العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



5 جويلية 1962.. انتصار الحرية وانكسار الظلم والاستعباد
نشر في الحوار يوم 04 - 07 - 2010


قصة عودة الحق لأصحابه.. ورب همة أحيت أمة
قصة الجزائر واستقلالها، قصة طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية ومطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة الفريدة مليون ونصف المليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، وكتبت أحداثها بدماء قانية غزيرة أهرقت في ميادين المقاومة، وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون...، وشاءت الأقدار بعد مشيئة الله عز وجل أن يكون اليوم الذي بدأ فيه الاحتلال الفرنسي للجزائر هو نفس اليوم الذي استقلت فيه غير أن الفارق الزمني بينهما (132) عام امتلأت بالأحداث والتضحيات..، إلى أن تم إعلان استقلال الجزائر بعد ثورة قدم فيها شعب الجزائر تجربة هزت العالم أجمع، وشكلت مفصلا في تاريخ شعوب آسيا وإفريقيا خاصة.
إذ وضع هذا الشعب النهاية الحاسمة لواحدة من أهم وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، وأجبر فرنسا على التسليم بهزيمتها بعد مائة واثنين وثلاثين عاما، ويجمع المؤرخون بسبب ذلك على أن الثورة الجزائرية كانت من بين أكبر الثورات التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني تماما.
دخل الفرنسيون مدينة الجزائر في 5 جويلية ,1830 وكان عدد القوات الفرنسية التي نزلت الجزائر حوالي أربعين ألف مقاتل، خاضوا أثناء احتلالهم لبلدنا الأبي معارك شرسة استمرت تسع سنوات فرضوا خلالها سيطرتهم على الجزائر، وكان الاستعمار الفرنسي يهدف بالدرجة الأولى إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعًا لفرنسا، لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، الذين بلغ عددهم عند استقلال الجزائر أكثر من مليون مستوطن، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل كثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.
قصة الجزائر واستقلالها، قصة طويلة الفصول، حزينة الأحداث، تجمع بين البطولة والمأساة، بين الظلم والمقاومة، بين القهر والاستعمار، بين الحرية ومطلب الاستقلال، كان أبطال هذه القصة الفريدة مليون ونصف المليون شهيد، وملايين اليتامى والثكالى والأرامل، وكتبت أحداثها بدماء قانية غزيرة أهرقت في ميادين المقاومة، وفي الجبال الوعرة، حيث كان الأحرار هناك يقاومون...، وشاءت الأقدار بعد مشيئة الله عز وجل أن يكون اليوم الذي بدأ فيه الاحتلال الفرنسي للجزائر هو نفس اليوم الذي استقلت فيه غير أن الفارق الزمني بينهما (132) عام امتلأت بالأحداث والتضحيات..، إلى أن تم إعلان استقلال الجزائر بعد ثورة قدم فيها شعب الجزائر تجربة هزت العالم أجمع، وشكلت مفصلا في تاريخ شعوب آسيا وإفريقيا خاصة.
إذ وضع هذا الشعب النهاية الحاسمة لواحدة من أهم وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، وأجبر فرنسا على التسليم بهزيمتها بعد مائة واثنين وثلاثين عاما، ويجمع المؤرخون بسبب ذلك على أن الثورة الجزائرية كانت من بين أكبر الثورات التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني تماما. دخل الفرنسيون مدينة الجزائر في 5 جويلية ,1830 وكان عدد القوات الفرنسية التي نزلت الجزائر حوالي أربعين ألف مقاتل، خاضوا أثناء احتلالهم لبلدنا الأبي معارك شرسة استمرت تسع سنوات فرضوا خلالها سيطرتهم على الجزائر، وكان الاستعمار الفرنسي يهدف بالدرجة الأولى إلى إلغاء الوجود المادي والمعنوي للشعب الجزائري، وأن يكون هذا البلد تابعًا لفرنسا، لذلك تعددت وسائل الفرنسيين لكسر شوكة الجزائريين وعقيدتهم ووحدتهم، إلا أن هذه المحاولات تحطمت أمام صلابة هذا الشعب وتضحياته وتماسكه، فقد بدأ الفرنسيون في الجزائر باغتصاب الأراضي الخصبة وإعطائها للمستوطنين الفرنسيين، الذين بلغ عددهم عند استقلال الجزائر أكثر من مليون مستوطن، ثم محاربة الشعب المسلم في عقيدته، فتم تحويل كثير من المساجد إلى كنائس أو مخافر للشرطة أو ثكنات للجيش، بالإضافة إلى ما ارتكبوه من مذابح بشعة، أبيدت فيها قبائل بكاملها.
