قلبت ولاية الوادي المعادلة الاقتصادية، وموازين الإنتاج الفلاحي في الجزائر، ففي فترة وجيزة تحوّلت إلى منطقة منتجة لأجود أنواع الخضروات والفواكه المبكرة حققت بها الإكتفاء الذاتي، وباتت تنافس بها منتجات الدول الأوروبية والأسيوية في عقر دارها - وهي التي كانت تتميّز بزراعة النخيل وبعض المزروعات المعاشية لتلبية الحاجيات العائلية فقط - فمن كان يتصوّر نجاح التجربة الزراعية «المذهلة» في منطقة تلفها الكثبان الرملية من كل جهة، وتلفحها حرارة شمس حارقة تتجاوز في فصل الصيف 45 درجة تحت الظل، فقد كانوا يقولون إن «الصحراء قاحلة» و»أرضها غير صالحة للزراعة»، غير أن سكان الوادي أثبتوا خطأ هذه المقولة، وحوّلوا مساحات شاسعة من الأراضي الجرداء إلى واحات تنبض بالحياة والاخضرار يذهلك مظهرها إن رأيتها من الأعلى وأنت على متن بالطائرة، أصبحت اليوم بفضل «إرادة لا تقهر» حاضنة لمختلف أنواع المزروعات من حبوب، بطاطا، طماطم، فلفل، بصل، بسباس، بزلاء، فول، وحتى الزيتون الذي تكيّف مع أرضها ومناخها الجاف وبات يعطي مردودا يضاهي ذلك القادم من الولايات الشمالية المختصة في إنتاجه. في الطريق إلى مدينة الألف قبة وقبة، انطلاقا من الجزائر العاصمة، رحنا نرسم صورا عن الولاية في مخيلتنا احترنا أين نضع اللون الأخضر فيها، فقد سمعنا الكثير عن هذه المنطقة، عن التحدي الذي رفعه أبناؤها واستطاعوا تحقيقه في ظرف زمني قصير بفضل إرادة حولت أراضي قاحلة إلى مروج، وواحات تنبض اخضرارا مثلما بلغ أسماعنا دون أن نراها بالعين المجردة، وهو ما كان يحرك الرغبة فينا لزيارتها للبحث في أسباب «نبوغها» و»تفوقها» على السهل المتيجي الخصب وولايات الشمال التي ظلت تحتل تباعا المراتب الأولى في إنتاج الحبوب والخضروات والفواكه الموسمية وغير الموسمية إلى غاية حدوث «المعجزة»، فمعطيات وأرقام الوزارة الوصية كانت تشير إلى أن قيمة الإنتاج الفلاحي بولاية الوادي بلغت 165.6 مليار دينار في 2014، وهو ما جعلها تحتل المركز الثاني على المستوى الوطني، أما فيما يخصّ النسبة مقارنة مع قيمة الإنتاج الوطني فقدرت ب 6 %، كما سجلت الوادي نتائج مشجعة في العديد من الفروع الفلاحية، جعلتها تحتل المركز الأول من حيث إنتاج البطاطا ب 11 مليون قنطار سنة 2015، و24% من الإنتاج الوطني لهذه المادة يأتي من هذه الولاية. الاستثمار الخاص... يقضي على البطالة الاستثمار في القطاع الفلاحي بولاية الوادي، لم يقتصر على الكهول وكبار السن فقط، مثلما ارتسمت به الصورة لدى الكثيرين في السنوات الماضية، بل انخرط الشباب بقوة في هذا المسعى، وشمّروا على سواعدهم بعد أن كان يفضل الكثير منهم الممارسات التجارية غير المشروعة، حيث أسال التهريب لعاب الكثيرين كون المنطقة تعتبر معبرا حدوديا، مفتوحا على أسواق دول الجوار، وحتى يتخلصوا من المطاردات اليومية لأفراد الأمن والجمارك، قرروا استصلاح مساحات واسعة من الأراضي البور لاستغلالها في إنتاج عدة منتجات زراعية، استحوذت مادة البطاطا على نسبة كبيرة منها. ووجد المستثمرون الشباب يقول «محمد» دليلنا بالمنطقة، الأمن والأمان بين أحضان الأرض، فهم وإن كان البعض منهم لا يملكون لحد الساعة وثائق الملكية، إلا أنهم يعملون في راحة وبعيدا عن