يعيش الفلاحون ومربو الأبقار المنتمون لشعبة الحليب بولاية بومرداس، ظروفا صعبة هذه الأيام ووضعية مهنية لا يحسدون عليها خاصة في هذا الفصل من الشتاء، بسبب الارتفاع المطرد لأعلاف الحيوانات في السوق المحلي، وتعثر برنامج الدعم المخصص من قبل وزارة الفلاحة لهذه الفئة، لأسباب عديدة أهمها عدم قدرة المنتجين والموزعين على التجمع في تعاونيات لإمضاء اتفاقيات مشتركة مع الصناعيين والمستوردين لاقتناء الأعلاف بأسعار معقولة. عبرعدد من الفلاحين المتخصصين في تربية أبقار الحليب في حديثهم ل«الشعب"، عن سخطهم وتذمرهم من الوضعية الصعبة التي يعيشونها في ظل الارتفاع الكبير لأسعار أعلاف الحيوانات هذه الأيام، التي تجاوزت كل الحدود حسب تصريحهم، إلى درجة أن المنتجين لم يعد في مقدورهم ضمان التموين العادي بمادة "النخالة" الثانوية التي ليس لها فائدة صحية للأبقار أو مردود كبير لمادة الحليب من وجهة نظر المختصين، لكنها وصلت إلى سعر خيالي لأكثر من 2800 دينار للقنطار، في حين يصل ثمنها لدى بعض التعاونيات التي كان من المفروض أن تقوم بتوزيع هذه المادة في إطار الدعم الفلاحي إلى 1570 دينار للقنطار وغير موجودة بصفة دائمة. وقد أكد أحد المنتجين بالقول "حسب التنظيم المعمول به في مجال الدعم بهذه المادة وباقي الأعلاف الأخرى، تم تخصيص حصة 1 كلغ عن كل لتر من الحليب حتى يتمكن المنتج من ضمان حد أدني، ولا يضطر لشرائها لدى الخواص بأسعار خيالية، لكن الذي نعيشه هو قلة مادة النخالة وغيابها في أكثر الأوقات حتى لا نتحدث عن المواد الأخرى الموجهة خصيصا للنتاج، وبالتالي ننتظر أحيانا شهرين للحصول على قنطار من مادة النخالة، وهو أمر لا يمكن تقبله في هذه الفترة الصعبة من الشتاء، حيث تنعدم فيه الحشائش الخضراء وانعدام المساحات المخصصة لزراعة الأعلاف بالولاية، وبالتالي أصبحنا ضحية لدى تجار مادة التبن القادمين من ولايات عين الدفلى، الشلف، تيارت وغيرها الذين استغلوا الفرصة لمضاعفة الأسعار بعدما تجاوز سعر الجزمة الواحدة في السوق الأسبوعي لبغلية 1100 دينار وهي حالة غير مسبوقة.. كما ناشد المنتجون من خلال منبر جريدة «الشعب» مديرية المصالح الفلاحية ووزارة الفلاحة التدخل لدعم شعبة الحليب وإيجاد بدائل أخرى للتخفيف من حدة ارتفاع أسعار أعلاف الحيوانات كالرفع من نسبة الدعم الحالي التي لا تتجاوز 12 دينار عن اللتر الواحد منذ سنوات على الأقل، أو زيادة دينار أو دينارين عن كل لتر المقدر حاليا ب34 دينار، قبل أن يضطر المنتجون إلى بيع رؤوس الأبقار والتخلي نهائيا عن المهنة نتيجة تضاعف التكاليف وعدم القدرة على التوازن بين الأمرين، وهي وضعية تظهر حجم معاناة أصحاب شعبة الحليب نتيجة غياب التهيكل في تنظيم مطلبي عن حقوقهم، واندثار إحدى الجمعيات الوحيدة التي كانت تنشط باحتشام في وقت مضى على مستوى دائرة بغلية التي تعتبر اكبر منطقة منتجة لمادة الحليب ببومرداس. مدير المصالح الفلاحية: ندعو المنتجين للتهيكل سريعا حاولنا نقل انشغال الفلاحين من منتجين، جامعين وموزعين للحليب إلى مدير المصالح