بعد إرتفاع قياسي لم تشهده منذ أكثر من 15 شهرا ببلوغها مستوى تجاوز 83 دولارا للبرميل قبل أيام قلائل، شهدت أسعار النفط تراجعا طفيفا خلال اليومين الماضيين مقتربة من 82 دولارا في أسواق النفط العالمية، بسبب تشديد السياسة النقدية في الصين وما قد يترتب عنها من إثارة مخاوف بشأن الطلب على النفط في دولة أصبحت تحتل المرتبة الثانية من حيث استهلاك النفط على المستوى العالمي، وكذا صعود الدولار الأمريكي. لليوم الثاني على التوالي، تراجعت أسعار النفط للعقود العاجلة في التعاملات الآسيوية، أمس الجمعة، إلى ما دون 82 دولارا للبرميل، عاكسة بذلك زيادة المخاوف من تشديد السياسة النقدية في الصين، في انتظار ما تسفر عنه بيانات أخرى حول حجم الوظائف في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتوقع الطلب على الخام الذي يترجم التوقعات بشأن نمو الإقتصاد العالمي عموما. ومن جهته، عرف الخام الأمريكي الخفيف للعقود الذي سيتم تسليمه في الشهر القادم تراجعات متتالية 70,82 إلى 66,82 إلى 33,82 دولارا للبرميل في سوق نيويورك التجارية في بداية تعاملات الصباح، كما هبط الخام المرجعي لبحر الشمال، البرنت إلى 43,81 دولارا للبرميل، بينما أعلنت أوبيك عن ارتفاع طفيف في سعر سلة خامات المنظمة قبل يومين ليصل إلى حدود 64,79 دولارا للبرميل بالنسبة لسعر الخامات ال 12 المشكلة لمدة السلة. وكانت أسعار النفط قد عرفت اتجاها تصاعديا قويا منذ مطلع العام الجاري، أي قبل أسبوع، بعد تسجيل موجة برد شديدة شملت مناطق عديدة من العالم، ولا سيما في أمريكا أول مستهلك عالمي للنفط عززته بعض العوامل الأخرى مثل تراجع المخزون الأمريكي من النفط وبروز مؤشرات محفزة لاحتمال حدوث انتعاش نسبي في الإقتصاد العالمي، فضلا عن تراجع قيمة الدولار. وعلى الرغم من التذبذب الذي تشهده أسعار النفط خلال الجلسات المتتالية وخاصة الأخيرة منها والمتميزة بالمنحى التنازلي النسبي، إلا أن ذات الأسعار لا تزال تعد في مستوى مرتفع نسبيا لم يسجل منذ أكتوبر من سنة ,2008 مما قد يعزز إلى حد ما، طروحات بعض التوقعات التي تتحدث عن إمكانية حدوث استقرار لأسعار النفط، مثلما أشارت إليه منظمة أوبيك في تقريرها الشهري الأخير الذي صدر في نهاية السنة الماضية، وأكدته مؤخرا. وحسب أوبيك، فإنه من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في السنة الحالية بمقدار 820 ألف ب/ي ليصل إلى 13,85 مليون ب/ي مقابل 31,84 مليون ب/ي، وتأتي الزيادة في الطلب من الصين ب 5,4٪ والتي يتوقع أن تكون أول دولة تنفلت من حالة الركود الإقتصادي، ثم أمريكا بنسبة زيادة على الطلب ب 99,0٪ ومنطقة الشرق الأوسط على العموم ب 34,3٪. وإن كانت زيادة الطلب على النفط تبقى ضعيفة في النصف الأول من السنة الجارية، إلا أنه ينتظر أن يتحسن الوضع في المنتصف الثاني منه، وتوقعت المنظمة أن يرتفع الطلب على نفطها بحوالي 30 ألف ب/ي فقط ليبلغ 6,28 مليون ب/ي، كما توقعت أن تشهد أسعار النفط استقرارا ملحوظا في أسواق النفط العالمية على الرغم من احتمال حدوث تقلبات إقتصادية واستمرار تسجيل فائض في الاحتياطي النفطي الاستراتيجي لأهم الدول المستهلكة للخام، يصل إلى 59 يوما من الطلب وبزيادة تفوق 7 أيام من الطلب على المعدل المستهدف والمقدر ب52 يوما من الطلب. وتعتبر أوبيك أن العام الذي مضى يعد الأسوأ من حيث الطلب على النفط، وتأمل في أن تواصل جهودها من أجل امتصاص الفائض الموجود في الأسواق النفطية من خلال التأكيد على ضرورة التزام أعضائها بحصص إنتاجها وعدم التمادي في طرح المزيد من النفط، مثلما تفعله بعض الدول الأعضاء حتى تبقى الأسعار في حدود 70 إلى 80 دولارا، كما تتوقعه لسنة ,2010 وهو ذات التصريح الذي أكد عليه الرئيس الحالي للمنظمة، وزير النفظ الاكواتوري، حين صرح بأنه لا وجود لأي مبرر لرفع معدلات الإنتاج في ضوء موجة البرد الشديد التي تجتاح أجزاء من العالم. وكانت أوبيك التي تغطي 40٪ من الطلب العالمي على النفط، قد قررت في إجتماعها الأخير بأنغولا في 22 ديسمبر الماضي الإبقاء على سقف إنتاجها المقدر ب 8,24 مليون ب/ي بعد أن سجلت عوامل السوق والبعض منها المحدد للطلب والعرض مستقر إلى حد ما. وتزامن هذا القرار مع بداية تأكيد بروز بعض مؤشرات عودة النمو إلى أهم الإقتصاديات المتطورة التي دخلت دائرة الركود بفعل تداعيات الأزمة المالية العالمية التي طفت إلى السطح في صائفة عام .2008 هذه المؤشرات الإيجابية ساهمت في دعم توقع ارتفاع الطلب على النفط وبالتالي انتعاش الأسعار مجددا قبل أن تتراجع منذ الخميس الماضي.