فهرست الصفحات شراكة اميركية في العدوان على غزة الصفحة 2 الصفحة 1 من 2 عندما يطالب ممثلو هيئات دولية محترمة محايدة مثل الصليب والهلال الاحمر ووكالات متخصصة تابعة للامم المتحدة مثل المفوضة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي ووكالة الاونروا لاغاثة اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم كثيرون يمثلون المنظمات الانسانية غير الحكومية بفتح ''تحقيق في جرائم حرب وانتهاكات حقوق انسان محتملة في غزة'' ، كما قالت بيلاي يوم الجمعة الماضي ، ويخرج العالم من النرويج الى تشيلي مرورا بلندن والبحر المتلاطم من ملايين البشر الذين اغلقوا شوارع العواصم والحواضر العربية والاسلامية احتجاجا على المجزرة التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي في القطاع المحاصر منذ ثماني سنوات وتشذ عن ذلك واشنطن فقط لكي لا تلوذ بالصمت فحسب -- والصمت في هذه الحالة هو في حد ذاته موقف مثير للاشمئزاز والسخط -- بل لتجاهر سلطتاها التنفيذية والتشريعية بتاييدها ودعمها للعدوان باعتباره دفاعا اسرائيليا عن النفس ، ليخرج بالرغم من ذلك من يتساءل في العاصمة الاميركية عن اسباب العداء المستشري لاميركا في الوطن العربي والعالم الاسلامي ! فالكونغرس الاميركي الذي اجاز قرارين ''غير ملزمين'' من مجلسيه ، الشيوخ يوم الخميس الماضي وبالاجماع ، والنواب في يوم الجمعة التالي بمعارضة خمسة اصوات وامتناع 22 نائبا عن التصويت ، قد انضم الى الرئيس جورج بوش الابن في دعم العدوان الاسرائيلي باعتباره ''دفاعا عن النفس'' وجزءا من ''الحرب على الارهاب'' لان اطلاق الصواريخ من القطاع ''عملا ارهابيا'' يتطلب وجود ''اليات مراقبة'' دولية على الارض تمنع تهريب الصواريخ عبر الانفاق كشرط مسبق لوقف العدوان ، مما دفعه ليل الخميس الماضي الى اصدار تعليماته لوزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الامن الدولي رقم 1860 ليضعها في موقف شخصي محرج امام نظرائها العرب بخاصة بعد ان اضطرت الى التخلي عن القرار الذي اقترحت هي نفسها مسودته وكانت فاعلة رئيسية في صياغتها . ان شبه اجماع السلطتين التنفيذية والتشريعية على الموقف نفسه يعكس اجماعا بين ادارتي بوش الراحلة وباراك اوباما المقبلة وبين الحزبين الجمهوري والديموقراطي على مواصلة الانحياز لاسرائيل ظالمة او مظلومة كثابت في السياسة الخارجية الاميركية يحول واشنطن عمليا الى شريك لدولة الاحتلال الاسرائيلي في كل مغامراتها العدوانية والتوسعية بكل ما تنطوي عليه هذه المغامرات من جرائم حرب وانتهاكات صارخة للقانونين الدولي والانساني. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق اواخر القرن العشرين الماضي تقلصت اعداد من يستعدون الولاياتالمتحدة لاسباب ايديولوجية الى الحد الادني بحيث لم يعد عديدهم بين العرب والمسلمين يزيد على قلة قليلة نخبوية استطاعت العولمة الراسمالية التي تقودها واشنطن استيعاب الكثيرين منهم في واجهاتها الليبرالية التي تتاطر في المنظمات غير الحكومية المعنية بخوض معارك دينكوشيتية دفاعا عن حقوق وحريات فردية للانسان والطفل والمراة وغير ذلك في اوطان صادرت الهيمنة الاميركية سيادتها الوطنية وارادة شعوبها الحرة في تقرير مصيرها اما بالغزو والاحتلال المباشرين كما في العراق او بالغزو والاحتلال بالوكالة الاسرائيلية كما في فلسطين وسوريا ولبنان او بالحصار والعقوبات الاقتصادية والامثلة العربية والاسلامية على ذلك عديدة ، بينما اختار النظام العربي الرسمي كدول تجزئة منفردة وكمنظمة اقليمية ممثلة بجامعة الدول العربية ، ومثله النظام الاسلامي ممثلا بمنظمة المؤتمر الاسلامي ، اتقاء شر انفراد القطب الاميركي الاوحد في صنع القرار الدولي بالتساوق او التقاطع او الخضوع الصريح لاستراتيجيته العالمية والاقليمية على حد سواء ، باستثناءات معدودة على الاصابع ، لكن بالرغم من ذلك فان الادارات الاميركية ، بغض النظر عما اذا كانت قيادتها ديموقراطية او جمهورية ، تبدو حريصة على تفسير واحد لهذه ''الواقعية'' السياسية العربية والاسلامية وهو انها واقعية الضعفاء فحسب لكي توغل هذه الادارات في مكابرتها في اثمها السياسي وصلف