ترسم الشاعرة “فضيلة عبد الكريم” في منظومتها الشعرية (ماذا علي أن أقول؟) نوعا من المونولوج الداخلي، بين قيمتين “قيمتين” أحداهما (وطن) بمد الإبصار وأخر (رجل) له مكان، ومن القيمتين تزرع لنا أساسيات متناغمة ومتحركة، لتبين (قيمة الطودين) أن صح التعبير، نقول تساهل لديها الطرح من خلال السؤال (ماذا عليا أن أقول؟) وهي جازمة في الإجابة منذ بدايتها أنها بصدد إجراء مقاربة بين شيئين، هي تحركت في ذاتها الصامتة ومجيبة في ذاتها المتكلمة، بعد تفكير عميق، مؤكدة تواجدها الفلسفي بقولها إنا اليوم هنا. جميل عندما يتحرك الواقع في ذاتها مركزة على “إيقونة الفناء” لأنها اليوم “هنا” كما قالت والمستمع يدلف لاحقا أنه بصدد انتظار- مواربة- تعترف من خلالها أن هناك “غد “ بقولها(وغدا) إلى غاية هنا اكتمل الفصلين باستعمال (ظرفي االزمان والمكان) والقائم بالعملية “هي” “هي”، تشبه هذه المضنبة، حكاية اعتراف سارية على ألسن (كثيرة) وفي روايات كثيرة وحتى في الحكي الشعبي(أنا هنا والغدوة ربي يعلم) منطوق شعبي له تناص في الكثير من أبجديات الكلم لدينا، لنترك لها هنا تراتيب الاعتراف، بعد أقرراها أنها بصدد أن تفصح عن شيء هو (الحس) ونحن ندرك أن هذه المعيارية تسكن الشعراء ويتبدلون بها كما يحيون في دواليب إشعارهم من خلالها الحس كطود شامخ منحها موسوعة معارف. ولكن قبل الولوج إلى ذلك يجب تفصيل “كاف المخاطب”، قد يكون المخاطب في البداية أشبه “بكمبارس” لا يتحرك لديها مخافة أن يكون الرجل أكثر من الوطن ولهذا من ذكائها الشاعري جعلت أول معرفة تلقتها هي المعرفة الفلسفية أو التأملية إلى الكون بكل موجوداته مشيرة إلى “معرفة رسم المسافات بين موجوداتها” وهي ترمز إلى البعد وشساعة المساحة التى أصبحت بفعل الإحساس بذلك،”فنا” تعبر من خلاله عن تقدير قيمة ما بينها وبين المتحرك في خيالها (رجل بحجم الوطن)، ثم تعود أدراجها إلى قيمة الحزن باعتباره نيزك يتعلق دوما بالحس، ومادامت أنها حازت على فن قياس المسافات فلقد أبدعت لتوها من جديد في رسم المسافة بين (الجفن وحبات الدموع) وهي تنساب بطبيعة الحال، وعمقت من جديد تواجدها الكائني في ذاكرة الرجل عند قولها (أنا بالأمس كنت هنا) واليوم أنا هنا، فالمكان لم يعد يشكل لها عقدة في السرد لكن هي بصدد الإفصاح عن شيء أخر كان يجب أن تفصح عنه منذ البداية وهو السقوط في بحر العشق، وقد تنامي هذا السقوط ليبحث في مخيالها عن شيء له شبيه فلم تجد إلا الوطن والأرض كشبيه برجلها المقيد مابين المسافات، حتى صار (أرضا ووطنا). في الحقيقة أسلوب الشاعرة، يريد ان يعبر عن شيء الا أنها تريثت ربما بفاعل الحشمة أو أن شيء هنا توقفت عنده فكرتها، ووضعت نهايتها في جمع الأرض والوطن لتصبغ بها “رجلا” علمها معارف جمة، فماذا لا أقول كناقد من زاوية معينة أن الرجل كان معلما قبل أن يكون حبيبا لأن ملفوظات العشق والتوله كانت معدمة أو ربما دفنها” المعلم” إلى وقت معلوم... وبالنسبة للموسيقى الشاعرية كانت جميلة من خلال اختيارها تفعيلة (فعول) في بعض المفردات الواصلة. لدي أشياء كثيرة أريد إخراجها في هذا الزاوية غير المعلنة من قبل الشاعرة، تضيقها مجال التلفظ جعلني أتوقف عند المقاربة لا غير أو ربما سيطرح المستقبل إرهاصاتها من خلال زوايا أخرى أراها متميزة في عرفنا السردي.
ماذا عليّ أن أقول ...؟؟؟ ماذا عليّ أن أقول: أنا اليوم هنا.. وغداً، ربما لن أكون لذلك أقول: حسّك علمني كيف أنظر لهذا الكون وكيف أرسم المسافة بيني وبينك بفنون وكيف يكون الحزن بين الجفن وحبات العيون أنا بالأمس كنت هنا واليوم أنا هنا لذلك أقول: في عشقك أرنو إلى حدّ الجنون لأنك الأرض والوطن وكلاكما عندي ديمومة تأبى السكون. بوسعادة / 03 فيفري 2016 م الشاعرة فضيلة عبد الكريم