عانت الجزائر طيلة أكثر من 132 سنة من الاستعمار البغيض، الذي دخل بالقوة واستعمل كل الأساليب لقمع الشعب الجزائري الذي لم يرضخ له، كما نقض جميع المعاهدات التي أبرمت مع أعيان مدينة الجزائر وانتهك بذلك الحرمات والمقدّسات الدينية. لكن مع مطلع الثلاثينيات والأربعينيات وظهور الحرب العالمية الأولى والثانية، تفطّن الجزائريون إلى أنّ فرنسا التي تدّعي أنّها أكبر قوة في المحيط الأطلسي ما هي إلاّ أكذوبة، وذلك لما رأوه حين حاربوا في الجبهة الفرنسية ضد الألمان بإرغام من المستعمر الذي أقحمهم في حرب لا ناقة ولا جمل لهم فيها، بالإضافة إلى الحرب الباردة وصراع القطبين الأمريكي والاتحاد السوفياتي سابقا روسيا حاليا، دون أن ننسى مساندة بعض الدول العربية كدولة العراق الشقيقة ومصر بزعامة الراحل جمال عبد الناصر. وبالمقابل، كانت الحرب الفيتنامية محفّزا قويا للدول المستعمرة لتنال استقلالها وغيرها من الحركات التحررية في العالم بدءا بنلسون ما نديلا، باتريس لومومبا في الكونغو وديسموند توتو في جنوب إفريقيا، وقد استغل قادة جبهة التحرير الوطني ذلك للقيام بالثورة والانتصار على الاستعمار، وأصبحت هي الأخرى مثالا يقتدى به في الدول الأخرى التي نالت استقلالها بفضل دعم الجزائر التي اكتوت بنار الاحتلال الفرنسي لهذه الحركات التحررية انطلاقا من مبادئ أول نوفمبر التي مازالت تؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد صدق الزعيم الثوري الإفريقي الغيني اميلكال كابرال عندما قال عبارته الشهيرة: «إذا كانت مكة قبلة المسلمين والفاتيكان قبلة المسيحيين، فإنّ الجزائر تبقى قبلة الأحرار والثوار»، وهذا تعبيرا عمّا تمثّله حرب التحرير الوطني لكل الشعوب الإفريقية، وما تزال بلادنا متمسّكة بمبادئها النبيلة اتجاه القضية الفلسطينية والصحراوية اللّتان ما زالتا تكافحنا لنيل استقلالهما، وقد جلبت هذه المساندة متاعب سياسية دولية كبيرة للجزائر لدفعها بالكف عن مواصلة دعمها لحركات التحرر في العالم، ولكنها آثرت مصالح شعوب بأكملها على مصالحها الآنية.