خاضت معركة تعليم وتكوين معلمة بعد الاستقلال تحديا للاستعمار الفرنسي فقدت الأسرة الثورية الأسبوع المنصرم المجاهدة، صفية بلماضي الملقبة بصفية بلمهدي من مواليد 5 أفريل 1931 بحي البحرية بالقصبة السفلى، انتقلت مع عائلتها إلى المدنية سنة 1936، وهناك ترعرعت وكبرت إلى غاية الاستقلال، درست الابتدائية في المدنية تعلمت اللغة العربية وتلاوة القرآن أيام العطل، تحصلت على شهادة الابتدائي باللغة الفرنسية، تربت على حب الوطن والدين على يد أساتذة مثل محمد الطاهر فضلاء في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. استقبلت الفقيدة الثورة بكل حماس فقد سبلت نفسها لخدمة الوطن، كباقي الجزائريين والجزائريات الذين عاشوا الثورة، أول مهمة كلفت بها كانت سنة 1955 لما التقت بالكاتب إبراهيم فدي الذي طلب مساعدتها واصطحبها معه إلى أحد المنازل، كان بصدد تكوين مجموعة من الفدائيين وكانت تتعامل مع ثلاث فدائيين حسين كوار والهاشمي سيوان، مدني ليمين الذي كان محكوما عليه بالإعدام، ولما جاء الاستقلال أفرج عنه. بدأت بنقل السلاح من مكان لآخر بين تجار بالعاصمة كالقصبة، وبولوغين، وكان هناك مخزن كبير لملابس أمريكية قريب من جبل بوزريعة أين كانت مجموعة من الولاية الثالثة، تعمل مع المجموعة الرابعة التي كانت تابعة لها والتي كان يرأسها عبد الرحمان لعلى. ومن أهم مهامها إبان الثورة الترجمة واستشارتها فيما يخص الدية، كما كانت تنبه الفدائيين بتنقلات العسكر الفرنسي. انخرطت المجاهدة بلمهدي في اتحاد العمال يوم 24 فيفري 1956، حين تأسس وكانت اجتماعاته تعقد في مقر الدكتور سعدان في ساحة جامع كتشاوة في الطابق الأول، ومن بين الاجتماعات التي حضرتها كان في 20 ديسمبر 1956 وهو اجتماع خاص. خطب فيه المناضلون ووزعوا عليهم الأسلحة التي أخفتها تحت الألبسة. وكانت تجتمع مع المناضلين شهريا، وتسلم لها طرودا لعائلات المحكوم عليهم في السجن وحتى الإعانات لأولادهم وعائلاتهم لتوزعها. وفي جانفي 1957 لما قطع المستعمر رأس ثلاثة شبان بالمدنية، وفي إضراب 8 أيام، وكلفت بتوزيع المواد الغذائية على العائلات كالسميد والزيت والتي تم جمعها من أصحاب المحلات التجارية. حيث كان يساعدها شقيقها محمد في حمل القفة، مرتدية الحايك والعجار لباس الجزائريات إبان تلك الحقبة. بعد أيام الإضراب ألقي القبض على كثير من الفدائيين بعد انكشاف العديد منهم، من بينهم الهاشمي سيوان، وتحت التعذيب الشديد بعد القبض على باية سلاماني ومحمد سيوان أخ الهاشمي اعترفوا باسمها ومكانها، وفي منتصف الليل دخل الجيش الفرنسي إلى بيتها، كسروا النافذة الصغيرة التي كانت نائمة بجانبها بأسلحتهم ودخلوا. كانت حينها مريضة جدا، أخذوها بالقوة رغم صرخات والدتها وحسرة والدها الذي طلب منهم أن يرافقها، لكنها رفضت ذلك. تعرضت إلى تعذيب كبير، حيث أرغمت على أكل الملح والفلفل حتى تمزقت شرايين قلبها وأرجعت الدم من فمها وتم ضربوها ضربا مبرحا، وكانت تسمع في الغرفة المجاورة صراخ صديقتها في النضال باية سلاماني من شدة التعذيب بالكهرباء، بقيت 3 أشهر بالمخيم وتعرضت لسلسة من الأزمات القلبية التي استدعت نقلها إلى المستشفى، وبسببها أطلق سراحها