العقدة التي ظلّت تلازم أغلب شبابنا العربي. هي شعوره بالدونية إزاء واقعه المعيشي. فهو يرى بأن الغرب وأوروبا بالخصوص هي مصدر الحضارة. نظير ما يشاهده ويتابعه من بريق ولمعان بل من إعلام يصف له الجنة في أسمى معانيها. دون إدراك ووعي منه بحجم الفوارق والمفارقات التي تتصف بها أغلب المجتمعات والدول والخصوصيات الدالة على التنوع والتباعد والاتساق وهذه سنة الحياة (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا صدق الله العظيم ) لذلك فهو يتشبث بالتقليد حتى لا نقول الذوبان في حياة الآخر الذي يراه أكبر وأقوى منه. فهل من الأجدر أن نقول أن غياب عوامل الوعي هي الأساس أم نوظف مصطلحا آخر كالمعرفة والثقافة والوازع الديني ؟ أشياء من هذا القبيل جلها يشكل حضورا واسعا في عقول لا نستطيع تحديد عمرها فأنت تجد شخصا عربيا بلغ من العمر عتيا لازال يتأثر ومولع بالتقليد. وفي المقابل تجد شابا جامعيا متمدرسا يفعل نفس الشيء إذا المسألة ليست مسألة أعمار بقدر ما هي مسألة فهم وتفسير واستنباط وقراءة تمحيصية للذات وتأثيرها المباشر وغير المباشر بالعالم وبالمجتمعات الأخرى. مقولة ابن خلدون المغلوب مولع بتتبع الغالب مازالت تلقى مفعولها بقوة وقبله قال المتنبي (ومن ين يسهل عليه الهوان. الجرح إلا بميت إيلام). لقد حاولنا أن نجد تفسيرا وافيا لهذا التأثر المشين انطلاقا من احتفالات رأس السنة الجديدة. ولماذا ينغمس معظم الناس أسرا وأفرادا في طقوس لا يفقهون لها آخرا ولا أولا. فأنت إذ سألت شابا (لماذا تحتفل هذه اللحظات. فهو يجيبك إجابة بسيطة نمطية... وإذا استرسلت معه. وجدت نفسك في دائرة من الخواء الفكري والروحي... ) المهم التقليد فقط وتخرج بنتيجة مفادها أن المعني يدفع مع الكل بكلتا يديه عربة بحمار ميت ؟ ثم تحاول أن تتفلسف معه قليلا... على شاكلة أنه عيد ميلاد عيسى المسيح عليه السلام. وأن الأوربيين مخطؤون مئة بالمئة في تحديد هذا التاريخ لأن القرآن الكريم يقول بأنه ولد في شهر الصيف \ ولو سلمنا بأنهم غير مخطئين....فما علاقتك يا صاحبي أنت بالحدث... ولماذا الشاب الأوروبي لا يحتفل بمولد نبيك المصطفى أو بعاشوراء أو بمحرم.. أليست محطات هامة في تراثنا...أم أنه وجب علينا التفريط بهذا التراث والمقدسات ورميها في مزبلة التاريخ.... نعيش بأجسادنا هنا وبأرواحنا هناك مفصولي. الفكر والهوية... أم أننا شعوبا وأفراد لا نريد العيش بلا هويات وتقاليد ومناسبات تبعث في نفوسنا الرشد والطمأنينة ؟ من هذا المنطلق صنع الإنسان العربي من حولة دائرة من التذليل ومشنقة تستدرجه وتستدعيه متى شاءت ورغبت إلا من رحم ربك. لأنه دوما ظلّ ولازال ينخرط دون تبصر وبصيرة. ثم هو يمارس موبيقات كبرى إذا نحن حاولنا أن نضع معضلة مثل هذه في ميزان حضاري لو قلنا بأنه يمارس المفاضلة بين الأنبياء والعياذ بالله. حينما يقدس هذا النبي بإفراط تام ويتناسى ذاك. والأخطر إن كان هذا النبي أرسل إلى أمته وأقوامه؟ا ويمتهن سلوك الكيل بمكيالين. فقط هي نقطة تدل على حجم احتقار الذات وجلدها بناءا على قناعات شكلية لا صلة لها بواقع صاحبها. حيث يقول بعض الملاحظين أنه على العربي إذ كان يعيش في بلاد الغرب فلاحرج في ذلك خاصة إذا اعتنق دينا غير دين أهله وأمته وأبدل جنسيته. أما أن تعيش في بلاد المسلمين وقناعاتك وفكرك غير فكرهم وتمارس طقوسا وتقاليدا ليست منهم فأنت تعيش طول الدهر شيزوفرينيا مفصول الشخصية ومضطرب نحو أجل غير مسمى؟ الجزائريون ليسوا وحدهم في هذا المضمار بل كثير من أمثالهم في هذا العالم الثالثي والعربي بالخصوص من يعيشون صدمة كبرى لا يجدون لها تفسيرا.. بل هي ككرة الثلج تكبر في نفوسهم. حتى تقتل فيهم خصوصياتهم فلا هم عربا أقحاحا ولا أوربيين أفراحا...؟ ونتذكر هنا مقولة المفكر والعلامة التنويري محمد عبده: (زرت بلاد الغرب فوجدت إسلاما بلا مسلمين وعدت لبلاد العرب فوجدت مسلمين بلا إسلام) فشتان إذا في من يتلذّذ التقليد الأعمى على غير قناعات.وهو يدرك بأنه ينحو صوب المنحرد. شاعر وصحفي جزائري عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.