شهدت ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الجزائر، أو ما يعرف بالإقامة السرية، ارتفاعا رهيبا في الآونة الأخيرة، لا سيما خلال شهر أوت المنصرم، حيث عالجت مصالح الدرك الوطني أزيد من 118 قضية، تم على إثرها توقيف ما لا يقل عن 440 شخص من جنسيات مختلفة، أغلبها من النيجر، المالي، المغرب، تونس، الكاميرون، سوريا، ليبيا، ونيجيريا. وحسب ما تشير إليه هذه الاحصائيات، فإن أغلب المغتربين الذين تم توقيفهم، ينتمون إلى دول قريبة ومجاورة للحدود الجزائرية، وهو ما يفسر استقرار هذه الجنسيات في بلادنا.إلا أن اللافت للإنتباه، هي تلك الأعداد الهائلة التي تتوافد على الجزائر يوما بعد يوم، والتي تعرف ارتفاعا متزايدا في كل مرة، بالرغم من عمليات الطرد الجماعي التي تجريها الجزائر بصفة مستمرة، فضلا عن المتابعات القضائية التي تشنها السلطات الأمنية في حق البعض منهم، وهو ما يدفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بالطرق والوسائل التي يلجأ إليها هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين لقطع مسافات معتبرة تعادل آلاف الكيلومترات، مرورا بالصحاري الشاسعة، ومن ثم التسلل إلى الأراضي الجزائرية.ومن جهة أخرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، يكمن في طبيعة الدافع الذي يجعل من الجزائر قبلة للآلاف من الشباب المخاطرين بحياتهم.علامات الإستفهام هذه تقودنا إلى البحث عن المعطيات الأساسية والدوافع الرئيسية للهجرة غير الشرعية، بما في ذلك الأشخاص الذين يقفون وراءها، وفي الحقيقة لا يختلف الأمر بكثير عن واقع شبابنا اليوم، الذي أرهقته المعاناة اليومية وحاول أن يجعل من البحر منفذا لمشاكله.فعن دوافع الشباب للهجرة غير الشرعية، كشفت تقارير صادرة عن الأممالمتحدة، أن أسباب الهجرة الجماعية غير الشرعية تعود إلى ازدياد أعداد الشباب في دول العالم الثالث، وتناقص فرص العمل بالموازاة مع ذلك، اضافة إلى زيادة حدة الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة، كما ازداد الوعي بهذه الفوارق وأصبح السفر متاحا بسبب التقدم الذي حدث في المواصلات الدولية ووسائل السفر، في الوقت الذي تقلصت فيه منافذ الهجرة الشرعية، وبالتالي يقع الشباب في المحظور، من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق الذين يتقاضون مبالغ خيالية مقابل رحلات جنونية قد تنتهي في عرض البحر والصحاري أو داخل السجون.أما بخصوص اختيار الجزائر كوجهة أساسية لأغلبية المهاجرين غير الشرعيين، فإن السّر وراء ذلك يكمن في موقعها الجغرافي الحساس، الذي يجعلها البوابة القريبة ومحطة عبور نحو القارة الأوروبية مرورا بمدينة ألميريا الإسبانية أو احدى المدن الإيطالية، وهو ما تؤكده الأعداد الهائلة التي يتم توقيفها بصورة مستمرة شرق وغرب ولايات الوطن، مع العلم أن شواطئ غرب البلاد تعدّ الأكثر تفضيلا بحكم قربها من الدول المجاورة لها والتي لا تفصلها سوى ساعات قليلة من الإبحار.إستمرار هذا النزيف الحاد، يقف وراءه بارونات وتنظيمات ''الحراڤة'' الذين يبسطون نفوذهم على السوق السوداء للاتجار بالشباب، مسخرين لذلك كامل الوسائل الضرورية من مكاتب وهمية ووسطاء الهجرة بما فيهم السماسرة والعصابات الإجرامية المنظمة والتي غالبا ما تتخذ من المناطق الساحلية مركزا لها.بحيث يلجأون إلى طرق عديدة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين، سواء البحرية منها، بواسطة السفن الصغيرة أو ما يعرف ب''قوارب الموت''، أو عن طريق البرّ باستعمال السيارات الرباعية، وفي كلتا الحالتين تنعدم أدنى شروط السفر أو التنقل، مما يزيد من مشقة الرحلة، وغالبا ما يسفر عن وفاة البعض من المهاجرين غير الشرعيين، لتكون بذلك نهايتهم في قاع البحار أو وسط الصحاري.وهو ما حدث نهاية الأسبوع الفارط بمدينة رڤان الواقعة 50 كلم جنوب عاصمة ولاية أدرار، أين لقت مجموعة متكونة من 25 مهاجرا إفريقيا حتفهم بعد أن تاهوا في الصحراء، حيث تم العثور على جثثهم في حالة متقدمة من التعفن بالقرب من السيارة الرباعية التي كانت معطلة.