أكّد الكاتب المقدسي سمير الجندي في حوار مع «الشعب» أن الثقافة هي معركة أساسية بين الفلسطينيين والعدو الصهيوني الذي يحاول طمس تواجدهم، بتغيير أسماء المدينة والشوارع والأزقة، ومحاولة هدم المباني التاريخية، والمسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم، مشيرا إلى أن العلم هو حجر الأساس الذي يتكئ عليه الإنسان الفلسطيني لتقوية نفسه. وأعاب الجندي على غياب القضية الفلسطينة ضمن أجندة المسلمين والعرب، قائلا بأن القدس لا أحد يهتم بها لا في العالم العربي ولا الإسلامي، مؤكدا بأن قضية بحجم فلسطين تكاد تكون مغيبة أيضا في أعمال المثقف العربي.
@ الشعب: سمير الجندي شخصية مثقفة ولها باع عريق في عالم الأدب والنشر في فلسطين والوطن العربي، مرحبا بكم، الجزائر تسعد باستضافة أبناء الوطن المناضل. @@ سمير الجندي: سعداء بوجودنا هنا في الجزائر، هذا البلد الذي نعتبره العمق الاستراتيجي لقضيتنا الفلسطينية، وحين نكون في الجزائر نشعر بأننا في بيتنا، ولا نشعر بغربة على الإطلاق، وهذه ليست مجاملة وإنما حقيقة أعّبر عنها من قلبي الذي يهفهف محبة وتقديرا لهذا البلد العظيم، وبهذه المناسبة وإن جاءت متأخرة قليلا، أحب أن أهنئ شعبنا الجزائري بمناسبة احتفاله بستينية الفاتح نوفمبر التي نتج عنها تحرير الجزائر وكنس الاستعمار الفرنسي من هذه الأرض الطيبة، أرض المليون ونصف المليون شهيد الذين رسموا لنا طريق الحرية والاستقلال في هذه البلد العظيمة. مواجهة دائمة مع العدو @ الكيان الصهيوني يعمل على طمس الهوية الفلسطينية ومن ورائها المثقف الذي يعتبر العدو الأول له، لما يلعبه من دور في النضال والتعريف بالقضية الفلسطينية بأدبه وفنه، كيف يعيش المثقف في ظلّ هذا الاحتلال؟ @@ نحن في مدينة القدس بشكل خاص، نعيش في مواجهة دائمة مع العدو الصهيوني، وبصراحة مع العدو اليهودي، لأننا قديما كنا نقول أن هناك فرق بين العدو الصهيوني والعدو اليهودي والحقيقة لا يوجد فرق كل اليهود واحد، هدفهم تدمير إرادتنا وطمس وجودنا ومسحنا عن هذه الأرض، لأنهم يرغبون في أرض بدون شعب. وطبعا هذا جعلنا نتمسك بإيماننا وبحقيقة وجودنا، وهذا الوجود هو الثقافة، فنحن بحاجة إلى وجود نوعي من خلال تطوير إمكانية الإنسان الفلسطيني عن طريق الدراسة والعلم والمطالعة، على اعتبار أن العلم هو حجر الأساس الذي يتكئ عليه الإنسان الفلسطيني لتقوية نفسه. طبعا الثقافة هي معركة أساسية بيننا وبين الاحتلال الذي يحاول طمس وجودنا، ونحن نحاول أن نعزّز تواجدنا، وبنفس الوقت أنا كسمير الجندي أحلم أن أكون شوكة في حلقهم. فالإسرائيليون لا يحبون المثقف، بدليل اغتيالهم لعدد كبير من المثقفين الفلسطينيين أمثال غسان الكنفاني وراشد حسين وناجي العلي، فالمثقف يمثل خطرا بالنسبة لهم مثله مثل المقاوم الذي يحمل السلاح، نحن أصحاب حق، وصمودنا دليل على إيماننا العظيم. فالقدس يتعرض إلى حملة شرسة، وبالخصوص المسجد الأقصى المبارك الذي يمثل عقيدتنا، ونحن نكتب دائما بأن هذا