تعرض الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى إهانة شديدة في أول اختبار انتخابي إثر الهزيمة التي مني بها الحزب الاشتراكي في الانتخابات المحلية، حيث سجل اليسار الفرنسي تراجعا لافتا لحساب اليمين بشكل عام واليمين المتطرف على وجه الخصوص، الذي تحصل على أفضل نتيجة انتخابية منذ تأسيسه. فقد أفرزت النتائج الأولية، الأحد، لحساب الدور الثاني منها أو ما أطلق عليها رئيس اتحاد الحركة الشعبية، جون فرانسوا كوبي، الموجة الزرقاء، في إشارة إلى اكتساح اليمين الذي تحصل على 45٫9٪ مقابل 40٫6٪ للحزب الاشتراكي الحاكم و6٫8٪ لحزب اليمين المتطرف الذي تسيره عائلة لوبان؛ فبعد الأب جون ماري، جاء الدور على ابنته مارين لوبان لقيادة هذا الحزب الذي يتخذ من معاداة الأجانب ومناهضة الهجرة سجلا تجاريا لاستمالة الناخبين. اعترف جون مارك ايرولت، رئيس الحكومة الفرنسية، بأن نتائج الاقتراع تعبر عن فشل الحكومة الاشتراكية التي تسير البلاد منذ سنتين. وقد عرفت هذه الفترة استفحالا للبطالة لتؤكد فشل ما عرف بمشروع «ميثاق المسؤولية» الذي اقترحه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من أجل محاربة الظاهرة، في الوقت الذي تمر فيه البلاد، والقارة الأوروبية بشكل عام، بأزمة اقتصادية خانقة قد تكون وراء تراجع الحزب الاشتراكي الذي فقد 155 مدينة يفوق التعداد السكاني لكل منها 9000 نسمة ومنها ما يضاهي 30000 نسمة تحصل حزب الجبهة الوطنية على 13 مدينة من بينها، مما قد يفتح شهية هذا الأخير للتفكير في خوض غمار الاستحقاقات القادمة بوزن سياسي أثقل يمكنه من الحصول على امتيازات تنفيذية وتشريعية غير مسبوقة، الشيء الذي قد يزيد من متاعب الحزب الاشتراكي الحاكم في مجهودات البقاء في السلطة في ظل نتائج هذه الانتخابات التي تعطي الانطباع بأن الاستحقاقات القادمة لن تكون أحسن بالنسبة لليسار الفرنسي الذي وجد نفسه يتعثر في أول مواجهة انتخابية مع اليمين المعارض منذ فوز فرانسوا هولاند برئاسة البلاد العام 2012 ومنذ ذلك يستثمر الأخير بكل قوة في أخطاء غريمه الاشتراكي. إن هذه المشاركة السياسية، الأضعف في تاريخ الجمهورية الخامسة، أي منذ العام 1958، تعبّر عن المدى الذي بلغه انعدام الثقة بين الشعب الفرنسي والسلطة التي أخفقت في إعادة هذه الأخيرة، حيث لم تفلح التدخلات العسكرية الفرنسية في القارة الإفريقية (مالي، جمهورية إفريقيا الوسطى) والتي راهن عليها كثيرا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في إغراء الشعب الفرنسي من أجل الحصول على التفاف شعبي حول توجهات وخيارات حكومته، ليظهر عكس ذلك تماما وأن العزوف قد بلغ مداه، وإن كانت هذه الحالة لا تقتصر على فرنسا وحدها وإنما ظاهرة انتخابية تكاد تكون سمة عامة في القرن ال21. الأكيد أن الحزب الاشتراكي الفرنسي سوف لن يكتفي، بعد هذا العقاب الشعبي، بإجراء تعديلات حكومية واستبدال رئيس حكومة بآخر، لأن رحيل ايرولت من على رأس السلطة التنفيذية تداولته وسائل الإعلام الفرنسية شهورا قبل هذه الانتخابات، ولكن يبدو أن التغييرات ستطال سياسات تسيير شؤون الدولة والشؤون اليومية للمواطن الفرنسي الذي أبدى عدم اكتراثه بما يقوم به هولاند خارجيا بعد أن وصلت شعبيته إلى الحضيض في الوقت الذي يواجه فيه المواطن الفرنسي معكرات معيشية يومية تتعلق بالشغل والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الأخرى. إن اليسار الفرنسي دفع تدني شعبية الزوج التنفيذي هولاند - ايرولت بسبب فشلهما الذريع في القضاء على البطالة أو على الأقل الحد من حجمها وثمن ذلك كان باهظا، حيث فقد اليسار أحد أكبر قلاعه لما يناهز القرن وهما مدينتا «تولوز» المصنفة في المرتبة الرابعة ضمن كبرى المدن الفرنسية، ومدينة «ليموج» إحدى حصون اليسار الفرنسي كذلك، ولهذا بالطبع رمزية كبيرة في حرب المواقع المفتوحة بين اليمين واليسار. إن نتائح هذه الانتخابات وإن كانت تعبر عن تراجع كبير لليسار الفرنسي وعن اغتراب انتخابي، بالنظر إلى نسبة المشاركة الضعيفة مقارنة مع الاستحقاقات المحلية السابقة على مدار 56 عاما، فإن ما حققته الجبهة الوطنية بحصولها على نسبة 8٫6٪ يعتبر تراجعا خطيرا عن مبادئ الثورة الفرنسية وتنبئ عن انتعاش التطرف ورفض الآخر وسط هذا المجتمع الذي طالما رفع شعار المساواة، الأخوة والعدالة...إلخ. كما أن هذه الانتخابات قد تكرس تقليدا في ممارسة السلطة في فرنسا وهي العهدة الواحدة لكل رئيس، فبعد فشل نيكولا ساركوزي في الحصول على خماسية ثانية، فإن فرانسوا هولاند، وبالنظر إلى تراجع شعبيته وإلى نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، فإن حظوظه سوف لن تكون، كما يبدو، أحسن العام 2017، مما يوحي أن الطبقة السياسية الفرنسية تعيش ما يشبه الإفلاس وأن الشعب الفرنسي في رحلة بحث عن الرجل الذي ينتشله من محنته، لهذا عاقب بقسوة الحزب الاشتراكي الحاكم بعد فشله في تسيير شؤون البلاد.