اشتكى عديد المواطنين من ارتفاع تكاليف التقاضي في السنوات الأخيرة وهو ما يهدد مستقبلا بتخلي الكثير من المواطنين عن اللجوء إلى القضاء في ظل تراجع القدرة الشرائية وموجات الغلاء التي تعرفها مختلف مناحي الحياة، وهي المعطيات التي لا يعترف بها لا المترجمون ولا المحامون ولا حتى المحضرين القضائيين الذين يطالبون بالتسبيق ودفع الأعباء كاملة قبل الشروع في المهام لتخوفهم من عدم قدرة المواطن على التسديد بعد الشروع في العمل وهو الأمر الذي وقفت عليه ''الشعب'' في الميدان. التقت "الشعب" مواطنين في محكمة سيدي محمد أو المعروفة بمحكمة عبان رمضان بالجزائر العاصمة، والذين اشتكوا من ارتفاع تكاليف التقاضي حيث تحدث السيد "ع.م.'' عن ارتفاع تكاليف التقاضي، وهو ما جعلني أستنجد بأفراد العائلة لتسديد المصاريف التي لولا أني كنت متهما لما قبلت التوجه للمحكمة بسبب ظروفي الاجتماعية الصعبة، فالمعني الذي اتهم في قضية تزوير بإحدى دوائر شرق العاصمة خرج منها بريئا بطريقة عجيبة، فالمحامي الذي أوكل إليه القضية للدفاع عنه قبض عليه أكثر من 20 ألف دينار، وتحالف ضده مع خصمه، ومن حسن حظي، يضيف المتحدث بأنه تفطن للأمر من خلال كلام المحامي الذي كان فيه الكثير من التماطل والتناقض، وهو ما جعلني أغير المحامي الذي طالب بتأجيل القضية أسبوعا واحدا وقام بواجبه وأخرجه من القضية بريئا وهو الذي كاد أن يدان بأمواله. وأضاف المتحدث بأن تغيير المحامي وتبليغ الحكم كلفه أكثر من 60 ألف دينار، وهي مبالغ ضخمة حسب المتحدث جعلته يستدين إلى غاية إرجاعه إلى منصب عمله، واستغل المتحدث فرصة تواجدنا بالمحكمة ليوجه نداء إلى السيد وزير العدل للتدخل من أجل إرجاعه إلى منصب عمله حيث وبعد 4 أشهر من تبليغ الحكم بين ولاية الجزائر ودائرة الدارالبيضاء لم يصلني أي رد وأنا أعيش اليوم ظروفا صعبة جدا. وأضاف السيد (ط.ص - 26 سنة) بأنه وجد صعوبة كبيرة لإيجاد محامي يدافع عن أخيه الذي اتهم في قضية سرقة حيث طلب منه أحد المحامين تسبيق يقدر ب 30 ألف دينار للشروع في عملية الدفاع عن أخيه وأمام الظروف الاجتماعية الصعبة، قام الأقارب بتقديم الدعم من أجل تمكين المتهم من اتخاذ موكل يدافع عنه. وأمام ارتفاع تكاليف الحياة يرى محدثنا ضرورة تحديد أسعار المحامين في مختلف القضايا، لأن ترك الباب مفتوحا أمام السلطة التقديرية للمحامين أصبح الأمر ماديا أكثر منه إنسانيا. وتعتبر تكاليف المحاماة من أكثر الأمور سرية في المجال القضائي حيث وفي سياق حديثنا مع بعض المحامين أكدوا لنا أن مهنتهم فيها الكثير من المتاعب والأتعاب الخاصة بكراء المحلات ودفع الضرائب وهو ما قد يبرر ارتفاع طلباتنا المالية التي تبقى سرا ولا نستطيع الحديث عليها في العلن. وفي سياق متصل، كشف لنا أحد المحامين الشباب أن ميدان المحاماة مغلق بإحكام ويسود فيه نوع من الاحتكار من قبل مجموعة معينة تسيطر على القضايا الكبرى التي تصل فيها التكاليف إلى أكثر من 30 مليون سنتيم وهناك من تحدث عن وصول التكاليف إلى أكثر من 50 مليون سنتيم للقضية الواحدة، مثلما حدث في قضية ''الخليفة والبنك الوطني الصناعي والتجاري'' وبعض القضايا الأخرى. المحضر القضائي ... صعوبة التبليغ لا تقتصر معاناة المواطن عند البحث عن محامي يراعي الظروف الاجتماعية ولكن المعضلة كذلك عند تبليغ الحكم، فالمحضر القضائي يوجد في وضعيات لا يحسد عليها أمام المواطن، مثلما كشفته لنا محضرة قضائية بشارع حسيبة بن بوعلي، فعند تبليغ الأحكام القضائية أو العرائض