بقلم: محمد قروش ربع مليون عالم وباحث وإطار جزائري هجروا الجزائر خلال السنوات الماضية نحو دول أوروبا وكندا وأمريكا.. نعم إنها حقيقة مُرّة كشفت عنها دراسة قام بها باحثون جزائريون بالمركز الوطني للاقتصاد التطبيقي، بيّنت مدى النزيف الحاد الذي تتعرّض له الجزائر كل سنة في أدمغتها التي تصرف عليها الملايير في جامعاتها ومدارسها ليستفيد منها الخارج طازجة وجاهزة دون جهد أوعناء. إنها مأساة حقيقية تضرب الجزائر في الصميم وتجعلها تخسر خيرة قدراتها البشرية والعلمية ذات الكفاءة العالية، حيث تشير الدراسة إلى أن هجرة الأدمغة الجزائرية نحو الخارج فاقت كل التوقّعات خلال السنوات الأخيرة، خاصّة من الأطبّاء وحاملي الشهادات العليا من الدكاترة والأساتذة والباحثين من الرجال والنّساء الذين يجدون مُستقرّا لهم في الخارج. الحقيقة أن هذه الظاهرة الخطيرة ليست وليدة اليوم في الجزائر، لكن تصاعدها في السنوات الأخيرة يبيّن مدى التدهور الاجتماعي والاقتصادي الذي أصبحت تعيشه هذه الفئات، حيث تفتقد إلى أدنى مقوّمات العمل والبحث وسط ظروف اجتماعية قاسية ومتدهورة يعيشها الباحثون والأساتذة وحملة الشهادات العلمية الكبيرة الذين يعانون من البطالة وتدنّي الأجور وانعدام السكن ومحفزات العمل والبحث، وهو ما دفع مئات من حمَلة شهادات الدكتوراه والماجستير إلى تنظيم أنفسهم ضمن تنسيقية للدفاع عن مطالبهم المتمثّلة في التوظيف والترقية وتسهيل البحث، حيث قاموا بتنظيم عدة وقفات احتجاجية أمام الوزارة، وهو ما يدل على أن هناك مخططا مدروسا من أجل تهجير الأدمغة الجزائرية إلى الخارج من أجل استنزاف قدرات البلاد العلمية والتقنية التي صرفت عليها ملايير في التكوين والتأهيل في وقت هي في حاجة ماسة إليها لرميها وتسهيل استغلالها من قِبل الغرب الذي أصبح يستقطب قدرات بلدان العالم الثالث لتدعيم قدراته التكنولوجية والعلمية، مستغلا الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها هذه الفئات في بلدانها، وهو ما يشكّل خسارة كبيرة للجزائر وطاقاتها الثقافية والعلمية، حيث يستوجب حسب الدراسة ضرورة مراجعة الدولة الجزائرية لسياستها اتجاه علمائها وباحثيها وأدمغتها من خلال وضع استراتيجية فعّالة لحماية هؤلاء وتوفير كل ظروف العمل المحفزة للبقاء في وطنهم، مع ربط جسور الاتّصال مع النخبة المهاجرة على أمل إقناعها بالعودة من جديد للعمل في الجزائر، ودون ذلك فإن الجزائر ستتحوّل إلى مصنع لتخريج الكفاءات ليستفيد الغرب منها، لتبقى هي تعيش في دوّامة التخلّف والانحطاط.