قوتها العسكرية وانحطاطها الاخلاقي ، وليس موقفها من العدوان الاسرائيلي على عرب فلسطين ومسلميها في قطاع غزة الا المثال الاحدث الذي لم تتورع فيه عن المجاهرة بانحيازها للجلاد ضد الضحية دون حتى ان تحاول الاقتداء بالحكمة العربية الاسلامية التي تقول ان بليتم فاستتروا ، ولو في الاقل حماية لصدقية حلفائها واصدقائها امام شعوبهم بدل ان تستغل اهتزاز هذه الصدقية لاستغلال ضعفهم السياسي الناجم عنها من اجل ابتزاز المزيد من التنازلات من هؤلاء الحلفاء والاصدقاء . في السابع من الشهر الجاري كتب بول روجرز في ''اوبن ديموكراسي'' الليبرالية يقول ان ''ما يحدث في غزة ... ليس حربا اسرائيلية ، بل عملية (عسكرية) مشتركة للولايات المتحدة واسرائيل . وهكذا فان طائرات اف 16 ؟ الهجومية وحوامات الاباتشي الحربية لا تعتبر طائرات اسرائيلية بقدر ما ينظر اليها كطائرات اميركية بعلامات اسرائيلية . وهذه الشراكة الاميركية في العدوان ليست دبلوماسية فقط كما اتضح من الموقف الاميركي الذي حال نهاية الاسبوع الماضي دون مجلس الامن الدولي واصدار قرار ملزم بوقف فوري للعدوان ، اذ بالرغم من اهمية الدعم السياسي والاعلامي الاميركي للعدوان الاسرائيلي على القطاع فان الدعم العسكري الذي لا يحظى باضواء الاعلام لا يقل اهمية . ان الطائرات الحربية التي تقتل الاطفال والنساء والشيوخ وعائلات بكاملها ورجال الاسعاف والاطباء والصحفيين في بيوتهم واثناء تادية اعمالهم او في الملاذات اللآمنة التي وفرتها لهم الاممالمتحدة في مدارس الاونروا ، دون ان تفرق بين مدني وبين مقاوم او بين عضو في حماس وبين عضو في فتح او بين مسلم وبين مسيحي (استشهد حتى الآن اربعة مسيحيين من اقل من ثلاثة آلاف)، والتي دمرت -- بالاضافة الى المساجد (وبناية من اربعة طوابق لمؤسسة مسيحية) والمنازل والمدارس والمؤسسات الاعلامية -- كل البنى التحتية المدنية التي بنتها منذ انشائها سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية الحليفة لواشنطن ، لا حركة حماس ، من اموال دافعي الضرائب الاميركيين والاوروبيين واليابانيين بصفة اساسية (قدر رفيق الحسيني مدير مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس قيمة الخسائر المادية للعدوان حتى السابع من الشهر الجاري باكثر من ملياري دولار اميركي) ، ... ان هذه الطائرات ليست من صنع اميركي فحسب بل كذلك ذخائرها الفوسفورية الحارقة وقنابلها المفجرة للاعماق وجميعها ممولة اميركيا ينفق الاحتلال عليها من حوالي اربعة مليارات دولار قيمة مساعدات اميركية سنوية تدفعها واشنطن لتل ابيب ، لا بل ان البنتاغون لم يجد في رد الفعل العربي الرسمي على العدوان ما يسبب له أي حرج في اليوم الخامس عشر للعدوان لكي يمتنع عن اعلان مناقصات لتزويد جيش الاحتلال بذخائر جديدة يستخدمها في عدوانه . وفي خضم حمام الدم الجاري في غزة يغيب عن وسائل الاعلام حقيقة ان الاستعدادات الاسرائيلية لشن هذا العدوان على القطاع جارية منذ عام 2005 ، أي منذ السنة التي اعادت فيها قوات الاحتلال انتشارها من داخل القطاع الى حدوده لتضرب حوله طوقا عسكريا محكما ، وكانت الولاياتالمتحدة مشاركة في هذه الاستعدادات وليست على علم بها فقط . فالقوات الغازية حاليا لغزة اجرت تدريباتها في منشاة تدريب عسكرية بنيت في صحراء النقب في تلك السنة في منطقة تشبه القطاع في طوبوغرافيتها واطلق عليها اسم البلدية ، وهي عبارة عن مجسم لمدينة من مدن مخيمات اللاجئين في غزة ، بمساجدها وازقتها واسواقها ومنازلها التي يزاحم بعضها بعضا ، وقد افتتحت ''البلدية'' رسميا في اواسط عام 2007 باسم ''مركز التدريب القومي ل (حرب) المدن، وكان سلاح المهندسين الاميركي هو الذي بنى المنشاة كاملة وقد تم تمويلها بصفة اساسية من المساعدات العسكرية السنوية لاسرائيل ، ويتم فيها تدريب القوات الاميركية المحتلة للعراق على حرب المدن ضد المقاومة العراقية ، وكما قال البريغادير جنرال عوزي موسكوفيتش القائد الاسرائلي الاول للمنشاة فان الهدف منها هو ان تكون ''مركز معرفة )عسكرية( ثمينة يستفيد منها حلفاؤنا الاميركيون وغيرهم من الاصدقاء. '' بين ضغط المقاومة والتزامات كامب ديفيد السابق - التالى