وضعت الثلاثية الأخيرة معالم الاتجاه الصحيح لمنظومة الاقتصاد الوطني من خلال اتفاق الشركاء المعنيين على قاعدة التزام الحوار الاجتماعي المتواصل من أجل إنجاز الأهداف الكبرى المسطرة المتمثلة في تحقيق ديمومة النمو عن طريق النهوض بالإنتاج الوطني في مختلف القطاعات خاصة الصناعة والخدمات والبناء والأشغال العمومية بإدماج كافة الموارد والطاقات المتوفرة، وفي نفس الوقت الانتهاء من الجدل حول مسألة الأجور بمراجعة المادة 87 مكرر ضمن قانون المالية للسنة المقبلة، مما يحرر المبادرة ويساعد على بناء نظام جديد للأجور يعيد الاعتبار للمنافسة الخلاقة للثروة ويقوم على العمل وتثمين العنصر البشري الذي يحسم مسالة القيمة المضافة. ويرشح أن تكون السنة الجارية الموعد الحاسم لانطلاقة جديدة مندمجة، بعد إتمام الترتيبات القانونية والقاعدية حول المؤسسة الجزائرية التي تخلصت من تبعات جدل تقليدي، لتنتقل إلى أفق تذوب فيه كافة الفروق، فلم يعد هناك تمييز بين قطاعين عام وخاص أو محلي وأجنبي، أمام حقيقة اقتصادية واحدة تتمثل في اعتماد مفهوم المؤسسة الاقتصادية المنتجة للثروة والمدركة لتحديات الأسواق، خاصة امتلاك القدرة على المنافسة والمناعة المالية، باعتماد طرق تسيير حديثة ‘'مناجمنت'' تقوم على قبول بروز كفاءات واستثمار المعرفة وترشيد استغلال الموارد المالية والمادية، خاصة التي يقدمها الصندوق الوطني للاستثمار بذهنية اقتصادية شفافة بعيدة كل البعد عن سلوكات تجاوزها الزمن. ويحظى الإنتاج الوطني عقب كل التجارب التي مر بها منذ بداية مسار الإصلاحات باهتمام غير مسبوق منذ عشريات، ليقطف اليوم، ثمارا بالغة الأهمية وتحول دلالات قوية، تعكسها القرارات التي سطرتها أطراف الثلاثية، في ظل إدراك تام للرهانات والتحديات التي يفرضها الواقع المتغير للاقتصاد، محليا وإقليميا وعالميا، تحت وطأة أزمة مالية دولية أدت إلى تنافس على الموارد والأسواق. وفي هذا المناخ المعقد والصعب، يوفر للإنتاج الوطني ظرف أكثر ايجابية وتحفيز، خاصة من خلال تدعيم الاستثمار وتسطير العودة للقرض الاستهلاكي، بمنح أفضلية تسويقية لمختلف محاور الإنتاج الوطني، الذي بدأ يستعيد توازنه مع التخلص بالتدريج من ضغوطات مميتة أفرزتها تبعات انفتاح واسع على الأسواق الخارجية، ويقف أمام تحدي التحكم في الجودة واعتماد معاييرها. وبالفعل استعادت قطاعات عديدة صلتها بوتيرة النمو، مثل الصناعة بكل فروعها والبناء والأشغال العمومية والخدمات، بفضل جملة المشاريع الاستثمارية الضخمة التي أدرجتها الدولة في التنمية والموارد المالية الهائلة التي ضختها في دواليب المنظومة الاقتصادية، من تمويل لبرامج التأهيل وإعفاءات ضريبية وتحفيزات جبائية، بما في ذلك التحسين المضطرد للأجور في مختلف القطاعات، مما يساعد حتما وبشكل مباشر على تنشيط عجلة الاستهلاك، الذي يعول عليه في تنشيط دورة الإنتاج في عدد من المحاور في قطاع الصناعة بداية من السنة المقبلة على أكثر تقدير، وفقا لما تضبطه لجنة مكلفة بإعداد الإطار التنظيمي للقرض الاستهلاكي بكل ما يتطلبه من ضمانات تطمئن أيضا البنوك الشريكة بالتمويل والتي حانت مرحلة انخراطها في التنمية في المديين المتوسط والبعيد.