اختلفت الرؤى وتداخلت أراء الأسرة الفنية بولاية بومرداس في هذا الاستطلاع الذي قامت به "الشعب" حول أهمية الأسابيع الثقافية ونسبة نجاحها، وكذا درجة الإخفاق في تحقيق الأهداف المسطرة التي عولت عليها وزارة الثقافة، لبعث النشاط الثقافي والفني عبر ولايات الوطن، نتيجة غياب المبادرات والمرافق الأساسية لاحتضان النشاطات والمهرجانات المختلفة، وتأطير الكفاءات والمواهب المحلية، التي تبقى بعيدة عن الأضواء، ورغم كل هذه الخطوط المتوازية، إلا أنها اجتمعت في النهاية لتؤكد أهمية هذه الأسابيع كفضاء للتبادل والاحتكاك والتعريف بالمنتوج الثقافي والفكري المحلي ودرجة تميزه وثرائه. عبد المجيد بن زاف: الفعالية حققت نجاحا كبيرا كشف محافظ الأسبوع الثقافي لولاية بومرداس السيد عبد المجيد بن زاف في رده على سؤالنا، أن الأسابيع الثقافية التي تنظمها الولاية بإشراف مديرية الثقافة حققت أشياء كثيرة لم نكن نتصورها، خاصة من حيث التعريف بالمكنون الثقافي والفكري الذي تزخر به الولاية في كل المناطق التي تحط بها القافلة، بالإضافة إلى إعطاء الفرصة لجميع الفنانين لحضور هذه المواعيد دون تمييز أو إقصاء، قائلا إنه نفس الشيء عندما نقوم باستقبال واستضافة ولايات من الوطن التي تقوم باستكشاف كافة مناطق الولاية، وما تتميز به من عادات وتقاليد ومناطق سياحية. وعن تكاليف استضافة ولاية لمدة أسبوع بكامل طاقمها الفني، أكد عبد المجيد بن زاف أن تكلفة الاستضافة خلال موسم الاصطياف تتعدى 300 مليون سنتيم، بالنظر إلى ارتفاع تكاليف الإقامة والوجبة نتيجة قلة مرافق الاستقبال، وهو ما يدفع بأصحاب الفنادق والمطاعم، مثلما قال إلى مضاعفة الأسعار استغلالا لفترة الصيف وموسم الاصطياف. وعن حجم الميزانية السنوية التي تتدعم بها المحافظة لتنظيم مثل هذه الفعاليات، أكد محافظ الأسبوع الثقافي لبومرداس أنها تتراوح ما بين 1.7 إلى 2 مليار سنتيم لتنظيم 5 أسابيع ثقافية فما فوق، خلال السنة وهي مبالغ قد لا تغطي أحيانا حجم التكاليف المتزايدة خاصة وأن كل الفنانين المشاركين يستفيدون من منحة مالية تتراوح بين 20 ألف إلى 50 ألف دينار وفق تقديره. الفنان يزيد فليسي: مبادرة مشجعة لكنها غير كافية ثمن الفنان التشكيلي المبدع "يزيد فليسي" المبادرة التي تقوم بها وزارة الثقافة عن طريق مديريتها المحلية التي تقوم بتنظيم أسابيع ثقافية من وإلى ولاية بومرداس، من أجل مزيد من الاحتكاك بين الفنانين الجزائريين وتشجيعهم على الإبداع، وهي فرصة كما قال أمام الفنانين المحليين سواء محترفين أو هواة للاستفادة من هذا الفضاء الثقافي الهام. كما ثمن التشكيلي "يزيد فليسي" المجهودات التي يقوم بها محافظ المهرجان الجديد، الذي أدخل أشياء ملموسة على الفعل الثقافي بالولاية، ومنها الأسابيع الثقافية التي شهدت انطلاقة جديدة من خلال فتح باب المشاركة للجميع بدون تهميش بشرط تقديم إنتاج فني وثقافي في المستوى وبإمكانه تشريف الولاية. ورغم تثمينه للمبادرة إلا انه اعتبرها غير كافية، بالنظر إلى الوضعية الصعبة التي يعيشها الفنان بولاية بومرداس قائلا "إن عدم صدور القانون الأساسي للفنان الهادف إلى تحسين ظروفه المهنية والاجتماعية، وتوفير مزيد من الحماية والحقوق، جعل مثل هذه الفضاءات عبارة عن حقنة مسكنة فقط وليس بإمكانها تحقيق طموحات الفنانين وترقية إبداعاتهم في ظل حرمان العديد منهم من مداخيل قارة"، إلى جانب غياب تغطية صحية على مستوى صندوق الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى التمييز في المعاملة المادية في حالة المقارنة مثلا