قرابة 7 آلاف شهادة حول أحداث الثورة التحريرية تم جمعها لحد الآن، بعد عامين من انطلاق العملية التي تكفل بها المتحف الوطني للمجاهد ولواحقه عبر مختلف مناطق الوطن، والتي تشكل مادة خام للمؤرخين والباحثين، لاستخدامها في كتابة التاريخ. إن حرص الدولة على إعطاء عملية جمع الشهادات عن الثورة التحريرية بعدا وطنيا، يأتي في إطار مساعيها لتدوين التاريخ والمساهمة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وهو ما جعل المتابعين والمهتمين بهذا الجانب يؤكدون على أهمية المرحلة الراهنة في تدوين موضوع «كتابة تاريخ ثورة التحرير المظفرة»، نظرا لتقدم سن المجاهدين، «وللسن حكمه»، بالإضافة إلى أن أغلبهم انتقل إلى العالم الآخر وهم يحملون أسرارا عن هذه الثورة قد تكون غاية في الأهمية. توضح «الذاكرة المدونة» في غالبية الكتب التي تسلط الضوء على موضوع «كتابة تاريخ ثورة»، أن هذا النوع من الكتابات تأخر في الجزائر، حيث لم تبدأ بشكل جدي إلّا بعد نهاية فترة الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم آنذاك تنظيم سلسلة من الندوات والملتقيات عبر ولايات الوطن، من تنشيط مجاهدين ومؤرخين بهدف تحصيل مادة تساهم مستقبلا في كتابة تاريخ الثورة. غير أن بدأ، خلال السنوات الأخيرة سباق ضد الساعة لجمع ما يمكن جمعه من شهادات، «ممّن تبقى على قيد الحياة» من المجاهدين والمجاهدات، من خلال العملية التي أوكلت للمتحف الوطني للمجاهد والتي ماتزال مستمرة، حيث وصل عدد اللقاءات الجماعية التي ينظمها إلى 102 لقاء لحد الآن. صحة الشهادات قبل توثيقها هذه الشهادات التي تحصل عليها المتحف هي عبارة عن مادة خام، بالإضافة إلى جمع الأرشيف من 12 دولة، تحضر وتدرس من طرف لجنة علمية مختصة، على أن يتم تسليمها فيما بعد للباحثين والمؤرخين والمهتمين بتاريخ الجزائر وثورة نوفمبر 1954، حيث يتم استقبال 15 مجاهدا في لقاء جماعي، يخصص لموضوع من مواضيع الثورة، وينشط هذه اللقاءات أساتذة جامعيون ومؤرخون وصحافيون مختصون في التاريخ الوطني. وقد سمحت العملية بإنشاء 42 متحفا مجهزا بوسائل حديثة وعصرية، وإحصاء 3009 مقبرة للشهداء و1212 مركز تعذيب عبر كامل التراب الوطني، وضبط الكثير من الأمور والملفات المتعلقة بالتاريخ والمجاهدين وغيرها، بحسب المعلومات التي أوردتها الجهة المعنية. بالنسبة لتأطير هذه الشهادات وهيكلتها والإشراف على تنظيمها وتوثيقها، فإن ثمة تدابير صارمة اتخذت في هذا الشأن، حتى تتم عملية التسجيل بطريقة علمية وتقنية سليمة وذلك من خلال مراعاة عدة عوامل؛ يتعلق الأمر في هذا الشأن بمكان التسجيل وطريقة التقاط الصوت وإخراج الشهادات وضمان وجود مادة أساسية ذات نوعية، لتوضع بعد ذلك بين أيدي المختصين، بحسب ما ذكر مدير المتحف في أحد تصريحاته السابقة للصحافة. لكن ماذا بعد جمع كل هذه الشهادات، التي يريد المتحف الوطني للمجاهد أن يسابق الزمن من أجل إحصائها وعدها عدا؟ هنا يأتي دور المؤرخين، الذين يتولون فحص المادة التاريخية والتدقيق فيها ومقارنتها والبت فيها فيما بعد. كما يقع على عاتقهم مسؤولية التأكد من صحة ما يدلي به المجاهد أو المجاهدة من شهادات، عن هذه الفترة الهامة من تاريخ الجزائر. الحالة النفسية للمجاهدين تؤثر على مدى صحة الشهادة التي يدلي بها والتأكد من مدى صحة هذه الشهادات، يتطلب عملا آخر قد يضطلع به أشخاص غير المؤرخين، كالنفسانيين، على أساس أن الوقائع التاريخية التي عايشها المجاهدون أصحاب الشهادات، تختلف من مجاهد لآخر، ورواية الوقائع تكون حسب الظروف النفسية التي كان فيها أثناء وقوع الأحداث. هذا العامل الأساسي كان قد ركز عليه المرحوم عبد الحميد مهري في أحد لقاءاته مع الصحافة حول تاريخ الثورة، حين قال إن شهادة الذين عايشوا أحداث هذه الأخيرة تختلف روايتها من مجاهد لآخر، وذلك حسب الظروف النفسية التي كان فيها المجاهدون آنذاك، مع الإشارة إلى أن هذه القامة «أي مهري» كان قد دوّن شهادته في كتاب. في خضم السباق مع الزمن، بحثا عن معلومات في غاية الأهمية، كونها تمثل موروثا غير مادي، يؤكد عديد المهتمين بالتاريخ، أنه حان الوقت للمختصين والمؤرخين أن يقوموا بعملية بحث معمقة في تاريخ الجزائر بصفة عامة وتوثيق هذه الحقائق وتدوينها بحلوها ومرها، كونها تبرز نضال وكفاح الشعب الجزائري عبر مختلف مراحل تاريخه، دون تغليط أو تحريف أو تزييف، لتبقى نبراسا يضيئ الطريق للأجيال القادمة ويحافظ على ذاكرة الشعب.