خص وزير المالية كريم جودي وكالة الأنباء الجزائرية (وأج) بحديث أكد خلاله التزام الحكومة بالسهر على الحفاظ على التوازنات المالية لاسيما من خلال إجراءات للتحكم في نفقات التسيير العمومية. و فيما يلي النص الكامل لهذا الحديث الذي تطرق فيه أيضا لوسائل بعث النمو الاقتصادي و التحكم في التضخم و تقليص فاتورة الواردات. سؤال: سيادة الوزير، باشرت الجزائر نفقات عمومية معتبرة في الوقت الذي أصبحت فيه التوازنات المالية التي تبقى تابعة بشكل كبير للمحروقات تتطلب- خاصة منذ سنة 2011- سعرا مرجعيا أعلى لبرميل النفط. ألا تخشون صعوبات مستقبلية في تسيير النفقات العمومية؟ كيف يمكن مواجهة هشاشة الميزانية أو بعبارة أخرى كيف يمكن ضمان قدرتها على التحمل على المدى البعيد؟ جواب: إن تطور الوضعية المالية تميز خلال السنوات الأخيرة بزيادة غير مسبوقة في النفقات العمومية نجم عن بروز طلب متزايد فيما يخص التجهيزات العمومية و التكفل بنفقات التسيير ذات الصلة بهذه البرامج وكذا الآثار الناجمة عن القرارات الرامية إلى تحسين القدرة الشرائية للموظفين و الطبقات المحرومة. و من سنة 2011 إلى 2004 و على أساس تحصيل الأموال وصرفها تم تحقيق توازنات مالية على أساس سعر مرجعي ب 19 دولارا للبرميل الواحد. في سنة 2006 تطلبت التوازنات اللجوء إلى صندوق ضبط الإيرادات (710 مليار دينار) و مراجعة السعر المرجعي للبرميل الواحد (37 دولار عوض 19 دولارا). بالفعل تفاقم عجز في الميزانية سنة 2008 ب 1.224 مليار دينار وازداد تفاقما سنة 2012 ليبلغ 2.283 دينار. و ارتفع سعر توازن برميل النفط من 3ر67 دولار سنة 2008 إلى 99 دولار سنة 2012. أما بالنسبة لسنة 2013 يسجل العجز المالي تراجعا هاما ليستقر في حدود 1.138 مليار دينار لسعر توازن يقدر ب 71 دولار للبرميل. و في إطار تنفيذ القرارات السياسية التي أدت إلى ارتفاع النفقات العمومية يتعين على الحكومة و وزارة المالية ضمان توازنات مالية في هذا الإطار من خلال التحكم في نفقات التسيير العمومية. ونسجل مع ذلك أن ارتفاع النفقات لا يتوقف فقط على الزيادات في أجور الوظيفة العمومية و التحويلات الاجتماعية بل هو مرتبط أيضا بالنفقات المتكررة الناجمة عن استلام تجهيزات عمومية جديدة في إطار برامج الاستثمار التي تمت مباشرتها منذ سنة 2011. و في سياق كهذا وبالنظر إلى الدور المنوط بوزارة المالية فإن هذه الأخيرة ذكرت سواء من خلال تقديم قوانين المالية أو في المذكرات المنتظمة التي تنشرها بضرورة انتهاج السياسة الميزانياتية بحذر لأنها حاسمة في بعث النمو الاقتصادي. و تجدر الإشارة إلى انه في الوضع الحالي لاقتصادنا سيكون لأي تخفيض في نفقات التجهيز تأثير سلبي مباشر على النمو وعلى وجه الخصوص في قطاعات البناء و الأشغال العمومية و التشغيل و كذا القدرة الشرائية للمواطنين. و عليه فإن الرهان يكمن في الحفاظ على التوازنات المالية على المدى المتوسط على أساس سعر مقبول لبرميل النفط مما يسمح في نفس الوقت بحماية مصالح الأجيال المستقبلية و بعث النمو الاقتصادي. سؤال: سيادة الوزير أليس من الأجدر استعمال الاحتياطات المالية لبعث النمو الاقتصادي للبلد؟ جواب: منذ عشرية سمح التسيير الحذر للمالية العمومية بتعزيز الاحتياط العمومي على مستوى صندوق ضبط الايرادات و الذي انتقل من 5ر171 مليار دج في 2001 (4 بالمئة من الناتج الداخلي الخام ) إلى 2.931 مليار دج في 2006 (34 بالمئة من الناتج الداخلي الخام ) ثم إلى 5.634 مليار دج في 2012 (35 بالمئة من الناتج الداخلي الخام). كما سمح هذا التسيير بتقليص حصة المديونية العمومية الداخلية مقارنة بالناتج الداخلي الخام الذي انتقل من 6ر23 بالمئة في 2001 إلى 3ر8 بالمئة في 2012. و بخصوص الديون الخارجية تظهر النتيجة جليا بحيث انتقلت قيمتها من 1ر18 مليار دولار في 2001 إلى 5ر402 مليون دولار في 2012 أي من 1ر33 بالمئة من الناتج الداخلي الخام في 2001 إلى 2ر0 بالمئة في 2012. و في الحقيقة يكمن الرهان الحقيقي لبعث النمو في تمويل الاقتصاد خارج المحروقات. و في هذا السياق تلعب البنوك دورا هاما من خلال مرافقة الفاعلين الحقيقيين للنمو و المتمثلين في المؤسسات