجزائري . -مخطوط تاريخ ”عزيب الشيخ” بغلية حاليا للأستاذ قاسيمي رشيد.