تشكل المياه تحديا كبيرا خلال السنوات القادمة ببلدان المغرب العربي و الشرق الأوسط، نظرا لتزايد الطلب على هذه المادة الحيوية والضرورية في نفس الوقت بغرض السقي الفلاحي، لكن الموارد محدودة (نفاذ الموارد المائية ) بسبب الاحتباس الحراري، وتدهور البيئة و التغيرات المناخية (التصحر) التي تشهدها طبقة الأوزون، زيادة على اقتلاع الأشجار وبالتالي القضاء على الغابات الطبيعية، ففي خريف 2008 حدثت مظاهرات الجوع في بعض بلدان العالم كاندونيسيا و الفلبين و مصر و المغرب بسبب الظروف السيئة لشروط الاحتباس الحراري، كما يترجم ذلك هشاشة النظام الفلاحي لدول الجنوب، وعدم القيام بالاستثمار الملائم لتجميع المياه و حمايتها، والتمويل اللازم لمشروعات مياه الشرب و الصرف الصحي التي ينبغي عليها الاستجابة لطلبات أكثر أهمية، وبموارد محدودة والقضاء على تبذير المياه. في البلدان العربية ( بالأخص المغرب العربي و الشرق الأوسط) فان الاحتياجات من المياه للاستعمال الفلاحي تمثل مابين 60 إلى 80 بالمائة، و ب81 بالمائة ببلدان الجنوب و البحر المتوسط، وهي في تزايد منذ السنوات الأخيرة يرافقها في ذلك تطور فلاحي خلال الفترة (1981 / 2001)، حيث تعد دول الجزائر سوريا وليبيا و الأردن من بين الدول التي ضاعفت مساحات السقي الفلاحي. بالإضافة إلى ذلك فان بعض البلدان كالمغرب ومصر و سوريا في وضعية ضغط، ما يعني بأنه لا يمكنهم توفير إلا 500 إلى 1000 متر مكعب من الماء في السنة وحسب السكان، وفي المقابل فان الجزائر، ليبيا، والأراضي الفلسطينية و الأردن كلها مناطق تعاني نقصا ( اقل من 500 متر مكعب في العام وحسب السكان)، واستنادا لفريق من الخبراء تابع لمنظمة الأممالمتحدة فان الاحتياجات من المياه يمكنها تجاوز الموارد المتوفرة ببعض البلدان مثلما الحال بالنسبة للعربية السعودية. وفي هذا الصدد أشار''ألفيي جيرارد'' مسؤول بالوكالة الفرنسية للتنمية بأنه بالفعل توجد مشاريع تحلية مياه البحر، و البحث عن موارد جديدة التي هي في طريق الانجاز، لكن في ظل النمو الديمغرافي و البناء العمراني و تطور السياحة (حسب توقعات البرنامج الأزرق فانه ينتظر زيارة 135 مليون من السياح الوطنيين والدوليين الإضافيين بالمتوسط من اليوم لغاية 2025 ) بات ضروريا التحكم في تسيير المياه وبشكل خاص المياه المستعملة على مستوى المساحات الفلاحية و من الآن. مضيفا بأن كل هذه الدول تشترك في سياق مناخي واحد، نفس الأمر ذهب إليه ''بيار بلون'' باحث بالمعهد الفلاحي المتوسطي بمونبوليي، مفيدا بأن بلدان الشرق و جنوب البحر المتوسط لا تزال في خضم تحول جغرافي، ويستوجب عليها ربح 7 ,3 مليون كل سنة لغاية آفاق ,2025 حيث أن إنتاج كيلوغرام من المحاصيل يتطلب 1000 لتر من الماء، في حين إنتاج كيلوغرام واحد من اللحم يتطلب 13500 لتر من الماء، وهي احتياجات يواجهها قانون صارم الذي فرض نفسه في هذا القرن ألا وهو الاحتباس الحراري، وحسب تقرير منظمة التغذية و الفلاحة الذي نشر العام الفارط، فان الفلاحة بالشرق الأوسط من المحتمل أن تعاني من خسائر بسبب ارتفاع درجة الحرارة و الجفاف و الفيضانات، وكذا تدهور الأرض التي ستهدد الأمن الغذائي في العديد من البلدان، وستكون معرضة لنقص المياه، مؤكدا بأن الوضعية تنظر بالخطر. و حسب خبراء المنظمة فإن الفلاحة تمتص 80 بالمائة من الموارد بهذه البلدان، وأن الفصول الفلاحية وبعض الثقافات الغذائية ( الحبوب بشكل خاص) بإفريقيا