عرفت الأيام المغاربية للمسرح الناطق بالأمازيغية بتيزي وزو في طبعتها الأولى، والتي اختتمت فعالياتها نهاية الأسبوع الفارط عرض مجموعة من المحاضرات والمداخلات الفكرية تمحورت أساسا حول الثقافة الأمازيغية الحاضرة في المسرح، وأشغال نقلها، وكذا خصوصيات المسرح الأمازيغي وهويته، وإنجازاته ورهاناته، ناهيك عن دراماتورجية المسرح الأمازيغي وجمالياته واستثمار التراث التخيلي فيه... هذه المحاضرات كانت من تنشيط ثلة من الدكاترة والأخصائيين والمخرجين بحضور الإعلاميين وجمهور المهتمّين بعالم الفن الرابع، وفي هذا الصدد اقتربت جريدة ''الشعب'' من بعض المحاضرين، فكانت لنا لقاءات وحوارات معهم حول واقع الفعل المسرحي في المغرب عموما والجزائر خصوصا، بالاضافة إلى ملامح تجربة المسرح الأمازيغي في الأقطار المغاربية. خاليد بويشو: وهو مخرج وكاتب سيناريو وكذا المدير الفني والتقني لمؤسسة ''تمازغافيزيون'' بدولة المغرب، أشار من خلال مداخلته التي ألقاها خلال التظاهرة إلى الناحية الجمالية والفنية للفعل المسرحي باللغة الأمازيغية انطلاقا من الدراماتورجية والجماليات الفنية من ديكور وملابس وإخراج عموما. وفي لقائنا معه، أفاد بأنه للنهوض بالمسرح الأمازيغي في شمال إفريقيا ينبغي الاعتماد على التكوين، وتحيين اللغة، وعدم تغييب الجماليات، حتى يمكننا التواصل مع الجمهور أينما تواجد في أقطار العالم، وبما أن الأمازيغ في شمال إفريقيا وجزر الكناريا وعبر كل العالم يمكننا التواصل معهم عبر اللغة، ولكي يتحقق ذلك ينبغي التركيز على التكوين المعمّق وعلى الجماليات والاعتماد على السينوغرافيا الجيدة والموسيقى المنتقاة بعناية والاعتماد على التشخيص الجيّد للفن الدرامي، حتى نقدّم مسرحا أمازيغيا يشكل إضافة نوعية للمشهد الثقافي والفني لكل شمال إفريقيا، وهذا لا يتأتى إلا بتكوين فرق تعمل باحترافية واحترام التخصصات، كل حسب اختصاصه، فالممثل ممثل، والسينوغراف سينوغراف، والمؤلف مؤلفا... بعيدا عن اعتماد الحماسة والخطابة في المسرح. وعن علاقة المسرح الأمازيغي بالمسرح المغاربي، فالأساس هو المسرح الأمازيغي، بحكم أن الأبحاث والدراسات وكتب المؤرخين أثبتت أنه كان هناك مسرح أمازيغي قديما على هذه الأرض، وأضاف بأنه يؤمن بفكرة المغرب الكبير، ولا يؤمن بفكرة المغرب العربي، وفيما يتعلق بالخصوصيات التي تميّز المسرح الناطق بالأمازيغية عن المسارح الأخرى، يقول الأستاذ ''خاليد بويشو'' بأن هناك هوية ثقافية وفنية وموسيقى، بالاضافة إلى الألبسة والتراث...وهناك العديد من الأشياء التي تميّزه وتجعله منفردا، بل هناك مسارح أخرى تأخذ من هذا المسرح ''الأمازيغي'' كالمسرح الناطق باللغة العربية في شمال إفريقيا الذي أصبح ينهل من التراث الأمازيغي والمسرح الأمازيغي. وفي ردّه على سؤال حول إشكالية نقص النص المسرحي الذي يعاني منه المسرح، فأكد الأستاذ بويشو أن أزمة النص كائنة، لكن الأزمة الكبرى التي يعاني منها المسرح الأمازيغي هو أن المناطق الأمازيغية عبر شمال إفريقيا وخاصة خارج مدن المحور لا تتوفر فيها البنى التحتية، إذ لا تتوفر فيها المسارح و دور الثقافة ودور الشباب حتى يتمكن الشباب والهواة والمبدعون من صقل مواهبهم والتعبير عن أفكارهم واهتماماتهم. وعن تجربة الأيام المغاربية للمسرح الأمازيغي التي بادر إلى تنظيمها المسرح الجهوي لتيزي وزو تحت