كشف العدوان الإسرائيلي على غزة شرخا عربيا كبيرا ظهر من خلال القمم المنعقدة هنا وهناك وفي ظرف قياسي وتوحي هذه الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية عن بروز تيارين في الوطن العربي واحد يسعى الى الدفاع عن المبادئ والثوابت وآخر يبحث عن المصالح والتموقع على حساب القضايا العربية والإقليمية وهو ما ينبئ بخارطة جديدة مستقبلية ستجعل في الأخير إسرائيل الأكثر قوة. تلقت القضية الفلسطينية طعنة خطيرة في الظهر من قبل بعض الأنظمة العربية التي استغلت العدوان الإسرائيلي على غزة لتحقيق مصالح ضيقة مقابل التنازل عن حق العرب والمسلمين في فلسطين وزادت مؤشرات هذا الاحتمال عند الدعوة لعقد قمة عربية طارئة بالدوحة الجمعة الماضية حيث عبرت 16 دولة عن مشاركتها وهو ما يزيد عن النصاب القانوني لعقد قمة عربية طارئة ولكن وفي ظرف وجيز اختلط الحابل بالنابل وتراجعت عديد العواصم العربية بما فيها السلطة الفلسطينية حيث طرح غياب رئيس السلطة محمود عباس أكثر من سؤال وهو الذي صرح من قبل بأنه سيكون حاضرا في أي قمة حول غزة. وما زاد في حدة التساؤلات حول غياب السلطة الفلسطينية هو المضاربات الإعلامية بين قطر والسلطة الفلسطينية التي توجد في موقع ضعف وكأنها ضحية لسيناريو محبوك جيدا حيث وجدت نفسها في عزلة في ظل انتهاء العهدة الرئاسية لمحمود عباس وبروز حماس كقوة عسكرية وسياسية يحسب لها ألف حساب حيث احتلت قيادات حماس جميع المواقع الإعلامية والسياسية فالمشاورات والمباحثات بين الإرهاب الصهيوني في قضية وقف إطلاق النار وفتح المعابر كان يتم مع حماس بوساطة مصرية وهي رسالة واضحة للسلطة التنفيذية الفلسطينية بأن القضية الفلسطينية سيكون مستقبلها في يد حماس التي لقنت إسرائيل درسا كبيرا في السياسة والمقاومة وهو ما أجبرها للاعتراف بها وبالتالي فمستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية سيأخذ بعين الاعتبار حماس كحركة سياسية قوية لا يمكن تجاهلها. وما سيزيد من مكانة حماس السياسية والعسكرية هو الدعم الكبير الذي لقيته من قمة الدوحة فالقادة العرب الذين حضروا حيث منحوا الشرعية لقادة حماس في ظل تخلف محمود عباس أبو مازن الذي يوجد في وضع لا يحسد عليه. كما تعتبر قمة الدوحة منبرا للدول التي لا زالت متمسكة بمبادئ القضية بالرغم من وجود دول تقيم علاقات مع إسرائيل حيث قد يكون تأثير العدوان الإسرائيلي الذي ترك وراءه دمارا وخرابا وإرهابا كبيرا سلبيا على نظرة بعض الدول العربية لمستقبل العلاقات مع اسرئيل بعدما لمسوا فيها الغدر والإرهاب ويظهر أن الأنظمة العربية التي ساندت المقاومة قد اختارت هذه المرة خندق شعوبها التي أبانت عن غضب كبير من العدوان. وبالمقابل سيشكل التيار العربي الثاني الدول المترددة في دعم المقاومة إن لم نقل التواطؤ غير المباشر مع إسرائيل وعملت هذه الدول وخاصة مصر والسعودية والمغرب التي ظهرت سياستها بعيدة عن شعوبها ولعبت دورا كبيرا في إفشال قمة الدوحة والتأثير حتى على بعض الدول التي كانت تنوي الحضور. وما يبرز تشكل هذا التيار الذي يفضل المنابر الأمريكية والأوروبية لبحث سبل السلام وحل الأزمات هو دعوة مصر لعقد قمة حول غزة بعد قمة الدوحة وقبل قمة الكويت الاقتصادية وبمشاركة الأممالمتحدة التي داست عليها إسرائيل والاتحاد الأوروبي الذي أكدت جمهورية التشيك الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي بأن إسرائيل من خلال العدوان تدافع عن نفسها كما أن مصر أثبتت بأن مواقفها باتت تابعة لدوائر خارجة عن الوطن العربي وأصبحت بعد العدوان ضحية للسياسة الأمريكية والإسرائيلية اللتان وقعتا اتفاق للتصدي لتهريب السلاح عبر الأنفاق الى قطاع غزة ما يعني بأن السيادة المصرية ستكون ناقصة في الحدود مع غزة. وعليه فالعدوان الإسرائيلي على غزة كشف مستقبل الوطن العربي الذي لا يملك خيارا سوى المقاومة لأن إسرائيل لا تعترف إلا بالقوة وهولاء الذين بدلوا القضية ببعض المصالح التي لا تتجاوز ملايين الدولارات والتاريخ سينصف أصحاب المبادئ لأنهم على الأقل نددوا بقلوبهم وهو أضعف الإيمان. ------------------------------------------------------------------------