حدثبالأمس القريب مع مادة البطاطس وها هو يتكرر اليوم مع مادة الاسمنت في وقت ارتفع فيه سهم العملة الصعبة بفعل ازمة السيولة التي نجمت عن الازمة المالية العالمية ويتعلق الامر هذه المرة بلجوء وزير الصناعة وترقية الاستثمار الى الاعلان عن قرار استيراد مليون طن من الاسمنت لمواجهة ظاهرة المضاربة في سوق تفتقر الى ضوابط ومقاييس امام ما يبدو انه عجز لدى الجهات المكلفة باجراءات الضبط والتنظيم الحفاظ على استقرار السوق وهي بالطبع وزارة التجارة ومصالحها المختصة. ما اسهل اللجوء الى الحلول السهلة الا وهي الاستيراد كلما حلت ندرة مصطنعة من اصحاب النفوذ في السوق ومنتهزي الفرص من اولئك القراصنة الذين لم تنفع معهم اساليب النصح والتنبيه حتى اقتنعوا بان الساحة مفتوحة لهم ليحققوا ماربهم الحقيرة بلا رادع. لكن خارج انتفاع المضاربين في الاسمنت دون وازع ضمير او رادع يطرح السؤال مرة اخرى حول مدى جدوى اعادة تنظيم النسيج الصناعي في نشاطات حساسة ترتكز عليها برامج تنموية طموحة ومصيرية وهل حققت برامج الخوصصة لمصانع كمؤسسة الاسمنت الاهداف الوطنية المسطرة من مضاعفة الانتاج وتلبية احتياجات السوق ام ان خللا هنا او هناك يعيق ذلك حتى تحول وزير مكلف بترقية الاستثمار الى مجرد مستورد.. على الرغم من ان للبلاد موارد طبيعية في انتاج هذه المادة الاساسية لقطاع البناء الا ان السوق فرضت واقعا مقلوبا يصعب فهمه بينما كان بالامكان محاصرة ظاهرة المضاربة بتفعيل اليات القانون من رقابة ومتابعة وقطع دابر الفساد بفرض اجراءات تسويق شفافة على المصانع وصولا الى تجار الجملة وتسليط عقوبات قاسية على كل من يمارس احتكار وتخزين غير قانوني لمادة الاسمنت. حقيقة الوضع على الارض ليس سهلا في مجتمع تكرست فيه ثقافة الربح السهل والانزلاق الى الفساد الاقتصادي على حساب المصالح الحيوية للبلاد ولكن ما يحمله مثل هذا الوضع المناقض لقواعد اقتصاد السوق وحرية المبادرة الاقتصادية هو ضرب الاصلاحات الاقتصادية في الصميم والعودة الى نقطة الصفر بالاعتماد على مثل هذه الحلول السهلة أي الاستيراد بدل تشريح الوضعية من جوانبها الكلية والجزئية لوضع اليد علة موطن الداء. بالطبع يمكن تفهم استيراد الادوية والتكنولوجيا وبعض المواد المدخلة في النشاط الصناعي لكن لا يمكن تفهم استيراد ما للبلاد فيه من قدرات وفي تجربة استيراد البطاط اكثر من فضيحة ودرس يبدو انه لم يستخلص بالقوة المطلوبة. بلا شك ان وزير المالية لن يكون في وضع مريح امام ما اعلن عنه تمار الذي لم يقدم بشكل واضح ومقنع مبررات وحجج القرار الذي اعلنه ليعيد طرح النقاش مجددا حول مضمون الاستراتيجية الصناعية المرتقبة والتي بقدر ما تتاخر في الخروج من المكاتب المكيفة بقدر ما تضاعف من ازمة السوق التي لا تزال تعاني من ظاهرة الندرة الموضوعية احيانا والمفتعلة او المبرمجة احيانا كثيرة ممن يوصفون بالقطط السمان الذين حان وقت التصدي لافعالهم المدمرة بعد ان تمادوا في انانيتهم ورفضوا الاحتكام الى قواعد الشفافية حتى لا يكون ثمن الحلول السهلة باهضا.