أكد مؤرخون ومجاهدون بالجزائر العاصمة، أمس، أن مؤتمر باندونغ، الذي انعقد في أندونيسيا سنة 1955، شكل أول انتصار دبلوماسي دولي للجزائر في مواجهة العنجهية الاستعمارية الفرنسية، إذ أعطى دفعا لتدويل القضية الجزائرية والتعريف بها أكثر على مستوى المنظمات الدولية على رأسها منظمة الأممالمتحدة. وقال الباحث في التاريخ عامر رخيلة، خلال مداخلته في منتدى «الذاكرة»، الذي تنظمه جمعية مشعل الشهيد بالشراكة معجريدة المجاهد، بمناسبة إحياء الذكرى ال60 لانعقاد مؤتمر باندونغ في الفترة ما بين 18 و24 أبريل 1955، إن المؤتمر كان «أول نافذة تدخل من خلالها القضية الجزائرية المحافل الدولية، مكنت دبلوماسية جبهة التحرير من تحقيق أول انتصار دولي لها». وذكر رخيلة، أن قرارات المؤتمر «أدانت صراحة الاستعمار والعنصرية ودعت إلى التعاون الإيجابي والمكثف بين البلدان النامية والنضال من أجل تمكين الشعوب من حقها في تقرير مصيرها». وقد فتح هذا الموقف، كما أضاف، المجال واسعا لممثلي جبهة التحرير الوطني لتكثيف جهودهم على المستويين الحكومي والشعبي في إفريقيا وآسيا لتدويل القضية الجزائرية، على رأسهم بعثة الجبهة بالقاهرة آنذاك وهم «أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد ومحمد خيضر مدعومين بامحمد يزيد القادم من اتحادية فرنسا إلى القاهرة». وبعد مرور ثلاثة أشهر على انعقاد المؤتمر، وفي 29 جويلية 1955، تقدمت 14 دولة مشاركة في هذا المؤتمر من أصل 29، برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالبه من خلالها إدراج القضية الجزائرية في الدورة العاشرة للجمعية العامة المنعقدة في سبتمبر 1955. وقال نفس المؤرخ، إنه بعد الحملة الدبلوماسية «الشعواء» التي شنّتها السلطات الفرنسية على هذا الطلب الدولي، تم تأجيل طرح القضية الجزائرية على الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى غاية الدورة ال11 المنعقدة سنة 1956. وذكر المؤرخ في هذا الإطار، أنه خلال الاجتماع التحضيري لمؤتمر باندونغ في ديسمبر 1954 والذي جمع رؤساء الدول الخمس لكل من الهندوأندونيسيا وبرمانيا وسيريلانكا وباكستان، تم الاتفاق على عقد مؤتمر باندونغ ب «مشاركة الجزائر ضمن الوفد المغاربي الذي يضم ممثلين من تونس والمغرب». كما أشار إلى أن منظمي هذا المؤتمر قد وجدوا «صعوبة من الناحية الإجرائية» في تحديد صفة جبهة التحرير الوطني كعضو كامل في المؤتمر، كونها لم تكن تتمتع بصفة الدولة، لاسيما وأن المؤتمر كان مخصّصا لدول مستقلة من إفريقيا وآسيا. وهكذا تمكن وفد جبهة التحرير الوطني من المشاركة في المؤتمر الذي ضم حوالي 600 مندوب من 29 دولة. وكانت هذه الوفود تمثل الهند وباكستان وسيريلانكا وبرمانيا وأندونسيا وأفغانستان وإيران والفلبين وتركيا وتايلاندا والعربية السعودية والعراق والأردن ولبنان وسوريا واليمن ومصر والسودان وليبيا وليبيريا وإثيوبيا وغانا وكمبوديا والصين واليابان ولاووس والنيبال والفيتنام. أما الملاحظون فتمثلت وفودهم في بلدان المغرب العربي الثلاث وقبرص ومفتي فلسطين. من جهته، أوضح المجاهد والدبلوماسي السيد صالح بلقبي، أن مؤتمر باندونغ كان بمثابة «أول لبنة» للانتصارات التي حققتها الدبلوماسية الجزائرية على المستوى الدولي، حيث تأكد لدى المقاومة الجزائرية بعد الحرب العالمية الأولى أن «الكفاح المسلح لوحده لا يكفي لتحقيق التحرر، فلابد من تعبئة السلاح السياسي من خلال تشكيلة سياسية مهيكلة ومنظمة». وثمّن في هذا الإطار، الجهود التي بذلت من قبل ممثلي جبهة التحرير الوطني في المؤتمر وهما المجاهدان حسين أيت أحمد وامحمد يزيد اللذان ما فتئا، بفضل حنكتهما السياسية، رغم صغر سنهما، يذكّران الدول الأفرو - آسيوية المشاركة في المؤتمر بواجب تدويل القضية الجزائرية أمام الأممالمتحدة. وذكر بلقبي في هذا الإطار، أن مؤتمر باندونغ أصدر قرارا ينص على «حق شعوب الجزائر والمغرب وتونس في تقرير المصير والاستقلال»، مع دعوة الحكومة الفرنسية لوضع تسوية سلمية لهذا الموضوع. وبحسب بلقبي، فقد كان هذا القرار بمثابة فتح أبواب المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأممالمتحدة أمام القضية الجزائرية. وأضاف المحاضر، أن مؤتمر باندونغ وما انبثق عنه من قرارات، يعد «مؤتمرا تأسيسيا» لمجموعة الدول الأفر- آسيوية وهي المجموعة، كما يقول، التي كرست التعاون بين القارتين والعمل المشترك لتحرير البلدان الإفريقية والآسيوية. أما القائم بأعمال سفارة أندونيسيابالجزائر، سويديانتو سوماردي، فقد أكد أن المؤتمر مكّن من إصدار «موقف قوي» حول قضية تصفية الاستعمار وهي القيم المشتركة للدول الآفرو- أسيوية، مضيفا أنه بعد المؤتمر ظهرت حركة عدم الانحياز التي لازالت هي الأخرى تحارب قضية تصفية الاستعمار. وذكر سوماردي، أن المؤتمر يعد حقا مؤتمرا تأسيسيا لمجموعة الدول الأفرو- آسيوية وهي المجموعة التي كرست التعاون بين القارتين والعمل المشترك لتحرير البلدان الأفريقية والأسيوية التي كانت وماتزال خاضعة للاستعمار، مبرزا في السياق أن بلاده «ساندت آنذاك الدول التي تكافح لنيل الاستقلال وعلى رأسها الجزائر وتسعى، إلى اليوم، إلى تقوية أواصر العلاقات معها».