دخلت «الشعب» مركز لجمعية «النساء في شدة» لتسليط الضوء على واقع المرأة المطرودة من بيت الزوجية... فكانت لنا هذه الشهادات التي تعكس الحالة المأساوية التي عاشتها هذه الفئة من النساء وتحتاج إلى التفاتة وعناية دون تركها وحدها تغرق في اليأس. كانت أول امرأة إلتقيناها في مركز الإيواء والاستماع سيدة في عقدها السادس، «س.ن» تجاعيد وجهها تحكي قصة امرأة غدرها الزمن واخذ منها كل ما تحلم به امرأة الأبناء والبيت الذي أرادته لسنوات طويلة أن يكون العش الذي تعيش فيه العائلة داخله وسط حب وود يكون الزوج والزوجة مصدرهما بكل طواعية ...... قاومت الخالة ولم تشأ الحديث مع «الشعب» لأنها لم تصدق حتى الآن ما حدث لها وكيف انقلبت حياتها رأسا على عقب،.....إصرارنا وتأكيدنا لها بأننا لا نريد المتاجرة بقصتها زرع الطمأنينة والسكينة داخلها ومنحها القوة لتفتح كتاب حياتها وتخبرنا بمأساتها من بدايتها..... ....عتبة الشيطان عشت لسنوات طويلة مع زوج كنت أراه شريك الحياة الذي تمنيت ادفن معه في قبر واحد ...أحببته إلى درجة أنني دعوت الله تعالى أن يجعله رفيقي في الحياة الدنيا و الآخرة، و لكن مع مرور الوقت اكتشفت أني مجرد وسيلة لبلوغ طموحاته الأنانية ولاشيء غير ذلك.... رزقت بأربعة أبناء ثلاثة أولاد وبنت واحدة ...كانوا بالنسبة لي سببا إضافيا لتزيد الرابطة التي تجمعني وزوجي متانة وقوة ...وبالفعل قرر زوجي أن نبني منزلا اكبر يكون محاطا بحديقة صغيرة لتكون سعادتنا اكبر، وهكذا بدأت أشغال البناء وكنت معه في كل خطوة يقوم بها ...ساعدته في البناء والتنظيف وفي خلط المواد ...بعت مجوهراتي لتأمين المبلغ الكافي لإنهاء المنزل في أسرع مدة ممكنة، ولم تمر سوى سنة ونصف حتى أصبح المنزل جاهزا وبالفعل انتقلنا إليه وبعنا الشقة لنستطيع تأثيثه ،...كانت جدرانه تحكي في كل تفصيل فيها قصة عائلة مترابطة ومتلاحمة،...حلمت أن اجتمع في الحديقة يوم زفاف أبنائي للاحتفال بالمناسبة السعيدة،....تمنيت أن تمر السنوات بسرعة لتصبح ابنتي عروسا وتذهب إلى بيت زوجها من هذا المنزل الذي كان خلاصة الصفاء الذي جمعني وزوجي ....ولكن هيهات أن تكون الحياة بهذه السهولة واليسر.... كل تلك الأحلام والأمنيات ذهبت هباء منثورا لأنني وبمجرد دخوله بدأت مرحلة جديدة في حياتي ونزعت الأيام عن وجهها قناعها المبتسم وكشرت عن أنيابها لتنازعني في كل ما أحب....، فبعد مرور أسابيع قليلة طفت على السطح مشاكل لم اعرفها من قبل وأصبح زوجي يغضب لأتفه الأسباب و مع تفاقمها تحول إلى رجل آخر لا اعرفه....رجل يحمل في قلبه غلاًّ و حقداً وكرهاً كبيراً لي وليست الزوجة التي ساندته في أحلك الأيام التي مر بها من قبل..... ظهر إلى الوجود رجل يستعمل كل الطرق الممكنة لطردي وإخراجي عنوة من المنزل صفعني ، لكمني، ركلني، أهانني، أذلني وعزلني عن الأسرة والأصدقاء، ولكن رغم محاولاته لم ارضخ ولم اضعف ورفضت الخروج من البيت الذي طالما رأيته حلمي الذي تحقق على ارض الواقع،....إصراري جعل زوجي يتوجه إلى قطع كل ما يربطني به وطلقني بكلمة لم اعتقد يوما أنني سأمعها منه بعد تعرضي لعنف الجسدي ولفظي مارسه زوجي علي ....ولكن بقيت مصرة على بقائي داخله، ما اضطره إلى اللجوء إلى الشرطة لإخراجي وطردي من المنزل،....