المتابعات الأمنية، والمخاطر التي طالما كانت تعترضهم وهم في رحلة التهريب باتجاه دولتي تونس وليبيا. ومنهم من ورث المهنة أبا عن جد على غرار الشاب خليفة دبار مستثمر فلاحي ببلدية الرباح، متخصص في إنتاج اللحوم الحمراء وزراعة البطاطا، حيث بدأ والده الاستثمار سنة 1997 في تربية الأغنام والأبقار والعجول الموجّهة للذبح، وانضم إليه فيما بعد ليوسّع استثماره ليشمل زراعة البطاطا، حيث عمد إلى استصلاح أراضي بور تقع وسط كثبان رملية، وأصبح صاحبا لثلاث مستثمرات فلاحية تشغل 30 عاملا بعد أن بدأ بواحدة، تضم حاليا حوالي 350 رأس بقر و400 رأس خروف، وتنتج آلاف الأطنان سنويا من البطاطا، توجه إلى السوق المحلية، والولايات المجاورة كورقلة، الجزائر، العاصمة، سطيف، سكيكدة، وبجاية. ورغم أن خليفة لم يتحصل بعد على وثائق ملكية المستثمرتين اللتين تولى استصلاحهما، لأسباب ربطها ببيروقراطية الإدارة، حيث لم يتم الرد على طلباته المودعة منذ سنوات، ناهيك عن مشاكل أخرى تتعلق بانعدام الكهرباء الريفية، إذ يضطر إلى استعمال المولدات في حين تمر الكوابل بجانب المستثمرة، وغياب المسالك الفلاحية، إلا أنه رفع تحدي تطوير الإنتاج وتوسيع استثماره في القطاع الفلاحي، خاصة في زراعة البطاطا، التي لقيت نجاحا منقطع النظير، فقد باتت تستقطب اهتمام التجار من خارج الولاية، ووجدت لها أسواقا حتى في الدول الأوروبية والعربية. حبّ الوطن يحركنا لخدمة الأرض والتحرر من التبعية للخارج في طريق العودة من مستثمرة الشاب خليفة دبار، لفت انتباهنا تجمع شاحنات مملوءة بمادة البطاطا، وهي مصطفة على حافة الطريق، قيل لنا إنه سوق الجملة لمنطقة الرباح، يقع في مفترق طرق صغير ويجتمع فيه كل صباح التجار والفلاحين لبيع وشراء مختلف المنتجات الزراعية التي تجود بها أرض المنطقة، لذا قررنا العودة بأدراجنا إلى المكان، فلا يمكن تفويت فرصة لقاء الفلاحين وهم مجتمعين وعنهم كنا نبحث منذ خروجنا من الجزائر العاصمة. لم تمرّ خمس دقائق، حتى تجمع عشرات الفلاحين حولنا، بمجرد أن سمعوا أننا صحافيين..الكل يريد أن يتحدث عن مشاكله، عن همومه مع الزراعة، مع نقص الإمكانيات وقلة الكهرباء وانعدام المسالك الفلاحية، وهي انشغالات طالما رفعها هؤلاء في عدة مناسبات ومن دونها، لكن ما أثار علامات الاستفهام في أذهاننا وطرحناه بصوت مرتفع على ممثل الفلاحين بشير غنية وهو مستثمر في القطاع منذ سنوات، كيف لم تؤثر كل هذه المشاكل التي يتحدثون عنها على الإنتاج الفلاحي؟، وظلّ يتطور سنة بعد سنة، إلى درجة أنه سجل فائضا هذا الموسم في بعض المنتجات على غرار البطاطا؟ ليرد علينا و كله ثقة..»حب الوطن يحركنا لخدمة الأرض والتحرر من التبعية للخارج، مازلنا نتذكر كيف استوردنا بطاطا من دول أجنبية تصلح لكل شيء إلا لأكل الإنسان» واليوم «لاشيء يردعنا، أو يعيدنا للوراء، ماضون في استصلاح الأرض حتى وإن تشققت أيدينا من المعاول، فقط لتأمين غذاء أبنائنا وتحقيق الأمن الغذائي للبلاد»، و»يكفينا فخرا أن منتجاتنا وصلت إلى دول عربية، وآسيوية، وأوروبية». واستطرد قائلا: القطاع الفلاحي ركيزة أساسية للإقتصاد الوطني ولنموه، وبفضله ولاية الوادي لا تعرف البطالة أبدا، حيث فتحت المبادرات الاستثمارية الفردية سواء