التمسك بالهوية في محيط عدائي صدرت في المدة الأخيرة عن دار (الأمل) رواية بالأمازيغية للكاتب يحيى حدوش بعنون «الشيخ وبناته السبع» ترجمها إلى اللغة العربية الأستاذ عبد القادر عبدي. الرواية من الحجم الصغير تحتوي على اثني عشرة فصلا تشكل في المجموع مائة وستين (160) صفحة، وعدد الشخصيات الرئيسية ستة، وهم أعمر وعلي والويزة وسعدي وزوينة والبشير وكلهم من عائلة واحدة. وهذا ملخص الرواية : (اعمر) رجل ثري، رزق سبع بنات من امرأة صالحة، وتقدم في السن ولم يرزق ولدا ذكرا يكون وارثا لأمواله الكثيرة، ففكر في زواج ثان، أملا في أن يرزق ولدا ذكرا، ولكن قبل تنفيذ هذه الفكرة فكرة الزواج استشار أعز اصدقائه وهما عبد القادر وقاسي اللذان استنكرا هذه الفكرة طالبين منه شكر الله على نعمته عليه ولكنه نفذ فكرته لينجب ولدا ذكرا، ولكن مع الأسف لم يكن صالحا كما كان ينتظر. (سعدي) زوج زوينة، يعود من فرنسا ويحاول اصطحاب (علي) الذي أنجبه (اعمر) بعد زواجه الثاني وهو الوحيد بين البنات السبع، إلى فرنسا، ولكنه فشل في اقناع صهره في اصطحاب ابنه إلى المهجر، خوفا من الضياع هناك، وضياع أبنائه، بما في ذلك نسيان الأمازيغية من طرف بناته مثل كل المهاجرين من المنطقة. يلتحق (علي) ب (سعدي) ولم تمر إلا مدة قصيرة حتى نسي أهله وعاتبه سعدي كثيرا قائلا له في كل مرة : الغربة صعبة، وقد بنيت بناية فخمة بالقرية، ولكن أبنائي الذين نشأوا هنا بفرنسا يرفضون الذهاب إلى القرية وكذلك أمهم، رغم أنها من مواليد القرية، وقد ندمت أشد الندم على مجيئي إلى فرنسا، وقد حاول (سعدي) إقناع (علي) بالعودة إلى القرية، ويطلب العفو من الوالد مادام حيا، ولكن (علي) لم يطبق نصائح (سعدي). حديث (سعدي) بشأن فرنسا جعل (علي) يعيش في هاجس يذكره في كل لحظة، الأمر الذي أثر على زوجته (الوزيرة) رغم محاولات أم (علي) طمأنة (الوزيرة) على أن ابنها لا يهاجر إلى فرنسا، ولكن المهاجرين الذين يزورون القرية أثروا عليه فساقه في ذلك ريح الشباب، فقرروا الهجرة سرا، الأمر الذي أثر على نفسية زوجته حتى كادت تصاب بالجنون، والأمر نفسه أصاب الوالدين، ولم يرتح أهله حتى جاءتهم رسالة من (سعدي) بأن (علي) بخير ويعمل في نصب الخيام وتفكيكها وشحن البضائع وتفريغها، لذلك لا يبعث ما يسد قوت ابنيه الصغيرين، وفي الأخير قطع حبل رسائله ليتزوج من فرنسية... بعد لوم صهره (سعدي) على عدم مراسلة أبيه والتهاون في حق أهله، أصبح يتجنبه ويتهرب منه وشرع في تناول الخمور وسهر الليالي، ويتفاجأ ذات يوم ببرقية من البلاد تعلن وفاة أبيه، ويسمع (سعدي) بوفاة صهره ويقدم تعازيه إلى (علي) طالبا منه الانتقال فورا إلى البلاد، ولكن بدل أن يذهب إلى الميناء لركوب السفينة، ذهب إلى الحانة، ويقع (سعدي) في مشكل عويص، يتمثل في عدم اقناع عودة أبنائه إلى القرية التي لا يعرفونها، ولم يجد إلا أخاه الذي عاهده أن يدفنه في القرية بعد موته. بعد موت والد (علي) بمدة قصيرة، فجعه الزمان بوفاة أمه أيضا بعد مرض طويل، فحاول بعض اصدقائه نصحه بالعودة إلى القرية، لكن دون جدوى، ولاحظت زوجته الفرنسية تغير طباعه وتصرفاته، هذه المرأة التي لم تكن تعرف أن له أبا وأما لو لم يخبرها أحد أصدقائه، حين وجدته في إحدى الحانات، كما اكتشفت أن له زوجة وأولادا، وخرجت من الحانة وذهبت مباشرة إلى المنزل وترمي ملابسه القليلة إلى الشارع، قائلة له سئمت من الكذابين مثلك. وقبل وفاة (أعمر) جمع بناته وأصهاره، وذهب بهم إلى شيخ القبيلة ولم يحضر إبنه الموجود بالمهجر، مقترحا على الشيخ إعطاء الجزء أكبر من أرضه للأخوات، مبررا سبب ذلك حالة زوجة إبنه (علي) المغترب وابنيه اللذين أصبحا إطارين، فيما بعد جهد جهيد لأمهما، وهما سعيا إلى البحث عن أبيهما بفرنسا. رغم ما عاناه بسبب تركهما شبه يتيمين لمدة طويلة. ويذهب