تختفي وراء موجة الانفتاح الإعلامي محليا ودوليا ظاهرة «الجوسسة الاقتصادية»، والقرصنة المعلوماتية التي لا تعفي الاقتصاد الوطني وكبريات الشركات في ظل تنافسية الأسواق. «من يملك المعلومة يملك القرار»، هي قاعدة تلقي بظلالها على المفاوضات والمحادثات حول المشاريع والصفقات، ولذلك كان لزاما توخّي الحذر في الكشف عن الخيارات قبل أن تنضج الملفات والتزام خط سير متبصر لا مجال فيه للمغامرة حماية لمصالح المؤسسة أو المتعامل أو المستثمر. إنّ الانفتاح الإعلامي الواسع الذي يمثل قيمة إضافية للاتصال في الجزائر يحدث بلا شك فجوات تتسرّب منها معطيات ومعلومات وأرقام، ومشاريع ترتبط في الجوهر بالأمن الاقتصادي والمالي، الذي يتحمّل الصحفي مسؤولية غير مباشرة في حمايتها بالتحكم في المهنة من حيث إدراك الخطر الذي يتربص بالمؤسسة إذا كانت أسرارها وعناصر قوتها في متناول منافسيها. بالطبع أمام هكذا واقع لا مجال فيه للقيم والأخلاق، ينبغي توخّي الحذر في تسريب المعلومات والتحكم في مساراتها لحماية القدرة الذاتية للمؤسسة أو المتعامل. لذلك من حق أي شركة أو متعامل خاصة المؤسسات الحيوية اتباع أسلوب حذر في التعاطي مع الساحة الإعلامية، بحيث لا تضع كل معطياتها في المتناول. غير أنّها حتى لا تسقط في مشكلة أخرى هي الانغلاق على الذات والعزلة، ينبغي لها أن تدعّم هياكلها المكلفة بالاتصال بكفاءات احترافية تملك المؤهلات لإحداث التوازن بين واجب تقديم المعلومة في وقتها والتزام حماية أسرارها، بحيث تكون لكل مؤسسة أو هيئة شركاء في الإعلام يدركون أهمية وخطورة نشر معلومة من غيرها. إنّ السّاحة الإعلامية المحلية تبدو أكثر هشاشة بحيث لا سرّ فيها ولا احتياط، فالكل يكشف الكل دون تقدير للعواقب أو مراعاة المصلحة الاقتصادية الوطنية، والتي قد ترتبط برقم أو مشروع أو خيار قد يستثمر فيه المنافس أو الشريك المحتمل من خلال اطّلاعه على الأرقام والإحصائيات الدقيقة أو الخيارات الإستراتيجية، فيستثمر فيها لمصالحه بلا عناء. هنا تبرز أهمية تقدير المسؤولية من كافة المتدخّلين، إلى درجة أنّه لا ينبغي نشر كل ما يعرف مثل رقم الأعمال والمشاريع المسطّرة والموارد والكفاءات التي تتوفّر عليها المؤسسة الاقتصادية من أجل تحصين الجبهة الداخلية، وحماية حصصها في الأسواق التي تشتد فيها المنافسة. لكن أين نحن من الأمن المعلوماتي وتأمين الشبكات الالكترونية والحيطة من الإفراط في استعمال البريد الالكتروني؟ في وقت أوردت فيه مصادر إعلامية أنّ شركة كبرى تعرّضت لقرصنة أشبه بالجوسسة لسنوات من خلال اختراق حواسيبها أو الوصول إليها بيسر، ما يجعلها عرضة للابتزاز أو يضعف مركزها التفاوضي في وقت تشتد فيه التنافسية في الأسواق. المفروض أنّ شركات من هذا الحجم - كما هو في كل العالم - تكون على درجة من اليقظة، فتحرص على تأمين مصادرها وحماية أسرارها ممّا يعزز موقعها في السوق ويحرم منافسيها من الاطلاع على كل ما له صلة بالقوة المالية والمشاريع الاستثمارية والمخطّطات المسطّرة.