الرعاية السامية لوزارة الثقافة الجزائرية، اعتبرها ''بويشو'' التفاتة مهمة تشكر عليها، وإلى جانب هذا، فوزارة الثقافة المغربية أيضا تدعم وبقوة المسرح الأمازيغي ولاسيما في العشرية الأخيرة، وهناك دعم متواصل للإنتاج المسرحي والترويج له، كما أن هذه الإلتفاتة يضيف انتهجتها وزارة الثقافة بالجزائر من أجل تقديم فرجة مسرحية أمازيغية للمواطن الجزائري، وهي وليدة سياسة ثقافية واعية تقدّم الجمال للجميع. أما عبد الكريم برشيد، فقد اعتبر أن التجربة المسرحية الجزائرية والمغربية تتشابهان وتختلفان، فمن حيث اللغة هناك الريفية المغربية، تشلحيت، تمازيغت...و لكن التجربتان تعالجان نفس القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها كل الناس، وعلى حدّ قوله فالمؤتلف أكثر من المختلف، والمتشابهات أكثر من المختلفات، ومن جهته دعا إلى عدم التركيز على اللغة أثناء الممارسة المسرحية كأساس، لأن المسرح لا يسمع فقط وإنما يرى أيضا، لذلك نجد أن أخطر الفنانين المسرحيين في العالم هو ''تشارلي شابلين'' الذي لم يتكلم لا لغة إنجليزية ولا لغة فرنسية ولا ألمانية، بل اهتم هو الآخر بلغة الجسد والحركة والإشارة والإيماءات والزي... فالثقافة الأمازيغية غنية بأزيائها، غنية بأهازيجها وهذا ما جسدته العروض المسرحية التي مرت خلال الأيام المغاربية، لذا يرى الأستاذ برشيد أن المسرح الأمازيغي في الجزائر ينبغي أن يقتصد شيئا ما في اللغة اللفظية خصوصا، وأن يعمّق في اللغة الجسدية حتى يمكن أن يخاطب الإنسان العالمي في أمريكا وفرنسا وألمانيا... وهذا ما شاهدناه في مجسّدا في المهرجانات الدولية التي تقدم فيها المسرحيات بأقل ما يمكن من الكلام وأكثر ما يمكن من لغة الجسد والصوّر والحركات والإيماءات، مع طرح القضايا الإنسانية الشاملة دون انغلاق في إطار القضايا المحدودة. الفن الرابع لغة الحياة وفي رده على سؤالنا حول تلك الإشاعات التي قيلت عن المسرح الناطق بالأمازيغية، والتي مفادها بأنه تطغى عليه القضايا السياسية والحزبية وابتعاده عن جماليات النص، أكد الأستاذ ''عبد الكريم برشيد''أن الفن الرابع هو لغة الحياة، والسياسي جزء من حياتنا، والمسرح مع جميع الناس، والشيء الأساسي فيه هو القضايا المطروحة والمبادئ المشتركة، فالجمال جمال، والحق حق، والعدل عدل، والنظام نظام، والفوضى فوضى، لذا علينا أن نمارس المسرح بعيدا عن السياسة، لكن هذه الأخيرة ضرورية على الرّكح ولكن ليس بالمعنى الإيديولوجي أو الحزبي الضيّق، وأن تكون حزبيا معناه أن تكون قبليا أو عشائريا وأن تكون مع نفسك ضد الآخر في حين أن المسرح مع الجميع. وعن أزمة النّص التي يعاني منها المسرح عموما والمسرح الأمازيغي خصوصا، أضاف ذات المتحدث بأن المسرح عموما يعاني من نقص النص، ففي السينما مثلا تجد المخرج هو نفسه صاحب السيناريو والممثل الأول وهو كل شيء، ونفس الشيء نجده في المسرح، إذ نجد مدير الفرقة هو البطل، المقتبس للنص، أو هو من يحول العمل الرّوائي إلى عمل مسرحي.. وفي الواقع لازال مسرحنا يعاني، ومازاد من حجم هذه المعاناة هو أننا انخدعنا بالشعار القائل أن زمن النّص انتهى وأن ديكتاتورية الكاتب انتهت، والآن نعيش ديكاتورية المخرج والمخرج هو مؤلف العرض، وبالتالي يستطيع المخرج أن يفعل في ركحه وفي ملكه ما يشاء، وأصبح المخرج يخرج أي كلام، يأخذ قصيدة، حكاية، مثل، رواية... في