هي شاعرة و تصر أن تبقى كذلك الشعر بالنسبة لها فلسفة في الحياة و طريق للبحث في جوهر الوجود لا تؤمن بالشعارات الكبرى و لا بالنضالات الاجتماعية في زمن النساء تصر أن تحتفظ بتفاصيل الانثي بداخلها هي الشاعرة و المترجمة و الإعلامية اللبنانية جمانة حداد الشروق اليومي التقتها في عبورها من الجزائر أين أحيت أمسية شعرية أمس بالمكتبة الوطنية بدعوة من المكتبة الوطنية و الاختلاف تقدمين نفسك كشاعرة اولا و كصحفية ثانيا لكن الاعلام منحك جائزة الصحافة العربية عن حوار " ماريو فارغاس يوسا " و كرسك كقلم في الصحافة الثقافية مقابل هذا ماذا اعطاك الشعر؟ ليست الجوائز هي ما يصنع الانسان سواء كانت اعلامية او شعرية. ماذا اعطاني الشعر ؟ اعطاني ان اكون نفسي و ان اعيش روحي و حياتي كما يحلو لي ان اعيشها من خلال الشعر احاول ان ابحث عن جوهر الحياة و هذا بالنسبة لي اعظم جائزة يمنحها لي الشعر لذلك لا انتظر لا اعلاميا و لا شعريا جوائز مادية ملموسة تمنح لي شيئا لان جائزتي الوحيدة اني اعيش كما اريد ان اعيش وان اقوم بما احب ان اقوم به. رغم ذلك الا تعتقدين انك ولدت ابداعيا محظوظة منذ اول ديوان لك صدر عام 1995 في باريس عندما قدم له واحد من اعمدة الفرانكفونية في لبنان و هو الرئيس السابق شارل حلو؟ لا اعتقد انه يمكن ان نسمي هذا حظا، فعندما يختار شخص مثل الرئيس شارل حلو هو من أعلام الفرنكوفونية ان يقدم شاعرا، فهو لا يفعل ذلك لان هذا الشاعر محظوظ بلب لانه رأى ربما في الشاعر اسما يستحق التقدير او الضوء و كلمة حظ هنا لا اعتقد انها مناسبة تماما لانها توحي بالمصادفات السعيدة، ولا ينطبق الوصف على رأي إنسان مثقف وعارف من طينة الرئيس شارل حلو لكنك تؤكدين دوما انك لم تختاري ان تكوني شاعرة و لكن الشعر هو من جاء اليك ساعيا ؟ نعم الشعر هو الذي جاء الي، لا يمكن ان يقرر الانسان هكذا ان يكون شاعرا متى اراد. الشعر قدر لا احد يختاره اراديا ديوانك "عودة ليليت" اثار بعض الجدل في حدود جرأته التي ظهرت فيه بشكل جلي مقارنة مع دواوينك السابقة ؟ هل تراهنين كثيرا على تحطيم الطابوهات وهل تتفقين معي ان موضوع تحطيم الطابو قد نمط الاقلام النسوية ؟ عودة ليليت ليست اول تجربة لي مع هذا النوع من الكتابة لكنها تجلت بشكل اكبر ربما بعد نضج التجربة الى حد ما فمن يطالع دواويني السابقة يجد ان هناك خيطا يربط القصيدة الاولى بالقصيدة الاخيرة هذا هو عالمي الذي اعيشه بشكل عميق و اريد ان اعبر عنه . غالبا ما يوصف هذا العالم بالجريء و أنا لا أحب كثيرا كلمة جرأة لأنه عندما يكتب رجل باللغة نفسها لا يوصف أبدا بالجريء و يعتبر الأمر طبيعيا لكن عندما تقرر المرأة الكتابة في هذا الاتجاه توصف بالجرأة والشجاعة و تحطيم الطابو. ثم ان الجرأة ليست هي ما يصنع نجاح اي عمل ادبي او فني بقدر ما تصنعه قيمته الشعرية والفنية. السؤال المطروح هو، هل يقدم هذا العمل بفنيات راقية ام فيه فقط جرأة مجانية غايتها لفت الانظار. هذا هو السؤال الجوهري في رأيي نفس الديوان كان قد اثار بعض الجدل فصباح زوين خراط صرحت لدى زيارتها الاخيرة للجزائر انها تعمدت اقصاء اسمك من "انطولوجيا الشعر اللبناني لأنك "غير مجددة غير مختلفة "؟ لا يهمني الخوض في هذا الموضوع لأنه لا يستحق أي تعليق المسرحي جواد الاسدي قام بمسرحة بعض نصوص "عودت ليليت" لانه وجد فيها الاشتغال على فنون تعبيرية اخرى غير الشعر هل تعتقدين ان الشعر قادر ان يحتوى جميع هذه الفنون ؟ نعم اعتقد ان الشعر قادر على التزاوج مع العديد من الفنون الاخرى لذلك حاولت في "عودة ليليت" ان امنح النص جسدا دراميا، وآخر مفتوحا يشبه الهلوسة. في هذا الديوان حاولت التجريب و انا احب اصلا التجريب مع اللغة و عجن القصيدة في اشكال مختلفة و ذلك يولد دوما مفاجات جميلة و هنا اريد ان اشير الى ان هناك موسيقار سويسري من اصل لبناني يشتغل موسيقيا على "عودة ليليت" و هذا شيئ منطقي جدا لان اللحظة الشعرية تسع كل الحياة و في اخر المطاف ان كل الفنون تتواصل و تتداخل وليس بينها حدود مرسومة بدقة لذلك تولد اشياء جميلة عندما تتداخل فيما بينها. 7- برغم ذلك لم يعد الشعر اليوم ديوان العرب ؟ اعتقد ان هذا من سمات العصر كثيرا ما اسمع ان الشعر يحتضر او يموت. و غيرها من المقولات انا شخصيا مؤمنة ان الشعر لن يموت يوما ربما هناك انحسار لحجم القراء لكني اعتقد ان نقطة شعر واحدة قادرة على اضاءة عتمة العالم الذي نعيش فيه الشعر سيبقى هنا و سنبقى دائما بحاجة اليه رغم عملية المد و الجزر في حجم القراء و المهتمين ربما هذا ما يجعلك وفية للشعر في زمن هربت فيه الكثير من الاقلام النسوية خاصة في الخليج نحو الرواية ؟ انا اصر على كتابة الشعر هناك العديد من الذين يطالعون حوارتي او مقالاتي ويقولون لي لديك نفس حكواتي فلماذا لا تكتبين الرواية ربما ساكتب رواية يوما ما لا ادري لكني سابقى شاعرة طوال حياتي هذا شيء اكرره دائما هنا جوهري وهنا اجد نفسي و لن اتخلى عن الشعر فقط لان حجم قرائه انحصر. هذه خيانة بشعة لا يمكن ان ارتكبها ابدا. لا تراهنين على الجوائز لا تراهنين على الانتشار الا تراهنين ايضا على الجمهور ؟ لا يعني هذا انني لا اهتم بالجمهور والقول بعكس ذلك ادعاء. انا اكتب و انشر لكي أقرأ، لكن هذا لا يعني انني اكتب كي اعجب قارئا معينا انا اكتب ما اريد و على القارئ ان يقرر اذا كان ما اكتبه يعنيه او لا و له في ذلك مطلق الحرية و لاني صادقة مع نفسي لا يمكن ان ادعي ان القارئ لا يهمني لكن لا يمكن ايضا ان اتخلى عن الشعر لانه لم يعد مقروءا اكثر هذه عملية حسابية و تجارية لا ترتبط بجوهر الشعر على الاطلاق. ديوانك الاول قدمه رئيس سابق و ديوانك الاخير مسرحه كاتب معروف و قدمه في حفل التوقيع روائي مشهور هل هذه حضوة ابداعية ام ان المبدع الشاب في الوطن لعربي دائما بحاجة الى ابوة الاخر كي يظهر ؟ انا ارى اقتران اسم بآخر سبيلا الى تقديم شيئ ثالث جميل تتحرك فيه التجربة الفنية والادبية، وليس من اجل الاتكاء على الاسماء الكبيرة. شرط ان لا تفرض هذه القراءة النظرة الاحادية وتلغي كل الزوايا الممكنة التي من شانها ان تشرع الابواب نحو المزيد من الاحتمالات بدل غلقها. في "عودة ليليت" تتقابل دائما نموذ المراة الانثي بالمراة النسوية الا تعتقدين ان المراة في النهاية لا يمكنها ان تستغني عن اي من الوجهين و انت التي تقولين . هي ما ينقص الرجل كي لا يندم و ما ينقص المراة كي تكون؟ ليليت لا تطرح نفسها كنوذج انثوي ضد النسوية لكنها تطرح نفسها كنموذج مضاد لحواء و هنا اعني بحواء المراة الضعيفة المقيدة مقابل المراة الحرة و المستقلة التي تصل الى ما تريد من دون ان تخوض حربا ضد الرجل و هنا وجه اختلافها مع النسوية التي تهدف غالبا للاسف الى تكسير الرجل و الاسترجال عليه بالعكس فليليت هي شريكة الرجل و ند له من دون ان تكون خاضعة. تعرف ماذا تريد و كيف تختار. في كتابك اهداء الى سبع نساء يسكنك احداهن شاعرة الاخرى صحفية ماذا عن الباقيات ؟ فكرة النساء السبع تسكنني منذ وقت طويل اشعر انني عشت سبع حيوات مختلفة وان بداخلي سبع نساء يتخاصمن على الدوام ويتصالحن على الدوام لكنهن في النهاية يتكاملن ويشكلن جوهرا واحدا رغم وجود خصائص لكل منهن. احداهن هي الشاعرة فعلا، والثانية هي الام، والثالثة الطفلة، وهكذا دواليك. هذه النماذج ليست مرتبطة بوظائف بل بحالات وبطرق مختلفة للنظر الى الحياة. هن في صدام وتصالح على الدوام، في كر وفر لا ينقطع، وهذا مصدر غنى. بعد 5 مجموعات شعرية ما زلت تصرين على "انك لم ترتكبي ما يكفي من الاخطاء" ما هو حجم الخطا الشعري الذي تحلمين به ؟ هذه الجملة ترتبط اكثر بمعنى وجودي، أي بمعني اخر اردت ان اقول كم لدى كل انسان الحق في ان يخطىء. اما حجم الخطا الشعري الذي احلم بارتكابه فلو كنت قادرة على صوغه وتصوره لحققته وارتكبته على الفور. ولكن استطيع ان اقول انني نهمة بشكل كبير للقراءة والشعر، ولا اعتقد انني قادرة على التوصل الى هذا المطلق الذي ابحث عنه وهذا جيد حتى اظل اركض خلفه على الدوام. لديك انطولوجيا عن الشعراء المنتحرين وتحضرين عملا شعريا عن الشاعرات المنتحرات. كيف عشت اجواء هذا الموت شعريا ؟ في البداية لم تكن المجموعة الشعرية مطروحة كانت "انطولوجيا الشعراء المنتحرين" عملا اردت ان اتخلص به من سطوة ليليت التي امتلكتني، واردت ان احفر في نفق مختلف. كان عملا متعبا نفسا وروحيا فلا يمكن لشاعر حي ان يكتب عن شاعر ميت دون ان تتلبسه اللحظة وتؤثر فيه. ف "انتقمت" بالمجموعة الشعرية من تلك التجربة المؤلمة في كتاب "صحبة لصوص النار" لست ادري لم وجدت حوارك مع باولو كويلو متميزا هل كان متعبا ام وراءه حكاية ما ؟ كل حوار من تلك الحوارات كانت وراءه حكاية رائعة. ربما وجدت حوار كويلو متميزا لانه الاكثر شهرة شعبيا، لكني موجودة في كل حوار من حواراتي، وجميع هؤلاء الكتاب كبار إنسانيا وأدبيا على السواء. يقال ان هناك من الكتاب من نندم بعد لقائهم وآخرين نتمني لو لم نلتقهم قط. هل راودك هذا الشعور وانت تجالسين كتابك ؟ على الاطلاق. اعتبر نفسي محظوظة جدا بلقاء كل هؤلاء الكتاب. ربما لم تكن صورتهم في الواقع تشبه تلك الصورة التي كونتها عنهم، لكنها لم تكن اقل تألقا وتميزا وهجا في النهاية. لك ان تقولي ما تشائين في الختام لقرائك عبر الشروق اليومي ؟ زيارتي للجزائر لحظة انتظرتها وتشوقت لها منذ زمن، وانا سعيدة جدا ان اكتشف هذا البلد الجميل وألتقي بشعبه الشغوف بالأدب والشعر. حوار زهية منصر:[email protected] تصوير علاء بويموت