أكد الدكتور كمال رزيق أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة البليدة، أن الزيادة في الأجر الوطني الأدنى المضمون لن تحسن من القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية، مقترحا سلسلة من الإجراءات الكفيلة بتقوية ذلك، وتحدث عن إصلاحات النظام المصرفي الجزائري، معتبرا أن مساهمة البنوك في تمويل النشاط الاقتصادي مازالت لم تبلغ المستوى المطلوب، من أجل تحريك التنمية الاقتصادية. الشعب: في ظلّ المطالبة القائمة بالرفع من الأجر الوطني الأدنى المضمون، هل ترى أن هذا المطلب قادر على الرفع من القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية؟ الدكتور كمال رزيق: أقرت الحكومة الجزائرية على مدار عدة سنوات زيادة معتبرة في الأجور، مسّت مختلف القطاعات، مما أسفر عن زيادة كبيرة في الكتلة النقدية، وبالرغم من ثبات عرض السلع، بالمقابل ازداد حجم النقود وارتفع الطلب لدى الأفراد، ودفع ذلك بالحكومة إلى الاستيراد الكبير، وهذا ما تسبّب في الرفع من حجم الواردات التي نتج عنها تسجيل المزيد من التضخم، وأصبحت الزيادة في الأجور بين مطرقة تلبية الحاجات وسندان التضخم. وأعتقد أن الاستمرار في الزيادة في الأجر الوطني الأدنى المضمون لن يساهم في الرفع من القدرة الشرائية للجبهة الاجتماعية، لذا رفع الأجر القاعدي في الوقت الراهن لن يحقق أي هدف ولن يحسن من معيشة للمواطنين، بل يجب اتخاذ إجراءات مسبقة من شأنها أن ترفع الأجر الحقيقي وهي الكفيلة برفع المستوى المعيشي للأفراد والقدرة الشرائية للنقود، ونذكر منها سلسلة من التدابير: - التقليل من فاتورة الاستيراد من خلال تشجيع الإنتاج المحلي و بالتالي التقليل من استيراد التضخم. - إعادة بعث القروض الاستهلاكية للمنتوجات المحلية، خاصة لفئة العمال والموظفين. - تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي لفئة الأجور. - تخفيض الضرائب غير المباشرة على الاستهلال خاصة منها :TVA- TIC – TPP.... وغيرها. وخلاصة القول. أن هذه الإجراءات سوف ترفع الأجر الحقيقي وليس الاسمي وترفع من القدرة الشرائية دون الرفع من الكتلة النقدية. ❊ كيف تقيّمون مسار إصلاحات المنظومة المصرفية في الجزائر؟ ❊❊ عكف القائمون على السياسة النقدية في الجزائر منذ سنة 1990، على إصلاح المنظومة المصرفية بشكل تدريجي، ويمكن الإشارة إلى أنهم حققوا بعض النجاحات، لكن بشكل عام، مازال النظام المصرفي الجزائري بعيد كل البعد على الدور الواجب أن يلعبه في تمويل النشاط الاقتصادي، وكمحرك للتنمية الاقتصادية المتطلع إليها، ويمكن القول أننا لم نحقق سوى 20 بالمائة من الإصلاحات. إعادة النظر في المنظومة التشريعية لتفعيل الأداء ❊ ما هي الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لعصرنة البنوك في ظل بطء النمو؟ ❊❊ قبل الحديث على العصرنة يجب أولا رفع القيود التسيرية على مسيري القطاع المصرفي الحكومي عن طريق رفع التجريم عن فعل التسيير، وكذا اختيار الأشخاص الأكفاء لتسيير هذا القطاع الحساس بعيدا عن المحسوبية والجهوية في تعيين المدراء العاميين، بعدها يمكن الحديث على العصرنة، ويمكن القول بضرورة: إدخال الصيرفة الالكترونية في كل التعاملات المالية والنقدية. الاندماج المصرفي بين البنوك الحكومية، حيث بدل 06 تصبح 02 أو 03. إرساء و تعزيز الحوكمة في البنوك. إعادة تكوين عمال القطاع ورسكلتهم بشكل يتلاءم مع المستجدات الحديثة. إعادة النظر في المنظومة التشريعية التي تنظم هذا القطاع. البنوك الخاصة لم يتعد تمويلها للاستثمار 5 بالمائة ❊ إلى أي مدى تساهم المؤسسات المالية في عملية تمويل الاستثمار..