حين أن تاريخ المسرح العالمي على غرار ''سوفوكليس، ''كورناي''، ''راسين''، ''شكسبير''، ''موليير'' هو تاريخ النصوص لأن ما نقدّمه الآن ننساه، لكن يبقى النّص خالدا، فنأكل ما نأكل وتبقى البذرة التي نزرعها مرة أخرى لتطعمنا ثمارا، فنص ''شكسبير'' نستطيع أن نقدمه برؤية جزائرية أو أمازيغية تجديدا يعطيك عرضا جديدا، وإذا قدمناه في إفريقيا بإيقاع إفريقي يعطيك مسرحا آخر، لذلك فالأساس هو الكتابة المسرحية أولا ثم ترجمة هذه الكتابة ثانيا. وفيما يتعلق باقتباس النصوص المسرحية وترجمتها، اعتبر الأستاذ ''برشيد'' أن الترجمة خيانة، وهي ليست بفن وهي إعلام لأنه لا يوجد فيها إبداع، وفيها نقل والناقل دائما خائن على حدّ قوله لأنه لا يمكن أن تنقل الأشياء كما هي، خصوصا إذا تعلق الأمر بالشعر والقرآن، فلا يمكننا أن نحاكي الشعر ونترجمه بجمالياته والأمر نفسه مع ترجمة القرآن ترجمة روحية، فصحيح أن ترجمة الأعمال تجعل المسرح ينفتح عن العالم، لكن هذا لا يكفي، فنحن مطالبون بأن نكتب مسرحية جزائرية أو مغربية أو موريتانية أو ليبية...انطلاقا من لغات وطنية أو من قضايا محلية، انطلاقا من رؤية العالم وانطلاقا من رصيد ثقافي معين أو أن نساهم بإضافة معينة. وعن تجربة الأيام المغاربية للمسرح الناطق بالأمازيغية، اعتبرها الأستاذ عبد الكريم برشيد تجربة مميزة يجب أن يفخر بها سكان تيزي وزو، و عليهم يضيف أن يدافعوا على هذا المكسب ليطوروه لجعله موعدا سنويا للتلاقي وتبادل الأفكار لأنه في النهاية لا أحد يملك الحقيقة، لذا فلنتحاور ونتجاب في المسرح. وقال بوزيان بن عاشور، وهو ناقد مسرحي من الجزائر وإعلامي بجريدة ''الوطن''، فمن خلال محاضرته ركز على الثقافة الأمازيغية الحاضرة في المسرح وأشكال نقلها وتجسيدها وترجمتها على الرّكح، باعتبار أن المسرح ناقلا للإرث الحضاري الأمازيغي منذ القديم، وهو المرآة التي تعكس سلوكات وأفكار ومشاعر الإنسان الأمازيغي، ناهيك عن كونه ناقلا للموروث الثقافي بكل أبعاده. الحركة المسرحية الأمازيغية بالجزائر عرفت انتعاشا مميزا ويرى الأستاذ بوزيان أن الحركة المسرحية الأمازيغية بالجزائر عرفت انتعاشا مميزا خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة بروز قامات مسرحية شبانية في عالم الفن الرابع من تمثيل وإخراج وتأليف مسرحي، وأضاف بأنه هناك قفزة نوعية ميّزها الإبداع والإحترافية في الوقت ذاته. كما أشار في السياق ذاته إلى إنغماس تلك الطاقات الشبانية واهتمامها بقضايا السياسة، وهذا ما جعلها تبتعد نوعا ما عن الإبداع وكذا جماليات النص المسرحي، كما أن المسرح ليس اتخاذ الركح كمنبر للممثل يقول عبره ما يشاء، وهذا بالضبط، ما جعل المسرح الأمازيغي يبتعد عن اللمسات الفنية الجمالية، وهذا ما سجله علينا المسرح الأمازيغي في دول المغرب، فالمسرح إذن يقول بوزيان هو إبداع فني يمكن أن يعبّر عن قضايا سياسية مع وضع الجانب الجمالي والفني في صدارة الاهتمامات، وكذا التركيز على النّص المسرحي والتمثيل والإخراج، وأضاف ذات المتحدث أن المسرح بحاجة إلى دراما، وعلى طاقم التمثيل أن يعتمد على هذه الدراما وكل ما يضمن تجسيد الجمال والفن على الرّكح. ومن جهته الأستاذ خاليد بويشو يرى أن الرّكح ضروري للخطاب السياسي، شريطة اعتماد الخطاب غير المباشر بطريقة جمالية وفنية دون الخطاب المباشر والحرفي.