في تربية المواشي، أو الإنتاج الزراعي- كما قال - مناصب شغل لشباب المنطقة وحتى الولايات المجاورة، ودول الجوار، لكن ينبغي على الوزارة الوصية الاهتمام أكثر بالفلاح، الاستماع إلى انشغالاته، ومساعدته، ومرافقته بإجراءات تزيل عن كاهله عبئ الأسعار المرتفعة للكهرباء، وتشقّ له المسالك ليعرف كي يخرج منتجاته من مستثمرات تحيط بها تلال من الرمال، إلى الأسواق، و»عليها أن تضع دراسة عميقة للقطاع بالولاية، وأن تفرض هيبتها، ونحن علينا احترامها»، لإيجاد حلول للمشاكل الكثيرة التي تتخبط فيها الفلاحة في منطقة صحراوية قاحلة، فإن كان البترول ثروة مهدّدة بالزوال، هي ثروة لا تنضب ولا تنهار، ومردودها يعود للفرد والوطن. بدا الفلاحون مرهقون ومتعبون، ليس من العمل اليومي بين المزارع والأسواق، ولكن من مصير فائض الإنتاج الذي حقّقوه هذا الموسم في مادة البطاطا، أطنان مكدسة، وأخرى ما تزال تحت التربة تنتظر الجني، والموجودة بالأسواق هوت أسعارها إلى 12 دج للكيلوغرام دون أن تجد من يشتريها، وهو ما نشر الخوف في نفوس المنتجين، من عدم تمكنهم من تصريفها لتغطية أجور العمال على الأقل وتسديد الديون التي على عاتقهم يقول المستثمر العيد بن بازي ، الذي طالب بتجارة مفتوحة مع دول الجوار خاصة دول اتحاد المغرب العربي على اعتبار أن المنطقة حدودية وقريبة من تلك الأسواق، للقضاء على مشكل التسويق، وإدخال العملة الصعبة للخزينة العمومية، كما شدّد على ضرورة الاهتمام أكثر بالفلاح حتى «لا يفشل» كما قال، ويضاعف مجهوده لرفع مردود الإنتاج بدل تقليصه. التصدير للأسواق الخارجية رهان يتحقق في تلك الأيام التي كنا فيها في ضيافة مدينة الألف قبة وقبة، صنعت البطاطا الحدث، بعد أن طويت قصة الطماطم التي ألقيت أطنان منها في المزابل دون أن تنسى، وحتى لا تتكرّر «المأساة» مثلما أسماها البعض، ارتفعت أصوات الفلاحين، تستعجل فتح باب تصدير هذا المنتوج إلى الأسواق الخارجية، بعد أن عجزت الداخلية على استيعاب الكمية المنتجة، وفاضت غرف التبريد بالمخزنة، وتجاوبت السلطات العمومية بسرعة مع الطلب، حيث أعطيت تعليمات للتسهيل للمتعاملين الاقتصاديين عمليات تصدير بطاطا الوادي باتجاه الأسواق الدولية. وكان جمال الدين السيد مسير شركة السيد انترناشيونال، أحد المصدرين الذين تولى الاتصال بعدة شركات دولية بعد أن أبانت الحكومة عن نيتها في ترقية الصادرات خارج مجال المحروقات، لتجنيب فلاحي المنطقة خسائر مادية محتملة بسبب كساد منتوج البطاطا، فشرع في البحث عن أسواق جديدة لتصدير فائض المنتوج الموجود، ووضع سياسة تسويقية جديدة في البلاد، وربط من أجل ذلك اتصالات مع مكاتب عالمية من بينها مكتب بريطاني اتصل ببعض الدول للتعريف بالمنتوج الجزائري لأنه يعتبر جديدا على السوق العالمية وقد تكللت بعض الاتصالات بنجاح، حيث اتصلت في البداية الشركة الاسبانية كامفارد تربطها علاقة مع أكبر الشركات التي تتعامل مع المجمعات التجارية الكبرى وقدم لها المنتوج الجزائري الذي نال إعجابها بعد أن أخضعته للتحليل، لتتصل شركتين إسبانيتين أخريتين، وشركة إنجليزية أبدت رغبتها في شراء البطاطا السوفية دون أن تفصل في الطلب بسبب السعر، حيث طلبت التوقيع على عقد مبدئي لتزويدها ب 100 طن من