المولدة للثروة و مناصب الشغل. و قدمت السلطات العمومية مساهمة حاسمة من خلال دعم القاعدة المالية للبنوك العمومية قصد الرفع من قدراتها العملية و السماح لها بمرافقة طلبات التمويل المقدمة من طرف المتعاملين. كما ساهم دعم الدولة للقاعدة المالية للبنوك من خلال إعادة رأسملة البنوك العمومية في زيادة النمو الاقتصادي خارج المحروقات. و سجل هذا النمو الناجم أساسا عن قطاع البناء و الأشغال العمومية و الخدمات نسبا معتبرة بحيث قدرت معدلاتها في الفترة الممتدة بين 2001-2012 في حدود 6 بالمئة سنويا و لكن يبقى تعزيز هذه النتيجة بحركية نمو داخلية. سؤال: تاثرت القدرة الشرائية للمواطن التي شهدت تحسنا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة بفضل مختلف الزيادات في الأجور، بالتضخم الذي بلغ نسبة مرتفعة جدا في 2012 حيث قدر بحوالي 10 بالمئة. فما هي المساعي التي ينبغي مباشرتها لاحتواء هذا الظاهرة؟ جواب: يشكل التحكم في التضخم انشغالا دائما بالنسبة لوزارة المالية و يجب التذكير بأن القانون و تحديدا الأمر المتعلق بالنقد و القرض يصنف التضخم كهدف واضح في السياسة النقدية التي ينتهجها بنك الجزائر. و يكمن عمل هذا الأخير في إطار ممارسة صلاحياته القانونية في السهر على استقرار الأسعار كهدف للسياسة النقدية. و في هذا الصدد يعمل على تنفيذ كل أدوات السياسة النقدية لاحتواء التضخم في حدود معقولة. و من جهتها تعمل الحكومة على تنفيذ سياسة حماية القدرة الشرائية للمواطنين بفضل اجراءات ملائمة للحد من انعكاسات العوامل ذات الطابع التضخمي. و على سبيل المثال سمح الجهد الجبار لدعم أسعار المنتجات و الخدمات الأساسية بابقاء التضخم في مستوى معقول. و قد تساعد السياسة النقدية في خلق الظروف التى تمكن النظام المصرفي من العودة إلى سير مطابق للمقاييس العالمية في مجال إعادة التمويل و حيث تبقى السوق النقدية الممون الرئيسي للسيولات. و هكذا سيعمل بنك الجزائر على ضبط افضل و مراقبة أمثل للنظام المصرفي و تطبيق نسبة فائدة تقوم على مبدأ نسبة الفائدة الحقيقية و هو شرط أساسي من أجل خدمة ناجعة للقرض بغرض تفادي تراكم الديون غير الناجعة بالنسبة للبنوك. سؤال: سيادة الوزير، تبرز المعطيات الخاصة بالتجارة الخارجية للجزائر و التي نشرت مؤخرا ارتفاعا في الواردات. فكيف يمكن بعث نمو يقوم على تطوير الانتاج الوطني؟ جواب: ذكرت دوما و بصفة متكررة بالنمو الكبير للواردات و ضرورة مضاعفة العرض انطلاقا من الانتاج الوطني. و يعود ارتفاع هذا النمو جزئيا للاستثمارات العمومية و الخاصة و زيادة الطلب على المواد الاستهلاكية اللذين ساهما في ارتفاع الطلب على التجهيزات و السلع الوسيطة و السلع الاستهلاكية التي تمكن العرض الخارجي- من خلال الاستيراد- تغطيتها بشكل معتبر إلى غاية اليوم. كما أن الوسائل و التقنيات المستعملة في الصفقات الخاصة بالتجارة الدولية ليس من طبيعتها ضبط الكميات المستوردة بل أن مهمتها تكمن في تأمين الصفقات و سيرورتها و ضمان شفافية أفضل. و يتعلق الأمر بمهمة الاعتماد المستندي الذي يمكن أن يتفاوض الطرفان على تكاليفه العملية فقط عكس التحويل الحر الذي لا يخضع الواردات لأي التزام و الذي يسمح بتحويل يقرر بكل حرية على اساس السعر المتفق عليه بين الأطراف. و فيما يتعلق بالتكاليف الاضافية المحتملة و المتعلقة باستعمال الاعتماد المستندي فقط طلبت وزارة المالية من بنك الجزائر في إطار صلاحياتها تأطير الشروط التي يمكن تطبيقها على هذه العمليات بهدف تقليصها. و في هذا الإطار حددت الاجراءات المتضمنة في النظام الأخير الذي أصدره بنك الجزائر الافراط المسجل في هذا المجال. من جهة أخرى، تمثل تنمية الانتاج الوطني بهدف السماح بعرض كبير للمنتوجات التنافسية التي تعوض الواردات، الهدف المنوط بكل المتعاملين الاقتصاديين: مؤسسات و بنوك و هيئات الضبط و التأطير... و في إطار هذا الهدف تتدخل السلطات العمومية من خلال وضع اجراءات تحفيزية و جهاز لضبط و تنظيم النشاطات. و يبقى أن جهود انتاج و تنويع السلع و الخدمات المحلية التنافسية يجب أن تتحملها المؤسسات كليا بصفتها متعامل اقتصادي من الدرجة الاولى.