تشتهر عاصمة الشرق الجزائري بعاداتها وتقاليدها الضاربة في عمق تاريخها وحضارتها التي لم تندثر مع مرور الزمن، قسنطينةالمدينة التي تحتضن وسط طياتها تاريخ يعج بالعلماء والأبطال والثوار، فبمجرد تجولك بأزقة وشوارع المدينة ما إن تراودك فكرة معايشة الزمن القديم الذي تشكله بقايا المدينة القديمة، هي أطلال العادات والتقاليد التي لا تزال تطبع المدينة الجميلة التي لم يتخل عنها سكانها وتقاليد المدينة العتيقة في استمرارها. هي مدينة تتزين بجمال أصالتها المتأججة من طيبة سكانها، سيرتا اليوم وهي تسترجع مكانتها كعاصمة للشرق وسط نفحات المدينة القديمة المتمثلة في أزقة السويقة، القصبة، رحبة الصوف، سوق العصر، الشارع وسيدي جليس، تتوسطها زوايا وشوارع لا تخلو من المساجد العتيقة وزوايا تعلو منها تراتيل الذكر وآيات القرآن الكريم، وأزقة تتزين بأجود تقاليد المدينة بدءا من رحبة الصوف المكان العتيق الذي يعج بدكاكين قديمة تعرض أقدم الحلويات على غرار حلوى النوقة والمقرقشات، الكوكاوية والصامصة، لتأخذك رائحة القهوة الزكية نحو دكان صغير يعرض أجود حبوب القهوة هذا الدكان الذي قيل أنه من أعتق الدكاكين بالمدينة، حيث لا يزال المواطن القسنطيني ورغم المتغيرات والتطورات الحاصلة إلا أنه يفضل نكهة قهوة السويقة التي علقت بها ذكريات سيرتا العتيقة، فعلى طول دخولك لشوارع قسنطينة تجد نفسك وسط مدينة جل أزقتها قديمة تروي تفاصيل التاريخ والحضارات المتعاقبة هذه المدينة التي لا تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها. ففي الجولة التي قادتنا إلى إحدى أزقة المدينة والتي انطلقت من حي «سيدي جليس» العتيق هذا الذي يشتهر بصنع حلوى الزلابية وحلوى النوقة الشهية هذه التي تصنع بالمكان منذ قدم الزمان وتعتبر سوقا ممولا لكافة التجار المختصين في بيع مثل هذه الحلوى التي تنفرد بها مدينة قسنطينة وصولا إلى رحبة الصوف والقصبة، لتستمر رواية شوارع المدينة التي تصل إلى سوق العصر الذي يعتبر من أقدم أسواق المدينة الذي يوفر كافة المتطلبات للمواطن القسنطيني البسيط، قسنطينة التي أضحت لا تنام باحتضانها لأهم تظاهرة للثقافة العربية لسنة 2015، فانطلاقا من ملامحها الجميلة والمستحدثة تجدها تتلألأ بالأضواء وبقصر الثقافة المميز محمد العيد آل الخليفة وبساحاتها الجديدة التي هيأت لاستقبال الحدث الثقافي، هو التجديد الذي غير من نفسية سكان الصخر العتيق ّأين تحولت من مدينة تنام مبكرا إلى متحف مفتوح على مدار السنة وقبلة للزوار الذي تجدهم يزورونها لاكتشاف ما حدث لها من تغيرات، هي إذن قسنطينة تحت مجهر الثقافة وأضواء التقاليد المتوارثة مدينة جمعت بين الحاضر والماضي، مدينة تستضيف كل أسبوع دولة عربية بكل حضاراتها وثقافاتها وبتنوعها الثقافي صنعت إشعاعا وتمازجا ثقافيا أضفى حركية اقتصادية وثقافية واجتماعية على المدينة التي تعج بالحفلات والسهرات بدءا من القاعة الكبرى «أحمد باي» التي تقدم برنامجا رمضانيا متميزا بحضور ومشاركة ألمع الفنانين الجزائريين على غرار سليم الفرقاني، نادية الجزائرية، فرق عيساوية وغيرها ممن صنعت الفن بالولاية. قسنطينة وأنت في حضرتها المضيافة تحس بجود سكانها وأصالة عاداتها وتقاليدها، فتحس وأنت تتجول وسط لياليها يراودك شعور بأنك تحاور زمن أحمد باي وتعانق ملاية نساء سيدي راشد، وترتشف قهوة «النجمة» الأصيلة بشارع العربي بن مهيدي، أين يتجمع سكان الحي العتيق نسمات الماضي ويتبادلون قصص الحياة، وصولا إلى «القصبة» الشهيرة ببناياتها العتيقة والمتداخلة فيما بينها والتي لا تزال لحد كتابة هذه الأسطر تصارع الزمن، الانهيارات المباغتة تهدد تاريخها وتمسح معالم لن يكررها الزمن، فدار العلامة «عبد الحميد بن باديس» المتواجدة بالقصبة تنهار على مرأى المدينة التي تئن لفقدان مدنها العتيقة وتصرخ لإنقاذها حتى لا تتعرض للطمس والاندثار، ذلك رغم برمجتها لعمليات الترميم إلا أن العمل يمشي بخطى متثاقلة لا تتماشى ووضعية القصبة العتيقة، وهي الوضعية ذاتها للسويقة التي أضحت أطلال بنايات والتي راحت ضحية للتلاعب بتجسيد برنامج التظاهرة والمتمثل في ترميمها وإعادة الإعتبار لمدينة قديمة مصنفة