عندما يتحدث إبراهيم غوشة بنفسه عن تجربة الإخوان المسلمين في الأردن وفلسطين وعن تجربة حماس فلا بد أن يلقى آذاناً صاغية من كافة المتخصصين والباحثين في الشأن الفلسطيني، فضلاً عن أبناء الحركة الإسلامية والمتابعين لشأنها، اذ يقدم الكاتب رؤيته لتجربة حماس في الانتفاضة والعلاقة مع فتح وأحداث 11 سبتمبر ووفاة ياسر عرفات وفوز حماس في الانتخابات التشريعية وما ترتب على ذلك من استحقاقات هائلة، والحسم العسكري في قطاع غزة، يتأكد ذلك من قراءة كتابه (المئذنة الحمراء: سيرة ذاتية).. الذي يضم 376 صفحة، الصادر فى طبعته الأولى فى سنة 2008 عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات فى ببيروت. لأول مرة يُصدر أحد أبرز قيادات حماس في الخارج مذكراته، وهي بحق شهادة على العصر، وعلى تجربة الإخوان وحماس من داخلها، لذلك تأتي غنية بالمعلومات التي تُنشر لأول مرة لرجل عاش في الوسط الإخواني الفلسطيني والأردني لمدة تزيد عن خمسين عاماً، ولرجل كان هو الناطق الرسمي باسم حماس في الفترة (1991 - 1999)، وأحد أبرز صنّاع قرارها السياسي خصوصاً في السنوات ال12 الأولى من نشأتها، وهو ما يعني أن هذا الكتاب سيصبح مصدراً لا غنى عنه للباحثين والدارسين للقضية الفلسطينية، وخصوصاً للتيار الإسلامي الفلسطيني. اختار غوشة لمذكراته اسم (المئذنة الحمراء: سيرة ذاتية) لينقلنا إلى أجواء مدينة القدس حيث نشأ، وكانت تتراءى له مئذنة المسجد الحمراء قرب بيته، يتحدث غوشة في كتابه المكون من 15 فصلاً بلغة سهلة صريحة، يمتزج فيها الجانب الاجتماعي العائلي الإنساني بالجانب الحركي والدعوي، والجانب السياسي والجانب المقاوم، بشكل لا تكلّف فيه وبعيداً عن لغة الأنا التي تكثر في كتب المذكرات، وتجد نفسك أمام شخص مؤمن بدعوته، ومشرب بروح الولاء والجندية لها، ومستعد للتضحية في سبيلها. المولد والنشأة والنكبة ولد إبراهيم غوشة سنة 1936 بعد نحو شهر من انتهاء المرحلة الأولى من الثورة الكبرى في فلسطين، ويتحدث غوشة في الفصل الأول من كتابه عن عائلته وذكريات طفولته، ويصف القدس وأحياءها وأسواقها والمسجد الأقصى، في الفترة التي سبقت حرب 1948 . ويتحدث في الفصل الثاني عن ذكرياته حول نكبة ,1948 ويتعرض لمعركة القسطل واستشهاد عبد القادر الحسيني، وعن اضطرار العائلة للانتقال إلى أريحا قبل العودة إلى القدس مرة أخرى. ويتحدث عن تزايد الاهتمام السياسي في أوساط الفتيان والشباب ومحاولة التعرف على الطريق الأمثل لتحرير فلسطين، ويذكر أنه انجذب عندما كان في الصف السادس الابتدائي، إلى دروس الشيخ تقي الدين النبهاني التي كان يلقيها في شعبة الإخوان المسلمين، وأنه انتظم في الإخوان عندما كان في السابع الابتدائي، متلمساً طريق أخيه الأكبر مرسي وابن خاله محمود العريان. ثم يتحدث عن بدايات حزب التحرير في القدس، وكيف تمكن النبهاني من استقطاب أغلب مثقفي ومعلمي الإخوان المسلمين، ولم يبق إلا عدد محدود أمثال زكريا قنيبي وإبراهيم أبو عرفة، ثم كيف استعاد الإخوان زمام المبادرة، مستفيدين من أجواء انتشار الإخوان القوي في مصر وشرقي الأردن، ومن عودة الطلاب الدارسين من مصر، وكيف أسهم أمثال شحادة الأنصاري وسالم علي سالم ومحمد نمر وهبة في إعادة تنظيم وتقوية العمل الإخواني في القدس. ويلقي غوشة إضاءات جديدة حول أنشطة الإخوان المسلمين في القدس حتى سنة 1954 ، وفي الفصل الثالث يتحدث غوشة عن باقي عقد الخمسينيات وخصوصاً مرحلة دراسته للهندسة في مصر، وعن العمل الإخواني السرّي للفلسطينيين والأردنيين تحت ظروف أمنية صعبة أيام حكم عبد الناصر، وعن كيفية التنسيق بين الإخوان القادمين من الأردن والقادمين من قطاع غزة. ويلقي غوشة أضواء مهمة على رابطة طلبة فلسطين