تحلّ غدا الذّكرى ال 58 لأحداث ساقية سيدي يوسف، وهي أحداث وقعت في 8 فبراير 1958 بالحدود الجزائرية التونسية، كرد فعل من الاستعمار الفرنسي للدعم التونسي للثورة الجزائرية، حيث سقط فيها العديد من الشهداء الجزائريين والتونسيّين، والساقية شاهدة عبر التاريخ على أنّ الحواجز والحدود لم تفصل يوما بين الشعبين المتجاورين تونس والجزائر، ومرة أخرى يعري التاريخ إحدى جرائم الاستعمار الفرنسي ضد شعبنا، فكل شهر يحلّ علينا وإلاّ ونستذكر فيه محطة تاريخية أليمة وجريمة ضد الإنسانية قامت بها الإدارة الاستعمارية باسم محاربة ما أسمتهم «الفلاقة»، متناسية أنّها احتلت أرض أجدادهم في 1830 وصادرت ممتلكاتهم، وأن من انتفضوا ضدها هم أبناء هؤلاء الرجال الشرفاء لاسترجاع أرضهم. تقع ساقية سيدي يوسف على الحدود الجزائرية التونسية على الطريق المؤدّي، من مدينة سوق أهراس بالجزائر إلى مدينة الكاف بتونس، وهي قريبة جدًا من مدينة لحدادة الجزائرية التابعة إداريا لولاية سوق أهراس، وبذلك شكلت منطقة استراتيجية لوحدات جيش التحرير الوطني المتواجدة على الحدود الشرقية في استخدامها كقاعدة خلفية للعلاج واستقبال المعطوبين، ما جعل فرنسا تلجأ إلى أسلوب العقاب الجماعي وذلك بضرب القرية الحدودية الصغيرة. وحسب الوثائق التاريخية، فإنّ القصف سبقه عدّة تحرّشات فرنسية على القرية لكونها نقطة استقبال لجرحى ومعطوبي الثورة التحريرية، وكان أوّل تحرّش سنة 1957، إذ تعرّضت الساقية يومي 1 و2 أكتوبر إلى اعتداء فرنسي بعد أن أصدرت فرنسا قرارا يقضي بملاحقة الثوار الجزائريين، داخل التراب التونسي بتاريخ أول سبتمبر 1957، ثم تعرضت الساقية إلى اعتداء ثاني في 30 جانفي 1958 بعد تعرّض طائرة فرنسية لنيران جيش التحرير الوطني الجزائري ليختم التحرشات بالغارة الوحشية يوم 08 فيفري 1958، بعد يوم واحد من زيارة روبر لاكوست للشرق الجزائري. وكان يوم السبت 8 فيفري 1958 هو يوم سوق أسبوعية بقرية ساقية سيدي يوسف، ولم يكن المستعمر الفرنسي يجهل ذلك عندما اختار هذا اليوم بالذات للقيام بعدوانه الغاشم على هذه القرية الآمنة، وقد صادف ذلك اليوم حضور عدد هام من اللاجئين الجزائريين الذين جاؤوا لتسلم بعض المساعدات من الهلال الأحمر التونسي والصليب الأحمر الدولي، وقد كانت مفاجأة كل هؤلاء المدنيين العزل كبيرة عندما داهمت القرية حوالي الساعة الحادية عشرة أسراب من الطائرات القاذفة والمطاردة وراحت تدكها دكا. واستهدف القصف دار المندوبية (المعتمدية) والمدرسة الابتدائية، وغيرها من المباني الحكومية ومئات المنازل فيما كانت المطاردات تلاحق المدنيين العزل الفارين بأرواحهم بعيدا عن القرية، حيث تواصل القصف باستمرار نحو ساعة من الزمن ممّا حول القرية إلى خراب، وقد بلغ عدد القتلى حسب مصادر فرنسية 68، منهم 12 طفلا أغلبهم من تلامذة المدرسة الابتدائية و9 نساء وعون من الجمارك، فيما بلغ عدد الجرحى 87 جريحا. أما الخسائر المادية فتمثّلت في تحطيم خمس سيارات مدنية، منها شاحنات للصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر التونسي، وتحطيم المباني العمومية وهي دار المندوبية، مركز الحرس الوطني، مركز الجمارك، إدارة البريد، المدرسة الابتدائية، إدارة الغابات وإدارة المنجم، مع تحطيم 43 دكانا و97 مسكنا وقد كان مندوب الصليب الأحمر (هوفمان) متواجدا بساقية سيدي يوسف أثناء القصف، فقد وصل ومعاونوه حوالي الساعة العاشرة قصد توزيع الإعانات الغذائية وغيرها على اللاجئين الجزائريين، وقد كان بصدد زيارة مأوى اللاجئين صحبة المعتمد عندما وقع القصف. وصرّح في شهادته أنّ القاذفات الفرنسية التي هاجمت الساقية ودمرتها، وحطّمت أيضا عربات الشحن التابعة للصليب الأحمر وهي أربعة عربات: ثلاثة عربات منها تابعة للصليب الأحمر السويسري وواحدة تابعة للهلال الأحمر التونسي وكلها مشحونة بالملابس المعدة لتوزيعها. وقد ندّدت الصحف في مختلف أرجاء العالم بهذا العدوان الغاشم، فكان حصاد فرنسا من هذه العملية إدانة المجتمع الدولي لهذه الجريمة النكراء، إضافة إلى هذه الجريمة النكراء حاول الاحتلال الفرنسي آنذاك تجنيد قوة عسكرية هائلة، والاستعانة بالحلف الأطلسي وبمرتزقة من دول أخرى (اللفيف الأجنبي)، استعمال كافة الأسلحة بما فيها الأسلحة المحظورة كالنابلم، إنشاء مناطق محرمة في الأرياف الجزائرية، اتباع سياسة القمع والإيقاف الجماعي.