مرّة أخرى، ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد، تعرض المسجد الأقصى لعدوان سافر من طرف اليهود المتطرفين، الذين اقتحموه خلال احتفالهم بما يسمى ''يوم الغفران'' أو يوم »الكيبور«، ولم يجد ثاني الحرمين ككل مرة أيضا من يدافع عنه غير أبناء القدس العزل الذين هبوا بكل شجاعة ونخوة يحمونه بصدورهم وظهورهم العارية دون إكثرات أو مبالاة للموت الذي يتربصهم على أيدي الصهاينة وقواتها الغاشمة. العدوان هذا ليس الأول ولن يكون الأخير، فهو حلقة من سلسلة متواصلة من الاعتداءات تتوزع بين الهدم والحفر وبناء الأنفاق والاقتحام والتدنيس، لتكتمل السلسلة كما هو مخطط له ومعلن عنه، بإعادة بعث الهيكل من مكانه الأصلي، أي في نفس المكان الذي يقوم عليه المسجد الأقصى، وهذه المهمة هي غاية كل يهودي ولن يدخر أي جهد أو تثنيه أي عوائق في سبيل تحقيقها. فاليهود والصهاينة، لم يخفوا يوما وحتى قبل احتلالهم لأرض فلسطين بأنهم عازمون على إعادة بناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى، لجلب أكبر عدد من اليهود لتوطينهم أرض سليمان أو على الأقل للحج إليها. وهيكل سليمان، يعتبر من أبرز الأماكن المقدسة التي تحظى باهتمام بالغ لدى اليهود وتحتل مكانة خاصة داخل وجدانهم، فهو بالنسبة إليهم »كنز اللّه« الذي خلقه بكلتا يديه في حين خلق السموات والأرض حسبهم بيد واحدة .. وهو متربع في قلب وعقل كل اليهود يذكرونه في كل وقت وفي كل مناسبة ويحتفلون بذكرى هدمه في التاسع أوت من كل عام بالصيام ويصلون من أجل أن يمكنهم الله من المشاركة في إعادة بنائه طبعا بعد هدم المسجد الأقصى. إعادة بناء الهيكل مكان الأقصى أمر مفروغ منه بالنسبة لليهود الذين جهزوا كل شيء لتحقيق حلمهم منذ عشرات السنين، فقد جمعوا الأموال اللازمة من كبار رجال الأعمال اليهود عبر العالم. ووضعوا التصميم الهندسي، بل وحتى الحجارة اللازمة للبناء بحثوا عنها ووجدوها في صحراء النقب وجمعوها، وهناك من يجزم بأن الشروع في بناء الهيكل يتم منذ سنوات من خلال الحفريات والأنفاق التي تم تشييدها تحت الأقصى، كالنفق الذي بني عام 1996 بطول 2000م ويذكر الجميع ما خلّفته هذه العملية من غضب عارم ورد فعل عنيف من طرف الفلسطينيين، تحول الى مواجهات أو ما يعرف بانتفاضة الأقصى التي انفجرت كرّد فعل على تدنيس شارون لباحة الأقصى، لكن اسرائيل التي لا تعير أدنى اهتمام لمشاعر المسلمين ولا لمقدساتهم انطلاقا من معتقدات دينية عجيبة تُقر بسمو الشعب اليهودي على الشعوب الأخرى، وترسيخا لمبادئ عنصرية استعمارية تقوم على أحقية اليهود والصهاينة في إقامة دولة عنصرية على حساب شعب آخر، ماضية في تحقيق حلمها وتجسيد هدفها بكل اطمئنان وراحة بال لكونها خلال التجارب الماضية، تدرك بأنها لن تجد أي مواجهة من طرف المسلمين، وكل ما قد تواجهه هو صدور الفلسطينيين وظهورهم العارية.. الأقصى في خطر والذين يستبعدون احتمال اقدام اليهود على إعادة بناء الهيكل على أنقاضه خشية رد فعل المسلمين مخطئون حتما، لأن اليهود ومن ورائهم الصهاينة وساسة إسرائيل لا يعترفون بالخطوط الحمراء ويعيرون اهتماما للعواقب، إذا تعلق الأمر بمسألة الهيكل المقدس. وإذا كان اليهود لم يباشروا الى اليوم بناء هيكلهم، فليس خوفا من المسلمين، لأن السبب الحقيقي وراء هذا التأخر مرتبط بخلاف عقائدي قائم بين اليهود أنفسهم، فهناك مجموعات دينية ترى بضرورة التعجيل ببناء الهيكل، لأن ذلك يعجل بقدوم المسيح الذي سيأتي بالخَلاص لليهود ويقضي على غيرهم من المِلَل والشعوب في العالم، وهناك مجموعات أكثر تعصبا وتشددا، تصّر على أن لا يتم بناء الهيكل إلا بيد المسيح المخلص نفسه، لهذا فهي متمسكة بانتظاره. وعلى اختلاف الموقفين، فاليهود جميعهم متفقين على أن المسجد الأقصى يقوم على مكان الهيكل وهو الذي يعوق قدوم المسيح وبالتالي خلاص اليهود وهلاك غيرهم لهذا من الضروري حسبهم هدمه أولا. التجارب علّمتنا بأن إسرائيل تهدد وتنفّد وعلّمتنا أيضا بأن قيادات العرب والمسلمين تستنكر وتندّد وتدفن رؤوسها في الرمال ساعة يحين الخطر، لكن الأيام والتجارب علمتنا أيضا بأن الشعب الفلسطيني سيدافع الى آخر قطرة من دمه عن الأقصى وكل فلسيطن شرف العرب والمسلمين.