لا تزال أسعار النفط تتميز بوضع غير مستقر على العموم بين تراجع وارتفاع، ناهز حوالي العشرة دولارات في أقل من شهر، حيث عاودت الأسعار مجددا الإرتفاع خلال الأسبوع الماضي لتنتهي إلى مستوى يتعدى 45 دولارا للبرميل بالنسبة للخام الأمريكي أي بزيادة 6٪ وتقترب من 48 دولارا للبرنت الخام المرجعي في أوروبا، بزيادة 5,5٪، بينما تجاوزت خامات سلة أوبيك مستوى 40 دولارا للبرميل في نهاية تعاملات أمس الأول. وتعود أسباب إرتفاع أسعار النفط في مختلف الأسواق العالمية في تعاملات الجمعة إلى مجموعة من العوامل الأساسية وأخرى ثانوية، لعل أهمها التحركات الحالية لدول أوبيك لإقرار تخفيض آخر في الإنتاج، بعد زيادة التشاؤم من انخفاض الطلب على الخام خلال العام الجاري الذي قدر في مرحلة أولى بنصف مليون برميل في اليوم، بينما تتوقع مصادر مختلفة أن تزيد حدة إنخفاض الطلب على الخام بسبب بروز توقعات أخرى حول استمرار الأزمة العالمية الراهنة ليس إلى عام أو عامين كما قدرها الخبراء والملاحظون في بداية الأمر، وإنما إستمرار الأزمة قد يمتد إلى سنوات أخرى، يخشى البعض أن تكون أطول مما تنبأ لها في السابق. ومزيدا من التوقعات المتشائمة بشأن استمرار حالة الإنكماش بالنسبة للبعض ودخول إقتصاديات بصفة رسمية إلى حالة الركود كما هو في الحال بالنسبة لبريطانيا، يعني مزيدا من الإنخفاض في الطلب على النفط وبالتالي تهاوٍ آخر محتمل في الأسعار في المرحلة القادمة، الأمر الذي دفع ولا يزال يدفع أعضاء منظمة الأوبيك إلى العمل باستمرار على سحب المزيد من معروض النفط في الأسواق العالمية، كما أشار إلى ذلك وزير الطاقة والمناجم السيد شكيب خليل الذي شدد على ضرورة أن تواكب المنظمة وضعية الأسواق النفطية، وأن تستمر في إجراء المشاورات اللازمة من أجل التوافق على قرارات أخرى بشأن مستوى الإنتاج الحالي. وكان من المنتظر وحسب ما أعلن عنه في الشهر الماضي، إجراء مشاورات أخرى لدول أوبيك على هامش القمة الإقتصادية العربية التي عقدت في 18 و19 من الشهر الجاري في الكويت، غير أن ملف قطاع غزة وتداعيات العدوان الإسرائيلي عليه، طغت على أشغالها وحالت دون الإلتفاف الى واقع السوق النفطية وأسعار النفط التي تتأرجح في مستويات غير مقبولة بالنسبة لأعضاء المنظمة، وإنشغلت الدول العربية بمأساة قطاع غزة وبالخلافات فيما بينهما ومحاولات المصالحة العربية العربية، وتم تناسي هذا الملف الحيوي الذي تعتمد عليه جل الدول العربية في تطوير وتنمية إقتصادها. أما الأسباب الأخرى التي دفعت بالأسعار نحو الإرتفاع خاصة بالنسبة للخفيف الأمريكي من 37 دولارا في بداية الأسبوع إلى حوالي 46 دولارا في نهاية نفس الأسبوع فتعود بالأساس إلى التحرك السريع للرئيس الأمريكي الجديد ودعوته للكونغرس للبت في خطة سريعة لتحفيز الإقتصاد الأمريكي والتي يفترض أن تدخل حيز التنفيذ في الأسابيع القادمة وجندت لها ما لا يقل عن 825 مليار دولار لمواجهة الأزمة الراهنة التي قال عنها الرئيس الأمريكي المنصب رسميا الثلاثاء الماضي بأنها لم يسبق لها مثيل متوقعا لها أن تستمر لسنوات أكثر مما أعلن عنه في السابق. أموال طائلة تريد الإدارة الأمريكية الحالية ضخها في الدائرة الإقتصادية بغية تحفيز الإقتصاد الأمريكي الذي تعاني أهم قطاعاته من وضعية حرجة للغاية قد تجر الإقتصاد نحو حالة من الركود على غرار دول متقدمة أخرى ولذا يحاول أوباما مسابقة الزمن وتجنب الكارثة الحقيقية في أوقات يقول عنها أنها صعبة وستزداد سواء قبل أن تبرز أولى مؤشرات الإنعاش المنتظر. ومن جهة أخرى، فإن الارتفاع النسبي في أسعار الخام الأمريكي وخاصة في وقود التدفئة يعود إلى موجة البرد التي تجتاح أجزاء واسعة من القارة الأمريكية، مما يفسر زيادة الطلب على هذا النوع من الوقود. أسعار النفط انتعشت الى حد ما، لكنها لا تزال بعيدة جدا على المستوى المتفق عليه بين دول الأوبيك وهو ما بين 70 و 80 دولارا للبرميل، مما يعني أن جهود المنظمة ستتواصل من أجل العمل على رفع الأسعار التي يتوقع لها الكثير من المحللين عدم تجاوزها مستوى معين قد يصل إلى 55 دولارا للبرميل وذلك في المتوسط خلال السنة الجارية.. ولذا تبقى جهود المنظمة تنحصر في عدم إنهيار الأسعار إلى مستويات متدنية خلال السداسي الأول من العام الجاري، من خلال اقرار تخفيضات أخرى وفق معطيات الأسواق النفطية في المرحلة القادمة. ------------------------------------------------------------------------