و ما هو دور البنوك الخاصة في تمويل الاقتصاد الوطني؟ ❊❊ فيما يتعلق بالبنوك الخاصة النسبة تكاد تكون منعدمة، لأنها بنوك تخصصت في تمويل التجارة الخارجية (الاستيراد فقط)، ولم تتعد مساهمتها حدود 5 بالمائة في تمويل الاستثمار، بل أصبحت بنوك توطين لعمليات الاستيراد فقط، فكل العبء في تمويل الاستثمار الحقيقي يقع على عاتق بنوك القطاع العمومي. رغم أن مساهمة البنوك في تمويل الاقتصاد ضعيفة خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الحقيقي. وأذكر أن حجم التمويل الموجه للاقتصاد تضاعف في نهاية شهر جوان الفارط، لكن يبقى دون المستوى، وخاصة كما قلنا أن غالبيته من البنوك العمومية. وكما أشرت البنوك الخاصة تخصصت فقط في تمويل التجارة الخارجية ولا تمول الاقتصاد الحقيقي، بل مساهمتها كما قلنا تكاد تكون منعدمة في هذا الجانب، بل تحتكر عملية الاستيراد ومن قبل، كانت تمول بشكل كبير قروض الاستهلاك، رغم أن عددها فاق 14 بنكا خاصا من مجموع أكثر من 20 بنكا و9 مؤسسات مالية ومصرفية، لكن حجم مساهمتها يبقى دون المستوى في تمويل الاقتصاد الحقيقي. ❊ برأيك هل يوجد رقابة على مستوى البنوك؟ ❊❊ أكيد موجودة ومطبقة من طرف البنك المركزي لكن لابد أن تتحول إلى حوكمة حقيقية. ❊ فيما يتعلق بالبنوك الإسلامية، ما هي نسبة تواجدها في الجزائر، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه في التنمية الاقتصادية؟ ❊❊ بالنسبة للجزائر لا توجد فيها بنوك إسلامية بالمفهوم الحقيقي، لأن قانون النقد والقرض لا يسمح بذلك، بل يسمح بوجود بنوك تتعامل بالصيرفة الإسلامية، ويتعامل البنك المركزي معها بنفس الطريقة والأسلوب كالبنوك التقليدية التي تتعامل بالربا لذا لا وجود رسمي للبنوك الإسلامية بل وجود منتوجات إسلامية مقدمة من طرف بنك البركة وبنك السلام، ولا يمكن الحديث على مستقبل هذه البنوك إلا بإعادة النظر في هذا القانون والسماح للبنوك الإسلامية أن تنشط في بيئتها، هل يمكن الحديث على زرع عضو في جسم الإنسان دون إجراء التجارب اللازمة لمعرفة هل فيه توافق أم لا؟.. و نقوم بزرع هذا العضو في هذا الجسم بدون هذه التجارب وبالتالي نسبة فشل ونجاح العملية متساوية والفشل أقرب إلى النجاح، إنها صورة للبنوك الإسلامية في الجزائر، لذا لا يمكن الحديث عن آفاق وتقييم هذه التجربة في ظل هذا الوضع. ❊ البنوك في الوقت الحالي تتخوف من نقص في السيولة بعد أن كان هناك فائضا، في رأيك هل وجب تحديد سقف للتمويل أم أن هذا مؤشر لتوجيه السيولة نحو الاقتصاد؟ ❊❊ من قبل كانت البنوك تعاني من مشكلة فائض في السيولة، والإجراءات العديدة المتخذة من طرف البنك المركزي أدت إلى امتصاص فائض السيولة بصفة فعلية ، إذا بلغت السيولة في نهاية شهر جوان 2013 سقف 54 مليار دج، وفي اعتقادي أن التخوف في غير محله، ولا يمكن الحديث عن هذا الأمر في وقت كان تخفيض السيولة بامتصاص من البنك المركزي وليس الاقتصاد من خلال القروض. ❊ السوق المالية لا زالت عمليا لم تنطلق، مقارنة مع باقي البورصات في العالم، بماذا تفسر ذلك؟ ❊❊ إننا قنّنا البورصة قبل أن يكون هناك طلب حقيقي عليها، وفي مجتمع لا توجد فيه ثقافة بورصية، بالإضافة إلى أن النظام المصرفي لم يلعب دوره في التمويل، لذا اعتقد أنه قبل الحديث عن هذا السوق لابد من توفير المناخ اللازم لها.