الابن الذي أصبح طبيبا، بحثا عن أبيه بمساعدة (سعدي) أحد أصهارهم، وفعلا وده وتم اللقاء بينهما في بيت (سعدي) وكان اللقاء لقاء تاريخيا ما في ذلك شك. وكان الإبن في منتهى الحلم والحكمة، طالبا من أبيه الذي ضاع في الغربة العودة معه إلى القرية، خاصة أن (سعدي) التزم بإقناع الأب الذي رفض في البداية العودة إلى القرية بعد ما حدث، ويعود عبد القادر الإبن من فرنسا واختبر الأم بإمكانية عودة أبيه إلى البيت في يوم ما، فكانت المفاجأة سارة إذ قبلت الأم بعودة الأب متى شاء، لكن بصفته إبن الخالة، وأكثر من هذا مستعدة لتزويجه. ويستطيع (سعدي) إقناع (علي) بالعودة إلى البلاد وأقنعه بأن له شأنا بالقرية، ومازال هناك من يحبه، وأكثر من هذا ترك شيئا مهما هو إبنه عبد القادر الطيب وحياة المحامية، وكان يوم عودته عرسا حقيقيا وأطلقت الزغاريد فرحا بعودة (علي) بعد غربة طويلة. كان الكلام بين (علي) وزوجته (الويزة) مقتضبا ولا يذكر أي منهما ما مضى ويحاول عبد القادر وأخته حياة عدم جعل الأب يعيش مهمشا، ويزوره باستمرار رغم طول المسافة، وتقترح حياة بعث الوالدين إلى البقاع المقدسة في موسم الحج لأداء الركن الخامس، لعلهما يتصالحان ويرحب عبد القادر بالفكرة واقتنع الأب بها وذهب إلى الحج، في حين رفضت الأم ذلك، وشرعت في البحث عن امرأة مناسبة لتزويج زوجها بشرط أن تكون عاقرا. ويعود الأب من الحج ويتم تزويجه، ويحدث حدث مؤلم وهو موت (سعدي) الذي أقنع (علي) بالعودة إلى القرية، ويصل جثمان (سعدي) إلى الجزائر ويدفن بالقرية، كما كان يتمنى، ولم يحضر إلا زوجته وابنه، ولم يحضر الآخرون، وبعد أيام صادف (علي) الوزيرة واقترح عليهما تزويج ابنهما عبد القادر، ويكلم الأب ابنه في هذه القضية، ولم يعترض طالبا من الأب والأم معا اختيار الفتاة المناسبة، وذات يوم زار الأب الوزيرة صحبة زوجته الثانية (فاطمة) حاملا معه مبلغا من المال بالعملة الصعبة مساعدة منه لترويج ابنه والباقي لابنته حياة عندما يحين زواجها أيضا، وتم تزويج الإبن وشرع أفراد العائلة في التفكير في زواج حياة التي أفصحت أن لها فتى تعرفت عليه في الجامعة إذا رضوا عنه فأهلا وسهلا به، والرأي رأيكم وتنطلق الزغاريد فرحا ويتم زواجها بعد عام ويحمد (علي) الله على حسن الختام. والعبرة من هذه الرواية هي أن المهاجرين، أو قل أسرهم لا تساير الواقع الجديد ولا يوافق تطلعاتها فهذا الواقع يتناقض مع المجتمع الذي كانت تعيش فيه وأصبحت القيم والمعايير التي نشأ أبناؤها عليها مختلفة عن القيم الجديدة التي أصبحت تسيطر على المجتمع الجديد، فلم تصبح المدرسة بالنسبة إليهم إلا مؤسسة للإحباط وزرع الفشل واليأس والإعاقة النفسية، وهذا التمزق على مستوى الهوية أبعد هذه الأسر كثيرا عن التفعيل والتفاعل في المجتمع وتحس أنها أصبحت كيانات مرفوضة وغير مرغوب فيها، وتشعر بالفراغ السيكولوجي الذي يفقد الإنسان الشعور بالمشاركة في حياة الآخرين وفقدان الشعور بالتواصل مع الواقع الحي... والوحدة والعزلة التي تجمد الأفاق وتغلفها عن ذاتها إلى درجة مسخ شخصية الإنسان وجل الآباء في المهجر يحسون بالذنب مثل (سعدي) الذي توفي ولم يصاحب جثمانه إلى الجزائر غير زوجته وأحد أبنائه فقط، الذي ينتج عنه الهروب من المجتمع ومن المساهمة فيه، والجمود والخمول مثل (علي) الذي ولد لديه نوع من التمزق الدرامي بين الماضي والحاضر الذي لم يستطيع مواكبة حركة المجتمع وتطوره، الأمر الذي خلق له حرجا دراميا أمام أهله وأقاربه ووجد نفسه يعاني من نقص في كل شيء الأمر الذي كان يهدم وجوده لولا إبناه عبد القادر وحياة اللذان تغلبا على التقاعس وتحولا إلى تفعيل حالتهما الاجتماعية ومسايرة العصر وتطوره والتغلب على النكوص والانتقال إلى الابتكار لكل ما هو جديد ومشوق وعدم التراجع عن المبادرة والقرار.