، وبالفعل رميت كالكلاب المتشردة إلى الشارع ومعي ابنتي التي رفض والدها بقاءها معه، أصابني الذهول عندما فرّط في عرضه وفلذة كبده ...ولكن عندما علمت بزواجه فهمت كل شيء وكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب... لم اصدق كل تلك الأحداث التي حولت حياتي الوردية إلى ظلام دامس...وجدت نفسي بعد سنوات طويلة من التضحية في الشارع اقرع الأبواب علني أجدا من يساعدني و لكن الكل تخلى عني ووقف إلى صف طليقي لأنه وبكل بساطة هو رجل وأنا امرأة ....هذا الوضع أجبرني على اللجوء إلى مركز الإيواء الذي فتحته جمعية «نساء في شدة « للنساء المعنّفات .... أتذكر أيامي الأولى داخلة كنت أغلق على نفسي باب غرفتي وأجهش بالبكاء لساعات وساعات لأنني لم استطع تجاوز خيانة زوجي و خداعه لي، فطوال ما يفوق الخمس وعشرون سنة عشت في كذبة كبيرة اسمها عائلة محبة.....لا استطيع إنكار المجهودات التي بذلتها الجمعية من اجل إعادة الحياة إلى جسدي الذي فقد رغبته في مواصلة طريقه التي رسمت له، بل أكثر من ذلك تكفلوا بي وبإبنتي التي تخرجت من الجامعة، وزفت إلى بيت زوجها في حفل كبير عوضها غياب أب مات قلبه وإخوة غسلت أدمغتهم واقتنعوا أن بقائي هنا عار وفضيحة لهم... تركناها في غرفتها لنتوجه إلى امرأة ثانية «ع.ف» كانت هي الأخرى ضحية عنف جسدي ومعنوي كبيرين وصلا إلى حد الإجرام، ولكن فاعله لم يكن الزوج بل عائلته التي رفضت ارتباطه بها رغم انه زواج تقليدي و لم يعرفا بعضهما من قبل... روح الملح...لانتزاع حبها من قلب زوجها هي سيدة شديدة السمرة ، نحيلة الجسم تجاوز سنها العقد الرابع ، لجأت إلى المركز بعد معاناة كبيرة أوصلتها إلى حد الجنون....، انتقلت من أقصى الغرب الجزائري إلى العاصمة من اجل الإبقاء على ما تبقى من الإنسان الذي يسكن داخلها..... لن نحدد لها اسما أو صورة لأنها رغم كل ما لاقته من المحيط الذي عاشت فيه لا تريد إلحاق الأذى بهم ولا العار لأن المرأة في مجتمعنا عليها أن تصبر حتى وان كانت حياتها في خطر...ولكن في السطور التالية سنسرد لكم قصتها مع الزمن لعلها تكون عبرة لمن لا يعتبر ولعلها ستكون سببا في تغير ذهنيات بالية لمجتمع لا يرحم.... بدأت حكايتها بعرس كبير زفت فيه العروس الجميلة وهي لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها إلى زوجها الذي كان يكبرها بسنة واحدة فقط، وجد الشابان في حياتهما السعادة التي طالما حلم بها الأزواج وأصبح بينهما تناغم كامل خلق قصة حب كبيرة بينهما، ولأنهما كانا يعيشان مع العائلة الكبيرة كانت عيون حماتها تنظر إليها من بعيد، تراقب تصرفاتها وتتفحص سر الود والتقارب بين ابنها وزوجته ....وبعد شهور ظهر إلى العيان غيرتها الشديدة من العروس الصغيرة لأنها شعرت وكأنها تسرق منها ابنها لتصنع منه لعبتها المفضلة، اختلطت عليها الأمور ولم تفرق بين مكانتها كأم ومكانة العروس كزوجة لابنها، وهكذا انطلقت في مخططها لتحطيمها بمساعدة بناتها الأربعة ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل لأن علاقة الزوجين كانت قوية وغير قابلة للكسر، لذلك فكرت في طريقة أخرى تحتفظ بها بابنها دون أن تتورط وتكون السبب وراء انفصاله عمن يحب... وبالفعل جسدت ما فكرت فيه وجعلت الأمور تبدو مع مرور الأيام على