المعلم خط أحمر، ولن نسمح لأي كان الاقتراب منه، ولذلك الشباب المقدسي من الطفولة لجيل الشيوخ يضحي بحياته لأجل الحفاظ على مكانة المسجد، وهو ما جعل اليهود يعملون على تغيير أسماء المدينة والشوارع والأزقة، ويحاولون هدم المباني التاريخية، كما أنهم يحاولون هدم المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم. @ أمام هاته الحملة الشرسة التي تطال مقدسات ومعالم، ما الذي يمكن أن يلعبه المثقف لحماية الأقصى من التهويد؟ @@ أحب أن أركّز على مدينة القدس، لأنها منسية، ولا يجب أن يغتر أحد بما يُحكى على المنابر، فمدينة القدس لا أحد يهتم بها لا في العالم العربي ولا في العالم الإسلامي، ولذلك أنا رسول قادم من مدينة القدس حامل على عاتقي رسالة أنقلها لشعبنا في الجزائر الذي يتفهم قضية فلسطين، بكل صدق وبراءة ودون أي مصلحة. نحن نُفعل الحراك الثقافي عن طريق الصالونات الأدبية، لدينا في القدس كل مقهى أصبح مكتبة ثقافية، أي شاعر يطبع قصيدة على ورق يضعها على الطاولات حتى يقرأها الجميع، أيضا في الأندية الرياضية هناك مكتبات تنظم ندوات يومية، كما أن المسرح الوطني الفلسطيني فعال ويحتضن نشاطات يوما بعد يوم، هناك دبكة فلسطينية، أفلام، وبالخصوص «ندوة اليوم السابع» والتي بدأت تنشط منذ التسعينيات، ولم تنقطع يوما واحدا، يديرها مثقفون مقدسيون كل يوم خميس، وتدرس شؤون القدس، أو تقدم كتابا، أو تنظم مسرحية. وهذه الندوة ليست عبثية، فأعضاءها كتّاب ونقّاد ومثقفون من مدينة القدس، ويحضرها طلاب وطالبات من الجامعات والمدارس ليستفيدوا من النقاشات التي ينشطها قرابة 25 مثقفا يقدمون أرائهم كتابة، والتي استطعنا أن نجمعها في 13 كتاب إلى غاية الآن. بالإضافة إلى ذلك الشباب لهم ندوتهم الخاصة «دواء على السور» فالقدس لها سور تاريخي بناه السلطان سليمان القانوني من أهم سلاطين الفترة العثمانية، وهو يحيط بمدينة القدس القديمة ويبلغ طوله حوالي 3600 متر. تخيلي أنه في التسعينيات دعا المثقفون إلى عمل سلسلة بشرية لاحتضان القدس، تضم الشاعر الراحل سميح القاسم، وقد حاول الشباب من خلال هذه السلسلة استدراج الجنود إليهم، مرددين «تعالوا» فسمعهم الشاعر سميح القاسم فكتب عنهم قصيدة ارتجالية بعنوان «تقدموا على المحل»، يقول فيها «تقدموا تقدموا سماءكم جهنم، أرضكم جهنم تقدموا»، حيث ذاع صيتها في الوطن العربي. هذا هو دور المثقف، يحمي هذه المدينة كأنه جدارها الواقي، بالإضافة إلى ثقافتنا الأخرى الموجودة في مدينة القدس، حيث تتوفر على زوايا تضم سكان أصلهم من دول عربية، ومن أهم هذه الزوايا «حارة المغاربة» التي تضم أشقاءنا من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، عير أن اليهود في 1967 هدموا هذا الحي بكامله، لكن هناك أناس من هذه الدول ما تزال موجودة في فلسطين، وأنا إن شاء الله سأقدم هدية للشعب الجزائري بأن أجمع هذه العائلات، وأقدم كتاب عن العائلات الفلسطينية من أصل جزائري سيكون جاهزا السنة المقبلة. حماية الوطن واجب مقدس @ بالتأكيد كل هاته النشاطات والندوات التي تقومون بها تجد من يقف لها بالمرصاد من العدو اليهودي، هلا حدثتمونا عن بعض هاته الاختراقات؟ @@ في الحقيقة هناك مراكز ثقافية في القدس مثل الأندية والمسرح الوطني الفلسطييني ومؤسسة «يابوس» وهي عبارة عن مسارح وأماكن نقيم فيها ندواتنا، فحين نعلن عن نشاط معين بطبيعة الحال الاسرائليون سباقون إلى ذلك المكان قبل انعقاده بحوالي ربع ساعة، لمنع الفلسطينيين من تنظيمه. وأيضا في بعض الأحيان أنظم معرض للكتاب بالقدس، أو أي مكان آخر يأتي الجيش المحتل ويصادر كتبنا، هذه نوع من المعاناة فهي حرب بين العدو والمثقف، لكن نحن في الأغلب نحرص على أن لا يعلموا بنشاطاتنا. @ دار الجندي للنشر والتوزيع والتي تشرفون عليها، تطبع كتب على نفقتها الخاصة، بدون شك تعرضتم إلى مضايقات وضغوطات من طرف العدو الصهيوني؟ @@ بالتأكيد تعرضت إلى مضايقات في عديد المرات، اعتقلت أكثر من 05 مرات لمدة تتراوح بين أربع وخمس سنوات أمضيتها في سجون الاحتلال، مثلي مثل أي رجل في فلسطين، وهو أمر عادي، نحن في القدس مشروعنا الشهادة، نحن وشبابنا وأطفالنا وحتى نساءنا، فهذا قدرنا. لكن لن نتراجع لأنه واجبنا في حماية وطننا، ونحن نمثل الإسلام كله حين نحافظ على المسجد الأقصى المبارك، الذي يمثل العقيدة الإسلامية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومنه عرّج الرسول عليه الصلاة والسلام إلى السماء، وبذلك يعتبر قضية إسلامية، لكن المسلمون مغيبون والعرب مغيبون للأسف الشديد، فماذا ستفعل بمفردنا؟ سنقدم كل ما لدينا من أجل نكون ندا لهذا العدو الغاشم قاتل الأطفال. @ قلتم بأن العرب مغيبون في دعم القضية الفلسطينة، ماذا عن المثقف العربي، والذي قد يسهم على الأقل في بعث رسالة تبرز معاناة الفلسطينيين مع العدو الغاشم؟ @@ في الحقيقة لا أرى أن قضية بحجم فلسطين موجودة في الإعلام أو في أعمال المثقف العربي، إذا تجولت مثلا في معرض الكتاب بالجزائر الذي شهد مشاركة أكثر من 900 دار نشر، بصراحة كم كتاب موجود عن القدس، هناك الشيء القليل جدا. اليهود كل يوم يصدرون أعدادا كبيرة عن القدس دون ذكر المقدسي أو الفلسطيني، نحن لسنا أقل منهم في الوطن العربي، للأسف الشديد الكتّاب في الوطن العربي أصبح تجارة الهدف من ورائه الربح السريع، وليس دعم قضية أو شيء آخر، أنا لا أدعي ذلك ولكنها الحقيقة. @ كيف تقيّمون العلاقات الثقافية بين الجزائروفلسطين؟ @@ الجزائر وعلى رأسها وزارة الثقافة موجودة في مكانها وتنتظر أي شيء من فلسطين لتدعمها، لا يوجد بيننا حدود، الجزائر تقدم كل ما لديها لأجل وطننا، لكن هنا على الفلسطيني أن يعرف ما يريده. نأمل من سفارة فلسطين في الجزائر أن تتفاعل أكثر من ذلك، ولدي أمل بعد أن أصبح الدكتور لؤي عيسى سفيرا لفلسطين في الجزائر أن يتطور أداء السفارة فيما يخدم الثقافة والعلاقات الثقافية ما بين الجزائروفلسطين، فهو رجل فاضل وعملي، وهذه دعوة موجهة من مثقف فلسطيني إلى السفير. —