الشمالية ستقل شيئا فشيئا خلال السنوات القادمة، حيث ستتراوح النسبة من 15 إلى 25 بالمائة مع ارتفاع في درجة الحرارة تصل إلى 03 درجة مئوية، و من 25 إلى 35 درجة مئوية بالشرق الأوسط. و يشير الخبراء في هذا المضمار إلى أن بعض الدول اتخذت تدابير بشأن هذه المسالة، أين استثمروا بشكل كبير في الري قبل تطوير مساحاتهم الزراعية، فقد استثمر أكثر من 200 مليون دولار في سبعة مشاريع للري مدعمة من طرف البنك الدولي، وذلك بالمغرب ما بين سنتي 1980 و.2003 وفي نفس الفترة تم استثمار ما يقارب 300 مليون دولار بدولة مصر، استنادا لوثيقة صادرة عن المنظمة العالمية للتغذية. وتجدر الإشارة إلى أن موارد الري المتوفرة في الجزائر تقدر ب 3 ,14 مليار متر مكعب، و9 ,3 مليار متر مكعب من المياه المستهلكة في الفلاحة، و 29 مليار متر مكعب من موارد الري بالمغرب، و6 ,11 مليار متر مكعب من المياه المستهلكة في الفلاحة، في حين بلغت قيمة موارد الري المتوفرة بتونس ب 6 ,4 مليار متر مكعب، و2 ,2 مليار متر مكعب من مياه السقي. 70 بالمائة من موارد الري تستعمل في الفلاحة... أكد ''بيار بلون'' بأن كل الدول لجأت في الماضي إلى إرساء سياسات تطوير الهياكل القاعدية ( سدود، محطات الضخ) مع تمويل شبكات السقي الجماعية وتدعيم الفلاحين، لكن ما أدى إلى الفشل لحد الآن هو المرافقة التقنية و التنظيمية في الميدان، مضيفا بأن السقي والتكنولوجيا الموضوعة لا تمثل سوى جزءا من المشكل، ولابد من فتح حوار عميق مع الفلاحين وتسيير المياه و تنظيم فروع التوزيع الفلاحي، وكذا تجنب معالجة السقي بطريقة منعزلة، وقال أيضا بأن 70 بالمائة من موارد الري التي يستهلكها الإنسان في السنة موجهة للإنتاج الفلاحي، لكنه استطرد بأنه بالرغم من توفر هذه الكمية فهي لا تكفي ليس فقط بسبب محدودية الموارد المائية بل أن السقي مكلف، وحسب منظمة الأممالمتحدة فان الصيانة المستمرة و التسيير الجيد لشبكة المياه يمكنها تقليص نسبة التسربات، وأنه بالنسبة لمدينة تضم 500 ألف ساكن يستهلكون ما متوسطه 120 لتر من الماء في اليوم، و حسب السكان فان إنتاج الماء الملوث سيكون 48 ألف متر مكعب في اليوم. وتشير إحصائيات ذات المنظمة، بأنه بات لزاما الرفع من فعالية الري لاسيما تقنية التقطير التي من شأنها التقليل من خسارة كميات كبيرة من الماء، وفي نفس الوقت تسقي النبتة جيدا وتمنح مردودية إنتاجية معطية مثالا عن إفريقيا و الشرق الأوسط، حيث تتراوح نسبة الأراضي المزروعة والخاضعة للسقي التقليدي من 60 إلى 80 بالمائة و 70 بالمائة فقط في دولة الأردن. ندرة المياه تنذر بصراعات مستقبلا... يؤكد بعض الخبراء العرب على أن المياه تلعب دورا رئيسيا في تقارب دول المنطقة العربية و منطقة الشرق الأوسط فيما بينها، كما أنها قد تكون سببا في النزاعات الحادة التي تنشأ بها، حيث أن المياه بهذه المنطقة موزعة بشكل متفاوت والاحتياجات المتعددة للمياه العذبة تعتبر اكبر مما هو متوافر لديها، زيادة على ذلك فإن عددا كبيرا من الموارد المائية منها لا يزال بدون تنظيم قانوني شامل يحدده و يقنن أنصبة كل دولة منها أو اتفاقيات تحدد شروط و أساليب تقسيم هذه الموارد فيما بينها، ماعدا سلسلة من الأحكام القضائية وبعض المبادئ المرتبطة بحماية الحقوق المكتسبة و حرية الملاحة في الأنهار المسماة أنهارا دولية، ويضيف الخبراء إلى أن الافتقار إلى مثل هذا التنظيم ينذر بالانفجار في السنوات القادمة الذي قد