البطاطا شهريا لمدة ستة أشهر، كما اتصلت شركة لبنانية تسوّق الحبوب ومشتقاتها ممثلة في حوالي 30 دولة، ليتم الاتفاق مع الشركة الاسبانية «كامفارد» على تصدير كل المنتجات الزراعية الجزائرية، على أن تكون البداية ب 40 حاوية من البطاطا في الشهر، بمعدل 250 قنطار في اليوم. كما تمّ الاتفاق على تصدير فاكهة الدلاع إلى نفس البلد شهر أفريل الداخل. الاتفاق المبدئي مع الشركة الإسبانية، فرض على المصدر التقرب من الفلاحين لتوفير الطلب، غير أنه اصطدم برفض الفلاحين الاتفاق على سعر البيع، بمجرد أن علموا أن المنتوج سيوجه للأسواق الخارجية، فحسب تفكيرهم سيجني ثروة طائلة لأنه سيبيع بالأورو، وطالبوه بسعر مضاعف غير المتداول بالسوق، وهو ما دفع به إلى تنظيم لقاء تحسيسي مع الفلاحين لشرح عملية التصدير والمراحل التي تمرّ بها، والشروط التي تقيدها، فالمصدر ملتزم بعقود خارجية بأسعار ثابتة، وما يهم في بداية الأمر - مثلما قال - التعريف بالمنتوج الجزائري وإيجاد له اسم ومكانة دائمة بالأسواق الدولية، لضمان استمرارية التصدير حتى لا تتوقف العملية عند هذه الشحنة فقط، فالشركات الأجنبية التي ترغب في المنتوج الجزائري ترفض شراء المنتوج لموسم أو موسمين فقط وتريد عقود طويلة المدى وليست ظرفية، وهذا ما جعلنا نتساءل عن إمكانية مواكبة هذا المسعى، وحاولنا شرحه للفلاحين. وحتى نتجاوز هذه الإشكالية يقول السيد، قررنا اللجوء إلى غرف التبريد، لضمان الكمية المطلوبة، لكن يبقى حلا غير ناجع، مقترحا على السلطات المعنية تسقيف سعر بيع المنتجات الموجهة للأسواق الخارجية، والعمل على ترسيخ ثقافة التصدير وسط الفلاحين خاصة وأن الدولة تريد الخروج من ريع البترول. آلة قلع البطاطا جزائرية الصنع تنافس التركية لم تتوقف مجهودات شباب الوادي، عند توسيع المساحات الزراعية المستصلحة، وطرح أجود الخضروات والفواكه في الأسواق المحلية، الوطنية وحتى الدولية، أو تربية المواشي والإبل بل تعدته إلى المجال الصناعي، حيث عمل أحد أبنائها على اختراع آلة قلع البطاطا جزائرية الصنع 100%، ويتعلّق الأمر بالشاب عبد الناصر دغموم متحصل على شهادة نجارة معدنية من مركز التكوين المهني، التقته «الشعب» بمنطقة الرباح في ورشة متواضعة، عبارة عن أربع جدران من الآجر ودون سقف يقي العاملين بها من حرارة الصيف، وقوة الرياح والزوابع الرملية في الشتاء. وجدنا العاملين وهم أربعة شباب في مقتبل العمر، كل منهمك في عمله يصارع الزمن للانتهاء من صنع آلات جديدة وتلبية بذلك الطلبات المودعة من قبل الفلاحين. عن فكرة الاختراع، قال دغوم أن طبيعة المنطقة المعروفة بزراعة البطاطا، جعلته يفكر في صنع آلة قلع البطاطا بمواد أولوية وقطع غيار محلية 100%، ووضعها تحت تصرف الفلاحين والمستثمرين الذين اشتكوا من رداءة الآلة التركية الصنع إذ تتسبب في قطع حبات البطاطا وإتلافها، كما أن الاختراع جاء ليسد العجز المسجل في اليد العاملة أثناء موسم الجني، وقد أثبتت التجربة نجاح «الآلة السوفية للبطاطا» مثلما تمّ تسميتها، فهي تملك قدرة قلع 1 هكتار من المساحة المزروعة في ظرف ساعة، بينما التركية تقلع نفس المساحة في ظرف 4 ساعات وتتلف المنتوج، وهو ما جعل الطلب يرتفع على الآلة «الجزائرية» خاصة وأن