للمدعى عليهم نصطدم برفض الاستلام والتوقيع على محضر الاستلام لتسليمه للمواطن، وهذا الرفض المتواصل من المدعى عليهم جعلنا ندخل في ملاسنات ومناوشات معهم ويتهموننا في بعض الأحيان بالخيانة والتواطؤ. وكل هذا حسب المحضرة يتم في ظل عدم قدرتنا على تطبيق التسعيرات الجديدة لإجراءات التبليغ التي تنص على 3000 دج، غير أن إلحاح المواطن وشكاويه الكثيرة جعلنا نحافظ على الأسعار القديمة التي تتراوح بين 1500 و2000 دج وهي المبالغ التي يعتبرها المواطن مبالغ فيها ونجد صعوبة في إقناعه. ويروي بعض المحضرين القضائيين تعرضهم للسب والشتم في بعض الحالات التي يبلغون فيها أحكاما تخص قضايا عائلية وأخرى خاصة بالميراث، فالمواطن يفتقد لثقافة العدالة ويجعله يحكم علينا بأنه مع الخصم. ويتساءل المواطن عن سر كل هذه المصاريف من أجل استكمال حل قضية واحدة وكشف السيد أحمد بأنه خسر في قضية دامت 5 سنوات بالطعون ما يعادل 70 ألف دينار بين أتعاب المحامي والمحضرين، لأن المدعى عليه الذين كان يملك محطة لغسل السيارات وطردنا تعسفا وبدأ يغير عنوان سكنه وطيلة سنتين ونحن نحاول التبليغ عن حكم يتضمن تعويضا ب 100 ألف دينار ولكم أن تتصوروا ماذا جنينا من القضية لقد واصلت المحاكمة بكل أطوارها من باب المبدأ وشعوري بالظلم ومن الطرد التعسفي الذي تعرضت له من قبل رب العمل. وتعكس الحالات التي وقفنا عليها صعوبة الوصول إلى تطبيق القانون الذي يصطدم بغياب ثقافة تسهيل تجسيده، لأن بعض العقليات لازالت ترى في نفسها فوق القانون من خلال رفض تطبيق قرارات تصدر باسم الشعب الجزائري. المترجمون يدخلون ميزانية المواطن يظهر أن ميزانية المواطن لن تعرف الاستقرار في ظل دخول أتعاب الترجمة ميدان القضاء بعد الشروع في تطبيق قانون الإجراءات المدنية والإدارية منذ نهاية أفريل الماضي، حيث وجد المواطن نفسه مطالب بترجمة بعض الوثائق لرفع دعوى قضائية، وهو ما كلفه المزيد من الإنفاق، وكشف السيد"ك.ب" بباب الزوار بأنه رفع دعوى قضائية لاسترجاع قطعة أرض ووجد نفسه مطالب بترجمة العديد من الوثائق، وأوضح نفس المتحدث بأن آخر وثيقة تترجم ب 1000 دج، وهو ما جعلنا نتعرض لصعوبات كثيرة، لأن المحامي وحده طلب 10 آلاف دينار جزائري للشروع في تحرير العريضة في انتظار القيمة الأخرى التي سنتفق عليها لاحقا. وتصل بعض وثائق المترجمة التي تتضمن من 10 صفحات فما أكثر إلى غاية العشرة آلاف دينار وهو ما جعل البعض يعزف عن الترجمة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطن البسيط وقد ألح المواطنون الذين سيستفيدون من خدمات حوالي 300 مترجم جديد في الأيام القادمة بعد نجاحهم في الاختبارات الشفوية إلى ضرورة تخفيف أعباء التقاضي التي قد تحرم العديد من المواطنين من الوصول إلى المحاكم. وينتظر أن تنخفض أسعار الترجمة مستقبلا بعد شروع الناجحين في العمل عن قريب، حيث لم تبق إلا إجراءات أداء اليمين. ضرورة وضع سلطة لضبط الأسعار وأمام كل هذه المعطيات يظهر أن قطاع العدالة لازال أمامه الكثير من التحديات للوصول إلى تجسيد مبدأ الحق في تقاضي عادل ونزيه، لأن المواطن البسيط أصبح فعلا أمام هاجس فقدان الحق في التقاضي في ظل غلاء الأتعاب القضائية، والهاجس الأكبر هو عند الحكم بتعويض الرابح في القضية الأتعاب القضائية والتي تقع على المدعى أو المدعى عليه وهو ما قد يفتح باب التنازل عن رفع الدعاوى القضائية، كما طالب المواطنون من السلطات تحديد معايير وأتعاب أعوان العدالة للتخفيف من مصاريف التقاضي. "