بالقمع والقوة.. فرنسا حاولت طمس هوية الجزائر
لقد أحدث المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر جروحًا عميقة في بناء المجتمع الجزائري، حيث عملت فرنسا على إيقاف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائر مائة واثنتين وثلاثين سنة، وحاولت طمس هوية الجزائريين الوطنية، وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها هذا المجتمع، بضرب وحدته القبلية والأسرية، واتباع سياسة تبشيرية تهدف إلى القضاء على دينه ومعتقده الإسلامي، وإحياء كنيسة إفريقيا الرومانية التي أخذت بمقولة ''إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين''. وكان التوجه الفرنسي يعتمد على معاداة العروبة والإسلام، فعملت على محو اللغة العربية، وطمس الثقافة العربية والإسلامية، وبدأ ذلك بإغلاق المدارس والمعاهد، ثم تدرج مع بداية القرن العشرين إلى منع تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة أجنبية، وعدم السماح لأي شخص أن يمارس تعليمها إلا بعد الحصول على ترخيص خاص وفي حالات استثنائية، ومن ناحية أخرى عملت على نشر الثقافة واللغة الفرنسية، واشترطوا في كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلم اللغة الفرنسية، كذلك عملوا على الفصل بين اللغة العربية والإسلام والترويج لفكرة أن الجزائريين مسلمون فرنسيون. ويقول خبراء إن الجرائم المرتكبة في عهد الاستعمار ما بين 1830 إلى 1962 لا زالت تشهد عنها الأجيال المتتالية، ولا زالت آثارها خالدة في هذا القطر الجريح الذي سقت دماء الشهداء كل شبر من أراضيه، بحيث أنه من المستحيل أن ينكرها التاريخ ومن المستحيل أن يكتب عنها كل المؤرخين والباحثين. ويؤكد الخبراء في ذات السياق أن الجيش الاستعماري الفرنسي اعتمد إستراتيجية الحرب الشاملة والإبادة والدمار في تعامله مع الشعب الجزائري لتمكين قادته العسكريين والبرجوازيين الفرنسيين والمرتزقة الأوروبيين من الاستيطان والسيطرة على أراضي من كانوا يسمونهم بالأهالي. وقد انتهج هؤلاء الغزاة كل أنواع القهر والإبعاد والتهجير والسجن والتعذيب والتقتيل والنهب وهدم المؤسسات التعليمية والاقتصادية والاعتقادات والمنشآت والآثار الدينية. ورغم كل هذه المحاولات لطمس الهوية، يكشف الخبراء بأن الجزائر منذ قدم الزمان عرفت بمقاومتها لكل أجنبي دخيل عن هذا الوطن، ولم يستطع أي من الدخلاء أن يتركز أو يفرض وجوده بقوته العسكرية ولو تعددت محاولات ردود الفعل والمقاومة مرات متكررة لفرض العدوان، إلا أن مقاومة هذه البلاد للاحتلال العسكري الفرنسي كانت أشد ضراوة وشراسة وأعنف مما يتصوره الإنسان في كل زمان ومكان.
المقاومة.. لم تصمت ولم تمت يوما في جزائر الصمود
بدأت المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال مع نزول أرض الجزائر، وكان أقوى حركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر الجزائري في 1832م، واستمرت خمسة عشر عامًا، استخدم فيها الماريشال الفرنسي ''بيجو''، وقواته التي وصل عددها (120) ألف جندي، حرب إبادة ضد الجزائريين، فمالت موازيين القوة إلى فرنسا بحكم العتاد والقوة العسكرية والدعم الأوروبي فاضطر الأمير عبد القادر إلى توقيع اتفاقية استسلام. لم تهدأ مقاومة الجزائريين بعد الأمير عبد القادر، فما تنطفئ ثورة حتى تشتعل أخرى، غير أنها كانت ثورات قبلية أو في جهة معينة، ولم تكن ثورة شاملة، لذا كانت فرنسا تقضي عليها، وضعفت المقاومة الجزائرية بعد ثورة أحمد بومرزاق 1872م، وقلت الثورات بسبب وحشية الفرنسيين، واتباعهم سياسة الإبادة التامة لتصفية المقاومة، وفقدان الشعب لقياداته التي استشهدت أو نفيت إلى الخارج، وسياسة الإفقار والإذلال التي اتبعت مع بقية الشعب، إلى أن توحد الشعب الجزائري وتخندق في واحد من أعظم انتصارات العالم الثالث، حين تم إعلان استقلال الجزائر بعد ثورة تواصلت نحو قرابة ثماني سنوات، قدم فيها شعب الجزائر تجربة هزت العالم أجمع، وشكلت مفصلا في تاريخ شعوب آسيا وإفريقيا خاصة. إذ وضع هذا الشعب النهاية الحاسمة لواحدة من أهم وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، وأجبر فرنسا على التسليم بهزيمتها بعد مائة واثنين وثلاثين عام، ولا ينكر اثنان أن استقلال الجزائر كان سببا مباشرا في استقلال العديد من الدول الإفريقية وخاصة تلك التي كانت خاضعة للهيمنة الاستعمارية، ويجمع المؤرخون بسبب ذلك على أن الثورة الجزائرية كانت من بين أكبر الثورات التي غيرت مجرى التاريخ الإنساني تماما، ورغم أن موقف الجزائر وضعها تحت ضغوط القوى الاستعمارية إلا أن ذلك لم يثنها عن مواصلة مسيرتها ومازالت تفعل كذلك رافضة كل مقايضة لمبدأ دعمها لاستقلال الشعوب وتقرير مصيرها وجعلت من ذلك أحد مبادئ سياستها الخارجية.