بين الشاعر والفنان التشكيلي الذي لا يجشع ماديا أثناء تنظيم معرض أو أمسية شعرية، في حين يتقاضى بعض المغنين وحتى المغمورين منهم مقابلا ماديا لا يتخيله أحد حسب قوله.. عبد القادر حدوش: فضاء خلق فرصة عمل للفنانين بدوره الفنان والشاعر عبد القادر حدوش عضو النقابة الوطنية للفنانين الجزائريين، ثمن المبادرة واعتبرها مشجعة جدا بالنسبة للطبقة الفنية من شعراء ومبدعين مسرحيين وغيرهم، الذين وجدوا حسبه في هذا الفضاء مناسبة للعمل وكسب القليل من المال، بسبب غياب القانون الأساسي والفوضى التي يتخبط فيها القطاع. وأشار عبد القادر حدوش إلى أن الأسابيع الثقافية تلعب دورا مهما في التعريف بمدينة سيدي عبد الرحمان الثعالبي، ومد جسور التواصل والتعارف بين ولايات الوطن وبين مختلف الفنانين والمبدعين بشتى اتجاهاتهم الفنية، خاصة مع المحافظ الجديد الذي قدم الكثير للقطاع الثقافي وفتح الأبواب للجميع دون استثناء أو إقصاء، يقول عضو النقابة الوطنية للفنانين الجزائريين. رضوان زوغاري: نطالب بلجنة لاختيار العروض المشاركة على عكس الفنانين الذين قدموا نظرة ايجابية ومشجعة عن الأسبوع الثقافي، طالب رئيس جمعية المسرح البودواوي رضوان زوغاري بضرورة إعادة النظر في طبيعة الأعمال والعروض المشاركة في الأسابيع الثقافية لولاية بومرداس، خلال تنقلها إلى ولايات الوطن، مقترحا الأحسن والأجدر وليس حمل شعار "المشاركة للجميع وبدون استثناء" التي قد تهين حسبه الثقافة المحلية ولا تخدمها أبدا. وقال إنه في بداية الأسابيع الثقافية كان المشاركون يقومون بعرض أحسن إنتاج متوج على المستوى الوطني، في حين نجد اليوم المشاركة للجميع وبغض النظر عن طبيعة ومستوى الأعمال المقدمة، وهي عملية قد تضر بالثقافة المحلية لبومرداس أكثر مما تنفع.. «أنا لا أتوانى في طلب تشكيل لجنة مختصة لاختيار الأعمال والعروض التي تمثل ولاية بومرداس، حتى لا تبقى المشاركة من أجل المشاركة أو بهدف ممارسة التجارة الثقافية"، يقول المتحدث، لقد تأكدنا بوجود فرق مسرحية تقوم بالتنقل صباحا إلى ولاية عين الدفلى لعرض نشاطات مسرحية في إطار الأسبوع الثقافي ثم العودة مساء، بعد الاستفادة من مبلغ يصل إلى 40 ألف دينار بالنسبة لعروض الأطفال، و50 ألف دينار للكبار دون احترام مدة البرنامج المسطر والتنقل إلى كافة بلديات الولاية. وعليه يقول رئيس جمعية المسرح البودواوي "أنا لست ضد الأسابيع الثقافية كنافذة مفتوحة أمام فناني الولاية الذين عانوا من نقص النشاطات وفضاءات التكوين واكتشاف المواهب"، بل ضد هذا العبث والطريقة الشعباوية في ممارسة النشاط الثقافي الذي قد يقضي على أحلامنا وإبداعات شبابنا الذين بدأت تترسخ لهم قناعة الجانب المادي على حساب المستوى الراقي، وبالتالي يقول رضوان زوغاري أطالب من خلال منبر "الشعب" بضرورة إعادة النظر في معيار المشاركة تجنبا للفوضى والخمول الناتج عن قناعة المشاركة الحتمية دون أي جهد. هكذا هي نظرة الفنانين والمبدعين للأسابيع الثقافية، وحتى وإن اختلفت الرؤيا والتقييم الموضوعي لهذا الحدث الهام، إلا أنها تلاقت في النهاية، لتؤكد أن لا بديل عن ما هو موجود من مبادرات وفضاءات، وإلا كانت القطيعة نصيب الفعل الثقافي بالولاية، التي لا تزال تعاني من نقائص عديدة، خاصة بالمناطق النائية التي تنعدم فيها أبسط الفضاءات والمراكز الثقافية، وهو ما يعني أيضا أن الفرصة ليست متاحة للجميع، كما أن مشاركة الفنان في مثل هذه الأسابيع أصبحت بمثابة المحطات الكبرى التي لا يجب تفويتها بغض النظر عن سلبياتها ومعيار ما تقدمه من إنتاج.