سعرها غير مكلف 300 ألف دينار مقارنة بالآلة التركية التي وصل سعرها إلى 700 ألف دينار. وتمكن الشاب دغوم من تسويق أكثر من 200 آلة لفلاحي المنطقة، لكن ما يرهقه، عمله في ورشة غير مؤمنة، باتت تحدّ من مضاعفة الإنتاج، وتوسيع مشروعه ليشمل صناعة آلات أخرى يحمل تصورات عنها ومخططات ينتظر تجسيدها على أرض الواقع في أقرب الآجال، من بينها آلة النشارة التي تستورد حاليا من تركيا وتباع في الأسواق الجزائرية بسعر 120 مليون سنتيم، في حين يمكن له أن يصنعها بمواد محلية وبنصف السعر، وآلة زرع البطاطا، وحاصدات، وآلة أخرى خاصة بالفول السوداني المحلي، قال يمكن أن تصدر إلى الأسواق الخارجية مستقبلا، فقط «نريد قرض بدون فائدة، وتوفير قطعة أرض لإنجاز مصنع يحول هذا الحلم إلى حقيقة». شجر الزيتون يتكيّف مع التربة الصحراوية ويعطي أجود زيت سرقت أشجار الزيتون التي بدت فروعها شامخة في السماء ببعض المستثمرات الفلاحية أنظارنا، فقد كانت تبدو وكأنها تقول لنا «ها أنا في الصحراء استطعت التأقلم والعيش في مناخ جاف وتربة رملية ونجحت في التحدي» وهي الشجرة التي ارتبط وجودها منذ القديم بمنطقة القبائل حتى أن زيتها أصبح يسمى «زيت قبايل» نسبة لمكان زراعتها. ودخلت شجرة الزيتون إلى ولاية الوادي منذ 15 سنة، مثلما قال لنا نصر شويخ فلاح منتج وصاحب معصرة زيتون ومربي نحل، وساعد تشجيع الدولة عن طريق منح الفسائل للفلاحين والمستثمرين، على توسيع مساحة غراسة هذا النوع من الأشجار المثمرة في المنطقة والولايات الجنوبية دون استثناء، وقد استطاعت استقطاب اهتمام البعض بمدينة الألف قبة وقبة بعد الإطلاع على تجارب مماثلة بمناطق تمتاز بنفس المناخ، فتوسعت المساحة المزروعة إلى 2913 هكتار، تنتج سنويا 15 ألف قنطار من الزيتون ذو النوعية الجيدة. وخصص شويخ مساحة 4.5 هكتار لزراعة أكثر من 1000 شجرة زيتون، تنتج أجود أنواع الزيوت، وزيتون المائدة المصبر الموجه للاستهلاك الداخلي، ويختلف حجم الإنتاج مثلما قال - حسب مواسم الجني فمثلا جني شهر نوفمبر ليس نفسه جني شهر ديسمبر أو جانفي، وينتج القنطار الواحد من الزيتون 20.5 لترا من الزيت، وهو ما جعل الوادي تتحول حسبه إلى منافس قوي للمناطق الشمالية المعروفة بإنتاج زيت الزيتون، وقد قام بإنشاء معصرة زيتون لاستيعاب الإنتاج المحلي، وتسهيل توضيبه وإيصاله للمستهلك حتى لا يقطع مسافات بعيدة بحثا عنه. في نظر شويخ الفلاح بالوادي لم يجد صعوبات في التوضيب أو التسويق، لكن زراعة الزيتون تواجه مشكل اختيار نوعية الفسائل التي تتلاءم مع تربة المنطقة، فالتجربة بينت أن أشجار الزيتون من نوع «الشملال» و»الفركاني» تتساقط ثمارها في سبتمبر، وقد استعانت مديرية الفلاحة بخبير من اسبانيا لمعرفة الأسباب لكنه عجز عن ذلك وبقي السبب مجهولا، في حين توجد أشجار أخرى في نفس التربة تنضج ثمارها في شهر جانفي وفيفري وتعطي مردودا وفيرا وهي من نوع «الفيردار» و»السوفيالي»، لذا ينبغي على الدولة أن تختار الفسائل الملائمة لتربة المنطقة، والاستعانة بخبراء في هذا المجال لتحديد نوعيتها، ووضع علامات تعريفية لها، لتسهيل اقتناءها، خاصة وأنها ترغب في توسيع غراسة هذا النوع من الأشجار المثمرة، لرفع الإنتاج والتوجه به إلى الأسواق