أنها حالة مرضية فقد اتفقت مع بناتها على لعب ادوار شخصيات تراها العروس فقط وعندما يعود زوجها تخبره بالميت المكفن الذي رأته في قاعة الجلوس، أو عن الحقيبة التي وضعتها فوق الطاولة ولم تجدها تنفي حماتها وبناتها كل ذلك بل أكثر من ذلك عندما يتفقد زوجها ما أخبرته عنه يجد كل شيئ في مكانه، لذلك ومع مرور الوقت شكّ في أنها مصابه بانهيار عصبي، حيث دخلت مستشفى الأمراض العقلية وتلقت علاجا لشهور طويلة، وبعد شفائها عادت إلى منزل الزوجية لترعى عائلتها الصغيرة ولكن.... لم ترضى حماتها وواصلت ما بدأته وبذلك استطاعت أن تقنع ابنها بإعادتها إلى أهلها لفترة ربما تستطيع فيها تجاوز الأزمة النفسية التي تعانيها..... صمت لدقائق قليلة ....، ذرفت فيها عيناها دموعا لم تستطع غسل الألم الذي تشعر به في داخلها رغم أنها تسيل لأكثر من عقدين كاملين،....تنهدت وواصلت حديثها إلى «الشعب» و قالت إن حماتها اعتقدت أن ذهابها إلى أهلها سيجعل مهمة إقناع زوجها بتطليقها والزواج من أخرى أمر سهل ولكن هيهات فقد زاد تمسكه بها، خاصة وان ابنتهما كانت ثمرة الحب الذي جمعهما رغم كل المشاكل التي وقفت في حياتهما، وبالفعل جاءت «الجماعة» لتعيد الزوجة إلى بيت زوجها معززة مكرمة ...لم تدري أن القدر يخبئ لها مكيدة خططت لها أم إسوّد قلبها وامتلئ شرا وكراهية....وكان زفاف أخت الزوج الوقت المناسب لتنفيذها..... في اليوم الموعود قامت العروس كباقي أفراد الأسرة بكل الأعمال المنزلية التي تكون شاقة في مناسبة كتلك، وفي نهاية اليوم وكما تعودت دائما ذهبت إلى المطبخ من اجل إحضار كأس ماء تضعه أمامها في غرفة نومها ولكن في تلك اللحظة بالذات نادتها شقيقة زوجها لمساعدتها في أمر ما، فعلت ما طلب منها وعادت لتمسك بكأس الماء ذهبت إلى غرفة نومها لترتاح، ولكن وبعد دقائق قليلة سمعت صرخاتها الحادة والمتألمة ....هرع كل شخص موجود في المنزل إليها ...وجدوها تتخبط أرضا وكأنها شاة ذبحت يوم عيد...سألوها ما بها ...حاولوا إيقافها ولكن دون جدوى ....ظنوا أن الأزمة عادت إليها....حاولوا تهدئتها ولكن فشلت محاولاتهم ....حملها زوجها إلى اقرب مستشفى ليعطيها الأطباء مهدئا يرجعها الى صوابها ....ولكن المفاجأة كانت كبيرة لأن صراخها كان سببه شربها لمادة روح الملح أو «الاسيد» ....هناك من حاول قتلها بهذه المادة الخطيرة ...المادة التي يستعملها المجرومون في أفلام الرعب لمحو آثار جرائمهم ... و لكن وحتى لا يأخذ تحقيق الشرطة منحى كارثيا أكد جميع المحيطين أنها مجنونة وما زاد اقتناع الشرطة بذلك هو تطليق الزوج لها لأنه لا يستطيع توريط أخته وأمه في جريمة عقوبتها السجن،....خرجت من حياته بكلمة رمت بها إلى الشارع فحتى أهلها لا يريدونها لأنها جلبت لهم العار والفضيحة،... ركبت القطار المتوجه إلى العاصمة وسألت عن مركز الإيواء لتبقى فيه منذ تلك الحادثة وإلى يومنا هذا هي تقيم فيه ولكنها استطاعت العمل في الخياطة من اجل توفير بعض المال ومن اجل الخروج من الحالة النفسية التي تعانيها....وإلى يومنا ما زالت تحن إلى أيام عاشت فيها سعيدة وتشتاق في كل وقت إلى ابنتها التي تعيش عند خالتها لأنها من كسبت معركة الحضانة على مستوى القضاء، والى زوجها الذي تزوج بأخرى ولكنه لم يستطع الإنجاب من غيرها.——