يتحول إلى صراعات عسكرية. ويستند الخبراء العرب في حكمهم هذا على عدة معطيات كتناقص المخزون المائي العربي، وتدني معدل المياه المتاحة لمواطني المنطقة إلى ما دون المعدل العالمي وزيادة العجز على المستوى القومي، والنهب الآثم و الاستغلال غير الشرعي و المجحف لموارد المياه العربية و استنفاذها، وكذا تنامي الحاجات الإنسانية و التنموية في المنطقة العربية. بالإضافة إلى وجود منابع المياه الرئيسية خارج المنطقة العربية، حيث أن ثماني (08) دول مجاورة للدول العربية تتحكم في حوالي 85 بالمائة من منابع المياه الداخلية، التي باتت مهددة بفعل إنشاء مشروعات مائية تشكل تعديا على الحقوق العربية في المياه المشتركة، مع عدم وجود اتفاقيات دولية منظمة بين دول المنابع الأجنبية المجاورة و بين دول المصب أو الجوار، و عدم التوصل إلى الآليات الدولية الكفيلة بحسن تطبيق المبادئ العرفية و الاتفاقيات الوضعية. ويشير ذات الخبراء إلى أن هناك تفاوتا كبيرا في توزيع الموارد المائية في مختلف مناطق العالم، فبعض المناطق تكثر بها الموارد المائية عن الاستخدامات المائية ومناطق تقل فيها الموارد المائية عن الاحتياجات، فقد انخفضت هذه الموارد بشكل ملحوظ بشمال إفريقيا والجزيرة العربية. ونجد أن مسحوبات المياه على مستوى العالم تبلغ حوالي 9 بالمائة من الموارد الكلية ومن المتوقع أن تصل إلى 5,12 بحلول عام ,2025 كما أنه من المتوقع أن تختلف آلية النمو في الاستخدام المائي حتى عام 2025 اختلافا متباينا باختلاف الدول، ففي الدول المتقدمة ذات الموارد المائية المحدودة فانه من المتوقع ارتفاع مسحوبات المياه بحوالي 10 إلى 25 بالمائة، في حين يتوقع حدوث نمو في هذه المسحوبات بنسبة تتراوح من 20 إلى 30 بالمائة بالدول النامية حسب ما أكده الخبراء. وتلعب الزراعة الدور القيادي في مجال الاستخدام المائي في قارات إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بنسبة تتراوح ما بين 64 إلى 92 بالمائة من جملة المياه المستخدمة، ومن المنتظر أن تتغير هذه النسب في آفاق 2025 ليزيد بذلك الاستهلاك المائي للأغراض الصناعية بمقدار مرتين أو ثلاثة عما كان عليه سنة 1995 بالقارات السالف ذكرها، غير أن الجزء الخاص بالصناعة لن يزيد عن 6 بالمائة من جملة مسحوبات المياه بإفريقيا. وبهذا أصبحت إدارة المياه وتحسينها أمرا ملحا لجميع الشعوب، لاسيما و أن عدد سكان الأرض تجاوز ستة مليارات نسمة و هو في ازدياد مستمر، وبالتالي يقل نصيب الفرد من المياه يوما بعد يوم، مما يتطلب توثيق علاقات التعاون و الشراكة بين كل من الدول المتقدمة والنامية في مجال حماية الموارد المائية، واستثمار ثروة المياه في تعزيز التنمية المستدامة، و كذا تأمين مياه الشرب لجميع سكان الكرة الأرضية، حيث يتوقع بعض الخبراء أن أكثر من 4 ,2 مليار نسمة (أي ثلث سكان العالم ) سيواجهون مشكلات صحية خطيرة عند قلة المياه و ندرتها، وأن مصير الأمم و الشعوب و نوعية الحياة في العالم مرهونة بمدى توفر المياه الصالحة للشرب. وبالموازاة مع ذلك تلعب التكنولوجيا النووية و استخدام الطاقة الذرية دورا اقتصاديا مهما في تحلية المياه و إنتاج مياه الشرب في الدول النامية، و هو ما يتطلب ضرورة تأهيل الكوادر من الشباب لإدراة المياه، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات المناخية و التركيز على معالجة مشكلة ملوحة المياه و تأمين الكميات اللازمة من مياه الشرب و الري.