لاحقا. بعد الثورة واصلت التعليم مع حزب جبهة التحرير، وبما أنها كانت عضو مع محمد فارس رئيس فيدرالية المعلمين قرروا وضع تأطير وتكوين المعلمين باللغة العربية من الابتدائي، وما فوق باللغة الفرنسية ليتم فتح المدارس في الجزائر كتحدي للاستعمار الذي قام بحرق المدارس، وتم إرسال لكل الولايات التي كان عددها 15 آنذاك وتم جمع المعلمين وتم تكوينهم في أوت وسبتمبر، لفتح كل المدارس في أكتوبر وعملوا ليل نهار في دار المعلمين ببوزريعة أين كانت كل الأقسام ممتلئة، ونجحوا في رفع التحدي وفتح المدارس في 15 أكتوبر 1962. قامت الفقيدة بتكوين ثلاثين معلمة باللغة العربية وثلاثين معلمة باللغة الفرنسية، في غضون شهر في دار المعلمين والمعلمات، وحتى التكوين المهني والحرف اليدوية. كانت الأمينة المكلفة بالتنظيم بالاتحاد النسائي في 1966، ثم انتخبت أمينة عامة في 1969 حتى 1974. علما أن أول نواة للاتحاد النسائي الجزائري تشكلت في ماي 1962، وضمت النواة أسماء نسائية معروفة في النضال والجهاد، أمثال زهور زيراري، ولويزات أغيل أحريز، وزهور بعزيز، فاطمة زكال، شامة بوفجي، والممرضة سكينة آيت سعادة. وهكذا كان ميلاد أول اتحاد نسائي جزائري على أبواب الاستقلال، حيث دخلت النساء مباشرة من النضال والجهاد في الجبال إلى نضال من أجل انتزاع حقوق النساء في التعليم، خاصة في الأرياف والمدن الداخلية، حيث أن البنات كن لا يذهبن إلى المدارس، كما دافع الاتحاد عن حقوق النساء السياسية والاجتماعية وعلى رأسها الحق في العمل، ومعركة قانون الأسرة، لهذا فأول احتفال بثامن مارس في الجزائر كان في 8 مارس 1965، حيث تطوعت فيه نساء الجزائر لتنظيف شوارع العاصمة من النفايات بعد انسحاب الموظفين الفرنسيين. يومها خرجت المجاهدات والمناضلات والمسبلات والمعلمات الشابات والعجائز، ولم يتخلف أحد يومها عن شن أكبر حملة في تنظيف شوارع العاصمة، بداية من بلكور إلى ساحة الشهداء، وجهوا نداء لسكان العاصمة كل من كان يملك سيارة أو شاحنة أوعربة للنقل سخرها في ذاك اليوم لحملة التنظيف، الحملة بدأت من مقر دار الشعب «الاتحاد العام للعمال حاليا» يومين قبل الثامن مارس، حيث لبست النساء المآزر البيضاء وشمرن على سواعدهن في الطواف بالمكانس ودلاء الماء على شوارع العاصمة. تم يومها دمج الاتحاد النسائي مع اتحاد العمال، وصبيحة يوم الثامن مارس 1965 تنقلن بين دار الشعب وقاعة الماجستيك «الأطلس حاليا» مشيا على الأقدام، وقبلها قمن بتدشين أول روضة للأطفال قرب دار الشعب، حيث قامت فاطمة زكال بإزالة الستارة عن اللوحة التي تحمل اسم أصغر شهيدة قتلت في مظاهرات 11 ديسمبر، صليحة فرحات. بعدها انطلق الوفد مشيا على الأقدام إلى قاعة الماجستيك. وقد تقرر منحها شرف إلقاء أول كلمة باسم الاتحاد النسائي واتحاد العمال، وهذا باقتراح من فاطمة زكال، علما فإن صاحبة فكرة الاحتفال بالثامن مارس كانت المجاهدة وطبيبة الثورة نفيسة قايد حمود، المعروفة بنفيسة لليام زوجة الطبيب لليام، الذي كان في الولاية الثالثة، والتي مثلت الجزائر في احتفال بالثامن مارس في ألمانيا، وبقيت في رأسها تجسيد الفكرة في الجزائر، وكانت هي أول رئيسة للاتحاد بعد إنشائه. سهام.ب