في بلد مثل ألمانيا أين يكون من الصعب على المقيمين الأجانب العاملين فيها وخاصة من النساء احتلال مناصب حساسة في الدولة أو الحكومة الألمانية، خلافا للعديد من الدول الغربية وخاصة الأوربية، استطاعت شابة من أصول فلسطينية أن تحوز على منصب الناطق الرسمي باسم الخارجية الألمانية في سابقة تعدّ الأولى من نوعها، في بلد كان ولا يزال منغلقا على كل ما هو أجنبي وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين. ولأنّ هذا التعيين يعدّ حدثا بارزا، فقد تناولته مختلف وسائل الإعلام الغربية والعربية بكثير من التحليل تارة والإشادة تارة أخرى منذ إعلان الخارجية الألمانية عن قرار وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير تنصيب سوسن شلبي، 35 سنة، كمتحدثة ثانية باسم الوزارة بعد أن كانت تتولى رئاسة قسم حوار الثقافات لدى وزير داخلية الحكومة المحلية في ولاية برلين، وكان أيضا أول منصب تتولاه امرأة من أصول غير ألمانية. وتعدّ عائلة شلبي واحدة من العديد من العائلات الفلسطينية التي اضطرتها ظروف العيش القاسية والاضطهاد الكبير، الذي كان ولا يزال يعانيه الشعب الفلسطيني الصامد، الهجرة في سنة 1948 إلى دول الجوار. وكان المقصد الأول لبنان مكثت فيه حوالي سنتين قبل أن تضطر من جديد إلى الترحال نحو أوروبا وبالذات إلى ألمانيا، وتعيش ظروفا لا تقل صعوبة عن سابقتها. ومع هذا تمكّنت سوسن شلبي من تحدي الأوضاع القاسية وقلة حيلة الوالدين لترسم لنفسها مستقبلا أفضلا، حيث أصرّت على التعلم والدراسة رغم افتقادها للجنسية الألمانية التي لم تتحصل عليها إلا في سن الخامسة عشرة، علما أنّها ولدت ونشأت في هذا البلد، ومع هذا فقد تمكّنت من قهر الصعاب والحصول على شهادة الباكالوريا، ومن ثم الالتحاق بالجامعة والتخرج بشهادة في العلوم السياسية أهّلتها لأن تنشط في مجال تخصصها، وتبرز وتتطور إلى أن تمّ تعيينها في منصب حساس ومرموق، وهي لا تزال في ريعان شبابها لتبرهن للجميع على مدى صمود وإصرار المرأة الفلسطينية على تحدي الصعاب أينما كانت وحيثما وجدت في البلد الأم أو في الغربة بظروفها القاسية، لتكون قدوة للأجيال المتعاقبة في فلسطين المحرّرة من الصهاينة.