تشكّل الكفاءات إحدى الركائز الحقيقية في الاقتصاديات المتطورة، وتعوّل عليها الاقتصاديات الناشئة في بلوغ سقف أكبر من النمو، حيث تمنح الكفاءات شروط وأدوات اكتساب التحكم في معادلة التنافسية وتحرير الطاقات الإبداعية، وفي ظل تداعيات العولمة يعتبر صايب ميزات مدير البحث في مركز الاقتصاد التطبيقي والتنمية، أن المعركة اليوم قائمة حول مدى قدرة الدول على استقطاب الكفاءات واقتناص الأدمغة، داعيا إلى اهتمام بالغ بالثروة البشرية المبدعة والمتميزة والتي تخلق القيمة المضافة بطرق مبتكرة وذكية وتحسين محيط عملها. لا تزال الموارد البشرية تحتل صدارة اهتمام أي اقتصاد يتطلع لوتيرة تصاعدية وريتم تنموي قوي، وتطرّق صايب ميزات مدير البحث في المركز الوطني للاقتصاد التطبيقي والتنمية إلى تقرير التنمية البشرية العالمي، الذي يعتمد على مؤشرات تقليدية على غرار التربية والصحة والمرأة وكذا مشاركة الشباب الاجتماعية والشغل، والذي اعتمدت الجزائر على مقاييسه في صياغة تقرير تنميتها البشرية، والتي تعد عوامل مهمة، مقترحا في نفس المقام على أهمية إدماج عوامل أخرى ضمن المقاييس العالمية، ذكر منها هجرة الكفاءات خاصة “الأدمغة” الخلاّقة للابتكار. وحذّر في سياق متصل من الاستمرار في تجاهل الشباب حامل الشهادات، وعدم الاستثمار فيهم بالشكل المطلوب، وتركهم عرضة للنزيف والهجرة ومنح الدول الأجنبية فرصة جذبهم إليها مستفيدة من استثمار الجزائر فيهم بعد تعليمهم وتكوينهم العالي. وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة لدى فئة الجامعيين، سجّل مدير البحث بأسف شديد أنّ الجامعة تخرج حملة شهادات لكنهم يصطدمون بواقع سوق شغل لا يستوعبهم، وشروط تصعب من الحصول على موقع يساهمون فيه بتفجير طاقاتهم. ومن الرهانات القائمة والتي ينبغي النجاح في كسبها بشكل تلقائي وضروري التركيز على الاستثمار في الشباب المتخرج من الجامعات والمعاهد، والحذر من نزيف وإهمال الثروة البشرية، لأن فقدان طبيب يعد ضياع فرصة لعلاج المرضى، أما هجرة مهندس فهو يعني تضييع فرصة أخرى لإنشاء مؤسسة تستحدث الثروة وتخلق القيمة المضافة، وتساهم في معركة التنمية الوطنية. ولعل الأرقام المسجلة تعكس مدى تضييع الفرص مع الثروة البشرية، التي لا يمكن تعويضها بالثروات الطبيعية والمادية، فالأفارقة يضيعون سنويا ما لا يقل عن 50 بالمائة من أطبائهم الذين كونوا بالوطن ويهاجرون نحو الخارج، وعلى غرار الجزائر يعتقد مدير البحث ميزات أنها بدورها تخسر أحسن الجراحين والطيارين وكذا المهندسين، الذين لا يمكن تعويضهم على اعتبار أنهم ضمن الاستثمارات الثقيلة التي يعكف الوطن على السهر عليها طيلة عقود من الزمن، ويستحيل أن يتم تعويضهم فيما بعد أي بعد هجرتهم، ومن العوامل التي تدفعهم لترك الوطن حسب مدير البحث ليست مادية كون رواتبهم تعد أحسن ما يتلقاه الجزائريين، بل حمل المحيط المسؤولية ووصفه بغير المحفز، ويقابل كل ذلك استقطاب الدول الأجنبية خاصة المتطورة لمثل هذه الإطارات الكفأة، والتي لها قدرات كبيرة للابتكار والنجاح، بل إنها تعمل المستحيل وتستعمل جميع الطرق لتخطف من تراه قادرا على منحها الإضافة، وهذا ما يعقّد من وضعنا أضاف الخبير ميزات يقول، كون الدول العربية بشكل عام تسجّل أرقاما مخيفة في البطالة، والوقت في المرحلة الحالية جد مناسب من أجل احتواء الشباب المتميز وحامل الشهادات وإدماجه، وتجاوز تضييع فرص استغلال هذه الثروة التي لا تنضب. يذكر أنّ صايب ميزات مدير البحث في مركز الاقتصاد التطبيقي والتنمية سيعرض إصدارا جديدا له حول هجرة الأدمغة في المغرب العربي بعد غد الثلاثاء بمقر مركز البحث ببوزريعة، وينشط ندوة صحفية يستعرض فيها العوامل والمؤشّرات.