استقلال الجزائر.. نموذج لكل الشعوب المقهورة
حقق الشعب الجزائري واحدة من أعظم انتصارات العالم الثالث، حين تم إعلان استقلال الجزائر بعد ثورة تواصلت نحو ثماني سنوات، قدم فيها شعب الجزائر أمثولة هزت العالم أجمع، وشكلت مفصلا في تاريخ شعوب آسيا وإفريقيا خاصة، إذ بدا أن هذا الشعب العظيم بنضاله وصموده قد وضع النهاية الحاسمة لواحدة من أهم وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، وأن يحمل فرنسا على التسليم بهزيمة مشروع استعماري بلغ مائة واثنين وثلاثين عاما، تواصلت خلالها محاولات طمس الهوية القومية للجزائر، وتشويه موروثها الثقافي العربي الإسلامي، من أجل تأصيل تبعيتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وذلك على الرغم من الخلل الفادح في ميزان القدرات والأدوار فيما بين فرنسا ذات التاريخ الإمبراطوري، وأحد أهم أعمدة حلف شمال الأطلسي ، وبين أحد شعوب العالم الثالث، التي عملت فرنسا جاهدة لدفعة نحو التخلف والضعف والإذعان. لقد مثلت الثورة الجزائرية المجيدة وبانتصارها التاريخي العظيم نموذجا لكل الشعوب المقهورة الساعية إلى الحرية والانعتاق. وإذا كان تأثير الثورة الجزائرية مباشرا على دور الدول الاستعمارية التقليدية في صنع السياسة العالمية بعد أن أعطت دفعا لمختلف الحركات التحررية للتمسك بمطالب شعوبها الاستقلالية، فإن الدولة الجزائرية المستقلة سنة 1962 أبقت على هذا الدعم بل إنها تحولت إلى قبلة لحركات التحرر التي لم يكتب لها الاستقلال آنذاك. ورغم أن موقف الجزائر وضعها تحت ضغوط القوى الاستعمارية إلا أن ذلك لم يثنه عن مواصلة مسيرتها ومازالت تفعل كذلك رافضة كل مقايضة لمبدأ دعمها لاستقلال الشعوب وتقرير مصيرها وجعلت من ذلك أحد مبادئ سياستها الخارجية. وقد انتهجت الجزائر المستقلة نفس طرق الدعم ولكن بغاية مخالفة تكرست من التجربة المريرة لأكثر من 132 سنة من الصراع مع أبشع استعمار استيطاني في العالم وبقناعة أن من اكتوى بحرارة نار الاستعمار لا بد أن يشعر بمعاناة الآخرين من أمثاله. ويحتفظ قادة وثوار دول وحركات التحرر إلى حد الآن بتلك الصور التضامنية التي كانت تقدمها الجزائر لهم ولحركات التحرر الأخرى وهم الذين كانوا يجدون فيها قبلتهم الوحيدة عندما يضيق بهم الحال ولا يجدوا السند اللازم لمواصلة مسيرة كفاح هي بالضرورة ليست سهلة بسبب تجاذبات السياسات الدولية التي فرضها منطق الأقوياء في عالم فضّل أن تسوده حرب باردة ولكنها في واقع الحال كانت ساخنة على شعوب بأكملها. ولم تكن حركات ثورية في شرق إفريقيا أو غربها أو حتى جنوبها تستطيع اتخاذ قرار الثورة ما لم تحظ بدعم السلطة الفتية في الجزائر والتي تحوّلت إلى أشبه بقاعدة خلفية لها. وسوف تبقى مواقف الجزائر الداعمة لحرية الشعوب واستقلالها وسام شرف على جبينها وهي ترى شخصيات افريقية رسمت التاريخ الإفريقي وشكلت رموز الكفاح التحرري الإفريقي وأصبحت فيما بعد وجوها سياسية بارزة في دولهم المستقلة مثل نيلسون مانديلا وديسموند توتو في جنوب إفريقيا وجوشوان كومو وروبيرت موغابي في زيمبابوي، ولم تكن مساندة الجزائر لكل هذه الحركات التحريرية إلا امتدادا لمبادئ ثورتها التي مازالت تؤمن بحق الشعوب في حريتها وتقرير مصيرها.