الفلاحية لولاية بومرداس محمد خروبي الذي اعترف فعلا بصعوبة الوضعية التي يعاني منها المنتجون لكنه حملهم جزء من المسؤولية، مؤكدا بالقول "لقد حاولنا مرارا إقناع المنتجين بضرورة التهيكل في جمعيات وتعاونيات لتشكيل قوة مطلبية والتفاوض باسم جميع أصحاب المهنة بما فيه عقد اتفاقيات تعاون من بعض الصناعيين ومطاحن الوسط، وحتى المستوردين المتخصصين في استيراد أعلاف الحيوانات للحصول عليها بأسعار معقولة بعيدا عن المضاربين لكن دون جدوى..". وعن أهم الإجراءات التي اتخذتها مديرية المصالح الفلاحية لبومرداس من أجل التكفل بانشغالات المنتجين والموزعين، وتحسيسهم بأهمية سياسة الدعم الفلاحي المسطرة من قبل الوزارة للحفاظ على استقرار القطاع وضمان استمرارية الإنتاج الحالي، كشف محمد خروبي "أن مصالحه مستمرة في نهج سياسة المرافقة والتوجيه في الميدان وتقديم كافة التحفيزات لترقية الإنتاج وليس الدعم المباشر، وهذا من خلال إعادة تفعيل شعبة الحليب على مستوى المديرية بانتخاب ممثل جديد ودعوة كافة الناشطين إلى التنظيم في جمعيات أو تعاونية تكون بمثابة الشريك الأساسي في الحوار ومعالجة كافة الانشغالات المطروحة بما فيها وضع حد لمشكلة توزيع الأعلاف، كما تم تنظيم لقاء مع مدير الديوان الوطني لتغذية الأنعام بهدف مساعدة منتجي الحليب على إمضاء اتفاقية تمويل مباشر بأعلاف الحيوانات مع مؤسسة الرياضالجزائر عبر 5 مطاحن للوسط وأهمها مطحنة بغلية بسعر لا يتجاوز 2700 دينار للقنطار، والتفكير أيضا في عقد اتفاق مع بعض المستوردين لتمويلهم بنوعية جديدة من الأعلاف المعبأة في الأكياس مشكلة من عدة حبوب زراعية خاصة بأبقار الحليب للرفع من المردودية، وهناك إجراء آخر بالتنسيق مع وكالة دعم وتشغيل الشباب "اونساج"، يتيح لجامعي الحليب من تقديم ملفات باسم أبنائهم للحصول على شاحنات الجمع حتى نضمن استمرار هذه الحلقة المهمة في سلسلة الإنتاج". هذا وكشف مدير المصالح الفلاحية بالمناسبة أن سعر اللتر الواحد من حليب البقر وعلى عكس حليب الأكياس المسقف من طرف الدولة بسعر محدد، فإنه غير خاضع للتسقيف، وبالتالي بإمكان المنتج أن يفاوض بحرية مع جامع الحليب أو وحدة الإنتاج في كل ملبنة ذراع بن خدة وبودواو للرفع من السعر الذي يتراوح حاليا بين 32 و35 دينارا، لكن من وجهة نظر الفلاحين ليست الأمور بهذه البساطة إنما خاضعة لقانون السوق الحالي. لتبقى الوضعية مستمرة في حالة الشد والمد وتهم متبادلة بين الجانبين حول من يتحمل مسؤولية التقصير، لكن الأكيد أن الضحية في النهاية هي شعبة إنتاج حليب الأبقار بولاية بومرداس التي تبقى بحاجة ماسة إلى تكفل أمثل ومرافقة مستمرة بغض النظر عن الجوانب التنظيمية من اجل حماية الإنتاج الحالي المقدر بأكثر من 48 مليون لتر في السنة يتم تغطية الولاية وأجزاء من تيزي وزو، العاصمة والبليدة، وتشجيع المنتجين والمربين على حماية رؤوس أبقارهم التي تصل حاليا إلى حوالي 18 ألف رأس وعدم الاضطرار إلى التخلي عنها أو بيعها بثمن بخس في السوق الأسبوعي على حد تعليق بعض الفلاحين.