أعطى الديوان الوطني للإحصاء صورة دقيقة عن الصناعة الجزائرية، التي توجه إليها العناية والاهتمام، باعتبارها مصدرا أساسيا في خلق الثروة والعمل، ويراهَن عليها في الانطلاق وفق المتغيرات الجديدة التي أخذتها الإستراتيجية الوطنية مأخذ جد. وذكر الديوان في تحقيق ميداني يخص الثلاثي الأول من العام الجاري، ما حققته الصناعة الجزائرية وما عجزت عنه لأسباب موضوعية وذاتية في آن واحد، مؤكدا على جملة من الخيارات الواجب توفرها للإقلاع بأسرع ما يمكن، دون المزيد من الانتظار وإعادة هيكلة أخرى مكلفة لا يسمح بها الظرف وتقرها المرحلة. وشمل التحقيق الذي مس 740 مؤسسة، أغلبها خاصة، جملة من الحقائق والعقبات التي تعترض الصناعة الجزائرية وتفرض تسويتها دون تأخر، لبلوغ منظومة اقتصادية يكون التنافس فيها على الأجود بروح الابتكار والإبداع، بعيدا عن عقلية البايلك والتسيب وقاعدة '' كل على ما يرام''. أولا أن التموين بالمواد الأولية يبقى دون الحاجيات والطلب، الأمر الذي يعيق الإنتاج ورفع الأداء الصناعي، ليس لتزويد السوق الوطنية بالسلع والخدمات الضرورية، بل التصدير إلى الفضاءات الاقتصادية الحرة التي يسمح بها اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية للتجارة الحرة، في انتظار اقتحام الجزائر إلى مناطق أخرى منها الإفريقية والمنظمة العالمية للتجارة. ثانيا أن النقص المسجل في التموين بالمواد الأولية التي تشكو منه غالبية المؤسسات، أدى بها إلى التوقف الإجباري عن النشاط لمدة وصلت أحيانا إلى 30 يوما، و هي مدة طويلة بعض الشيء توحي بالوضعية الحرجة التي تعيشها المؤسسة الجزائرية التي حملت مسؤولية رفع الإنتاج والإيرادات خارج المحروقات. ثالثا أن النشاط الصناعي تعيقه الانقطاعات المتكررة للكهرباء التي باتت ظاهرة مألوفة واعتيادية من سونلغاز، بدل الاستثمار في مجال توفير الطاقة بصفة أبدية تنهي الكابوس المفزع. لأن الانقطاع المتكرر للكهرباء تمس بصورة سونلغاز التي قطعت أشواطا معتبرة في إنتاج الطاقة وتصديرها إلى أوروبا، وتسبب انقطاع الكهرباء ل 73 مؤسسة في التوقف عن العمل لأزيد من أسبوع. ويلاحظ من خلال تقييم النشاط الصناعي الوطني، أن المؤسسة الجزائرية تعي ظروف المرحلة وتداعياتها، و تعمل ما في الممكن من أجل تحصين نفسها من التقلبات والطوارئ، ولم تعد المؤسسة تكتفي بالموجود، لكنها تخطط لما يأتي عبر توفير المخزون لتلبية طلبات الزبائن في الوقت، حفاظا على علاقة الثقة المرتسمة في الميدان والمصداقية المرسخة التي تحمل قيمة لا تقدر بثمن. واعترف أكثر من مسؤول بأن الأزمة المالية العالمية والظروف التي رافقت سياسة التعديل الهيكلي وتداعيات اتفاق ''ستاند باي'' مع مؤسسات برتون وودز قد حتمت العدول عن العمل الارتجالي، بل المخطط لبلوغ أهداف محددة. وهي تحتفظ ''بخارطة طريق'' تراهن عليها في رفع الأداء الإنتاجي وتسويقه بالسعر التنافسي. وتحتفظ أزيد من مؤسسة وطنية بعقود تصدير يبنغي تلبيتها خلال الأشهر القليلة القادمة.