دعم فلسطين .. واجب حملته الجزائر على عاتقها
وليس من الصدفة أيضا أن يؤكد الراحل ياسر عرفات بعد إعلان قيام الدولة الفلسطينية بالجزائر بدلا من عدة عواصم أخرى أن اختيار الجزائر لهذا الحدث البارز في تاريخ الكفاح الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، كان تبركا بأرض الثوار والأحرار التي ألهمت قادة الثورة الفلسطينية وشجّعتهم ثلاث سنوات بعد استقلال الجزائر على إعلان ثورتهم التحررية في الفاتح جانفي .1965 وبعد أقل من عشر سنوات أوصلت الخارجية الجزائرية ومهندسها الأول آنذاك عبد العزيز بوتفليقة منظمة التحرير الفلسطينية إلى عضوية الأمم المتحدة. وكان الإعلان عن تسوية استقلالية في الجزائر عام ,1962 بعد ثورة المليون ونصف مليون شهيد، في مقدمة العوامل التي دفعت العديد من شباب فلسطين إلى تشكيل نويات تنظيمات الكفاح المسلح. وكثيرا ما تساءل البعض كيف توصل ثوار الجزائر إلى تسوية سياسية مع حكومة ديغول وضعت النهاية الحاسمة لاستعمار استيطاني عمره مائة واثنتين وثلاثين سنة. ومن هذا المنطلق لم تفرط الجزائر في ثورات مشروعة حملت نفس شعارات الإنسانية التي اعتمدتها ثورة التحرير الجزائرية مهما كانت منطلقاتها الفكرية والمهم بالنسبة لها أنها كانت تحمل فكرا انعتاقيا من كل قيود واضطهاد. وهي المرجعيات أيضا التي جعلتها ترفض التخلي عن مبادئها بخصوص الكثير من قضايا التحرر التي مازالت شعوبها تكافح من أجل تحقيقها وبرز دعم الجزائر للعديد من القضايا.
القضية الصحراوية.. نصرة لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير
وإذا كانت الثورة الفلسطينية شكلت حجر الزاوية في الدعم الجزائري ولخصها الرئيس هواري بومدين في عبارته المشهورة ''نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة''، فان الحكومات الجزائرية وقفت إلى جانب كفاح الشعب الصحراوي في التحرر من التبعية الأسبانية أو في ظل الاحتلال المغربي الموريتاني ثم المغربي لاحقا ولم يكن لهذه المساندة أن تمر هكذا دون أن تجلب للجزائر متاعب سياسية دولية كبيرة لثنيها عن مواصلة دعمها لحركات التحرر في العالم ولكنها آثرت مصالح شعوب بأكملها على مصالحها الآنية. ولا أدل على ذلك من موقفها الثابت من كفاح الشعب الصحراوي وتمسكها بنصرة قضيته إلى غاية تقرير مصيره عبر استفتاء حر ونزيه، وبعد جهود مضنية تمكنت من إدخال القضية الصحراوية إلى أروقة الأمم المتحدة وبهذا تكون قد أدت ما عليها والمسؤولية المتبقية أصبحت ملقاة على كاهل المجتمع الدولي الذي هو مجبر لا محال على تصفية آخر استعمار بالقارة الإفريقية. وقد جددت الجزائر في العديد من المرات تأكيدها بأن قضية الصحراء الغربية، مشكلة تصفية استعمار لم يستكمل حلها وتنتظر حلا عادلا مطابقا للشرعية الدولية، والجزائر متمسكة بمبدأ حق الصحراويين في تقرير مصيرهم عبر استفتاء حر، وهو ما يمثل مبدأ ثابتا في سياسة الجزائر الخارجية.
الجزائر في خطوات هامة في طريق التنمية والاستقرار
كانت هذه هي قصة احتلال الجزائر ومن ثم استقلالها التي قدمت فيها ضريبة غالية من دماء الشهداء والجرحى، وكانت هذه الجزائر التي عانى شعبها من ويلات الاستعمار فخاضت الثورة واستبسل أبناؤها بالدفاع عن حقوقهم حتى نالوا الاستقلال ورسموا معالم الانتصار في أعظم ثورات القرن العشرين مقدمة نموذجا يحتذى به لكل أحرار العالم، إنها الجزائر التي تتخذ اليوم طريقا نحو التنمية والاستقرار وتنطلق بقوة لتعزيز الأمن الاقتصادي والانفتاح الديمقراطي والتنمية بخطوات واثقة نحو المستقبل والتطور والنهوض لترسم ملامح مشرقة لتاريخ أصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.