من الصعب الحديث عن «إذاعة الجزائر السرية « دون ذكر الصوت المدوي للمعلق الرمز عيسى مسعودي الذي واجه الدعاية الاستعمارية الفرنسية على مدار السنوات بالميكروفون متفننا بالإلقاء والأداء موصلا رسالة الثورة الجزائرية إلى ابعد الأصقاع مكسرا الحواجز مقربا مسافات الجغرافيا. فقد ذكر قادة الثورة السياسيون والعسكريون ومن ورائهم الجماهير كيف كان صوت المجاهد الإعلامي مسعودي يدوي يخترق بسهولة وتحد موجات الدعاية الفرنسية ويشحن الإرادة في التحرر ويصنع رأي عام يرى في معركة الحرية والسيادة مسألة حياة او موت. ولم يسقط في إستراتيجية التهويل الاستعمارية التي بنت على أكاذيب وأقاويل ما انزل الله بها من سلطان. قيلت أشياء كثيرة عن الإعلامي الأسطورة المعجزة وكثرت الشهادات الحية عنه مجيبة على تساؤلات محيرة كيف تمكنت هذه الشخصية التي دوت أنحاء المعمورة وأوصلت القضية الجزائرية الى مانهاتن وبكين وموسكو وعواصم عالمية، كاشفة للرأي العام حقيقة النضال الجزائري من اجل الحرية والانعتاق مبطلة مفعول الداعية الفرنسية. قيلت اشياء عن المجاهد مسعودي الذي سبق زمنه في الترويج للثورة الجزائرية متحليا بفنون التعليق الأثيري وطرقه متغلبا على فرنسا الاستعمارية التي جندت فيالق من الإعلاميين بمن فيهم أتباعها من الجزائريين الذين باعوا الوطن بحفنة من الفرنكات والألقاب والمزايا الدنيوية وتجاهلوا ان الحرية لا تباع ولا تشترى وان انتفاضة الجزائريين لم تكن سوى امتداد طبيعي لمقاومة لم تستسلم يوما من اجل استعادة السيادة ولم تساوم عليها مهما كان الثمن. من هنا جاءت المبادرة لاستضافة المجاهدين لمين بشيشي وزير الإعلام الأسبق وزهير عبد اللطيف من خلال منبر»ضيف الشعب» في ذكرى إنشاء «إذاعة الجزائر السرية» المصادفة ل16 ديسمبر من كل سنة للعودة إلى هذا الحدث التاريخي مدلوله، قيمته وأبعاده وموقعه في معركة الحرية التي اعتلت فوق كل الحسابات وكسبت الأولوية في كل الظروف. وتشاء الصدف ان يرحل عيسى مسعودي يوم 14 ديسمبر.. يرحل عنا في هذا الشهر الذي عرف أكثر من أحداث منها مظاهرات 11 ديسمبر التاريخية التي برزت فيها الجمعية التي تحمل نفس التسمية وصدور أول عدد لجريدة «الشعب» حاملة انشغال امة وتطلعها الشرعي إلى الحرية. فكان حديث المجاهدين بشيشي، عبد اللطيف وهما اقرب المقربين للمرحوم عيسى مسعودي عن هذه النابغة الإعلامية التي يدرس فنون الإلقاء الأثيري والتعليق المتميزة عندها في المدارس الإعلامية وكبريات الجامعات. ونجحت بخصوصيتها وتمايزها واعتمادها على رجال إعلام وسياسة كبار أنجبتهم الثورة الجزائرية في ان تكون الإذاعة السرية مصدر معلومة حتى للقنوات الفرنسية التي تكبرها عدة وعتادا. نجحت في إيصال القضية الجزائرية إلى الرأي العام على حقيقتها دون تحريف وتزييف أقنعت المستمع المتلقي لها بأنها عادلة وشرعية أسقطت الأكذوبة الفرنسية المروجة على مدار السنين والحقب. وبينت أن الجزائريين الذين اقسموا بالنازلات الماحقات ذاهبون إلى الأبعد من اجل الحرية.