الخارجية. ولم تتوقف تجربة شويخ عند الزيتون، بل امتدت لتشمل تربية النحل، وقد جهز مزرعته بصناديق وضعت بين أشجار الزيتون لإنتاج العسل، بعد أن شاهد روبورتاج تلفزيوني حول إنتاج العسل وسط طبيعة صخرية باليمن، فجاءته فكرة الاستثمار في هذا المجال، خاصة و أن الوادي تتمتع ببساط أخضر، وقد حاول الاستعانة في بداية الأمر بمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع إلكترونية لتعلم طريقة تربية النحل، بعد أن عجز عن إيجاد مكونين بالمنطقة، ونجح في التجربة، حيث بدأ استثماره يعطي مردودا تضاعف مع مرور السنوات، سواء في إنتاج العسل، سمغ النحل الذي يستعمل كمضاد حيوي، وشمع النحل الذي لا يقل أهمية عن المراهم، وإنتاج الهلام الملكي، الذي تعكف المخابر الأمريكية لحد الآن على اكتشاف المواد غير المعروفة فيه والمفيدة للصحة. ويساهم النحل حسب شويخ في رفع الإنتاج الفلاحي بنسبة 60%، وأول ثمار البطيخ الأحمر «الدلاع» التي تدخل الأسواق هي التي تنتج بالوادي، بفضل التلقيح الطبيعي للنحل، وقد تمكن بفضل النحل دائما من إنتاج بذور البطاطا التي تعد سرا من أسرار الدول المنتجة لها، غير أن التجربة تحتاج إلى دعم المسؤولين بمخابر صغيرة للتحكم في درجة حرارة إنتاش هذه البذور حتى تتحول إلى فسائل ناشطة تنمو طبيعيا، وتعطي الدرنات التي تستورد حاليا من هولندا وكندا بأثمان باهظة. قصب السكر ..زراعة ناجحة بحاجة إلى تثمين وجدنا نوعا من الإرادة القوية والرغبة في تحدي المستحيل لدى شباب ورجال المنطقة، كل واحد يحاول أن يقوم بالتجربة، ولا يهمه إن فشل لأنه سيعيد الكرة لا محالة إلى غاية أن ينجح ويتفوق، فالسالب إذا ما اجتمع بالسالب يعطي الموجب، وهي قاعدة رياضية يحبها أمثال جباري دبار مهندس في التهيئة الإقليمية، فلاح ومقاول، ومهتم بالميدان الفلاحي في المكننة والبذور والزراعات، بحثه المستمر في الانترنت، وهوسه بجلب البذور التي لم نتعود على زراعتها في الجزائر، جعله ينتقل سنة 2007، إلى مصر لجلب قصب السكر، وزراعته في الوادي، وهي التجربة التي نجحت، حيث نمى وكبر حجمه، وتتواجد عينة منه في مزرعته لحد اليوم، وقد حافظ عليها لتقديمها للباحثين والراغبين في الاستثمار في هذا المجال. ويقول المهندس جباري إنه لم يفكر في توسيع زراعة هذا النوع من المحاصيل، لأن القصب السكري يتطلب مساحات واسعة للاستصلاح وخطّ تصنيع تكلفته عالية، ولكن إذا ما وجد مستثمرين لديهم القدرات المادية والمعنوية والتشجيع من السلطات والدولة لزراعة مساحات واسعة من 5 آلاف إلى 10 آلاف هكتار، وإنجاز مصانع التكرير، سنتمكن من إنتاج سكر جزائري 100 بالمائة، وستنجح التجربة لأن تربة الجزائر ملائمة لزراعته، ناهيك عن توفر المياه واليد العاملة، وحينئذ ستتخلص الخزينة العمومية من عبء استيراد هذه المادة التي تكلفها ملايير الدولارات سنويا، وتفتح الباب لتصديريها للأسواق الخارجية فهي مادة أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها. تركنا المهندس جباري وغيره من الشباب المولعين بتطوير الإنتاج الفلاحي يخوضون تجارب أخرى في زراعة البنجر السكر، الزنجبيل، الزعفران، لتوسيع مجال الزراعة حتى لا يبقى التنافس في مجالات محدودة، ولتحقيق فائدة أكبر للفلاح والوطن.