حيث يؤكد أن القائمة الطلابية التي كان يدعمها الإخوان كانت هي التي تفوز في الانتخابات، وكانت في البداية بقيادة ياسر عرفات الذي كان مقرباً للإخوان، ثم بقيادة صلاح خلف (أبو إياد) الذي كان عضواً في الإخوان، غير أن النشاط الإخواني الطلابي أصابه الضعف مع أواخر الخمسينيات بسبب الضغط الأمني عليهم. وحول الإخوان وعلاقتهم بنشأة حركة فتح ينبه إلى أن الرواد الأوائل من فتح كانوا أعضاء في الإخوان أمثال خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كان يُمثل إخوان غزة عندما كان يلتقي غوشة ممثلاً عن إخوان الأردن، ويشير إلى أسماء أخرى من أمثال عبد الفتاح حمود، رياض الزعنون، محمد يوسف النجار ممن أصبحوا قادة في فتح، كما يوضح كيفية الانفصال والتمايز بين من أسسوا فتح وبين الإخوان، ويقدم غوشة في هذا الفصل تقييماً لتجربة عبد الناصر. الكويت والأردن ثم يتحدث غوشة عن فترة عمله في بلدية الكويت (1962 - 1966)، ويقدم رؤية حول إنشاء منظمة التحرير وموقف فتح والإخوان منها. ويتوقف للحديث عن أول مراقب عام للإخوان المسلمين الفلسطينيين الأستاذ هاني بسيسو الذي كان يعمل مدرساً في العراق، والذي استدعاه الإخوان لقيادة التنظيم الفلسطيني سنة ,1963 حيث استقر في مصر، وقد قبض على بسيسو مع سيد قطب في الضربة التي تعرض لها الإخوان سنة 1965 ومات في السجن. عاد غوشة للأردن وعمل في بناء سد خالد بن الوليد ومن هناك ينقل لنا التفاعل الإخواني مع كارثة حرب جوان 1967 والعمل الفدائي الفلسطيني، والإسهام الإخواني في معسكرات الشيوخ، ورؤية الإخوان لمعارك الجيش الأردني مع المنظمات الفدائية في (1970 - 1971) . شارك غوشة في بناء أبراج الكويت في أوائل ,1971 ثم عاد ليشارك في بناء سد الملك طلال في الأردن منذ أواخر ,1972 ويتحدث غوشة عن بداية العمل الإخواني في نقابة المهندسين في الأردن عندما أسندت له رئاسة تيار الإخوان فيها سنة ,1973 وبدأت مشاركتهم في التزايد منذ مجلس النقابة التاسع (1974 - 1975)، إلى أن تمكنوا من استقطاب ليث شبيلات ودعموه ليصبح رئيساً للنقابة (1982 - 1983) . العمل الإسلامي لفلسطين في الخارج ويكشف غوشة النقاب عن جوانب من العمل الإسلامي لفلسطين في الخارج والتي كان أبرزها تشكيل قسم فلسطين الذي يتبع قيادة الإخوان في الأردن، ذلك بعد أن اندمج التنظيم الفلسطيني في قطاع غزة مع إخوان الأردن سنة ,1978 ويتحدث عن المؤتمر الداخلي الذي عقده هذا القسم سنة ,1983 بحضور عدد من قيادات الإخوان من الضفة الغربية أمثال حسن القيق، ومن قطاع غزة أمثال عبد الفتاح دخان ومن الكويت أمثال خالد مشعل وغيرهم. وهو لقاء مهم حدد مسارات وأولويات العمل الإخواني تجاه فلسطين وأكد على أن العمل الجهادي في فلسطين لا يتعارض مع العمل لإقامة الدولة الإسلامية وإنما يسيران جنباً إلى جنب. كما أكد المؤتمر بذل الاستعدادات اللازمة لانطلاقة العمل المقاوم، كما يشير غوشة إلى تشكيل جهاز فلسطين بقرار من التنظيم العالمي للإخوان، وهو الجهاز الذي كان يتابع من وراء ستار انطلاقة حماس وما تلاها. ويشير غوشة إلى بدايات تفرّغه في حركة حماس سنة ,1989 بطلب من محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام للإخوان آنذاك، وقد أسندت لغوشة مهمة تشكيل أول لجنة سياسية لحركة حماس حيث تفرغ للعمل فيها في الكويت. علاقة حماس بفتح والأردن في الفصل الثامن يلقي غوشة الضوء على علاقة حماس بفتح ومنظمة التحرير، وعن موقف حماس من الدخول في المنظمة عندما اشترطت سنة 1990 الحصول على 40 % من مقاعد المجلس الوطني. ويستعرض لقاءات الحوار مع فتح حيث كان أولها في اليمن أوت 1990 والثاني في أوت ,1991 كما يتحدث عن الاحتلال العراقي للكويت ومشاركته -أي غوشة- ممثلاً لحماس مع الوفود في محاولات رأب الصدع وإقناع القيادة العراقية بالانسحاب. كما يتحدث عن تصاعد الدور الإخواني في العمل السياسي في الأردن إثر فوزهم الكبير في انتخابات البرلمان ,1989 ويلقي الضوء على بدايات قدوم عدد من قيادات حماس من الكويت للأردن، وبدايات ترسيم العلاقة بين حماس وبين الحكومة الأردنية. ويشير إلى تعيينه أواخر سنة 1991 ناطقاً رسمياً باسم حماس، وإلى الحوار مع الجبهتين الشعبية والديمقراطية، ولقاء الفصائل العشرة سنة ,1991 الذي شكّل فيما بعد تحالف الفصائل العشرة في مواجهة اتفاق أوسلو. يتحدث غوشة في الفصل التاسع عن تطور علاقة حماس مع الأردن، وكيف تم ترسيم العلاقة بينهما سنة (1992 - 1993)، وعن تطورات العلاقة مع فتح والموقف من اتفاق أوسلو، وعن بدايات اتصالات حماس الخارجية أوائل 1993 خصوصاً فيما يتعلق بالضغط من أجل إعادة مبعدي مرج الزهور، حيث تمّت مقابلة مسؤولين في السفارات الأميركية والألمانية والبريطانية والإيطالية والنرويجية في عمّان، غير أنه في نهاية مارس 1993 أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قرارا بحظر الاتصال بحماس. يركز غوشة في الفصل العاشر على الفترة (1994 - 1996)، ويوضح عدداً من أنشطة حماس ومواقفها في معارضة اتفاق أوسلو والعمليات الاستشهادية واستشهاد يحيى عياش والعلاقة بفتح، وعودة العلاقات للتوتر مع الأردن واضطرار موسى أبو مرزوق وعماد العلمي لمغادرة الأردن سنة 1995 وانتخاب خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي خلفاً لأبي مرزوق في نهاية 1995 . ويستعرض في الفصل الحادي عشر تطورات العلاقة مع الأردن ويلقي الضوء على محاولة اغتيال خالد مشعل وانعكاساتها وتحرير الشيخ أحمد ياسين وجولته في الخارج. ثم يشرح في الفصل الذي يليه العلاقة المتوترة التي تفاعلت سنة 1999 مع الحكومة الأردنية والمخابرات، ويتكلم بالتفصيل عن عملية اعتقال قيادات حماس في الأردن وحياتهم في السجن، ومواقفهم السياسية، وعن عملية الإبعاد إلى قطر لأربعة قيادات هم خالد مشعل، إبراهيم غوشة، سامي خاطر، عزت الرشق وما تبع ذلك من تعقيدات. رؤية ذاتية غنية بالمعلومات والمواقف في الفصل الثالث عشر يتحدث غوشة عن الفترة من 2000 إلى ,2001 وكيف تطورت العلاقة مع دمشق والأردن والسلطة الفلسطينية، وعن انتفاضة الأقصى، ويتوقف بالتفصيل عند قصة عودته إلى الأردن في منتصف جوان ,2000 وما تعرض له من احتجاز في المطار دام نحو أسبوعين، إلى أن تم تسوية الأمر وفق ترتيب جديد، تم اصطحابه فيه في طائرة سافرت إلى بانكوك ثم عاد إلى الأردن. لم يفقد غوشة حيويته ومتابعته للأحداث في السنوات التالية، والمشاركة بما يستطيع من أنشطة وفعاليات، لكن وضعه في الأردن قيّد من حركته. ويقدّم غوشة في الصفحات الباقية من الكتاب تقييماً للسنوات (2001 - 2007)، ويقدم رؤيته لتجربة حماس في الانتفاضة والعلاقة مع فتح، وأحداث 11 سبتمبر، ووفاة ياسر عرفات وفوز حماس في الانتخابات التشريعية وما ترتب على ذلك من استحقاقات هائلة والحسم العسكري في قطاع غزة. ويكشف غوشة أنه تحفّظ شخصياً على مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية، لما يترتب على ذلك من استحقاقات هائلة، مبيناً أنه كان يخشى من إضعاف محور المقاومة في عمل حماس، ولكنه يؤكد على احترامه رأي الأغلبية والتزامه به. ان كتاب المئذنة الحمراء.. غني بالمعلومات والمواقف التي سيحتاجها أي باحث للتاريخ الحديث والمعاصر في قضية فلسطين، وقد كان جميلاً أن يختتم الكتاب بفهرس للأسماء والأماكن والمؤسسات الواردة في الكتاب مما يسهّل عمل الباحثين. ------------------------------------------------------------------------