أحدث الحجم الساعي الذي أقرّته وزارة التربية الوطنية تساؤلات لا متناهية لدى المعلمين والأساتذة في الطورين التكميلي والثانوي إلى درجة دعوة الوصاية إلى مراجعة هذا التوقيت وفق رؤية بيداغوجية، بعيدا عن أي قراءات أخرى والتي تريد إجبار المعلم أو الأستاذ على تأدية عمل يقدر ب 22 ساعة أسبوعيا. هذا الإنشغال الموجود لدى وزارة التربية، حتم على مديري المؤسسات التربوية التحرّي بدقة في جداول المعلمين والأساتذة وجعلهم يلتزمون بكل ذلك الحجم الساعي القانوني، مهما كان الأمر ومهما كلف ذلك من آثار مستقبلية على المنظومة التربوية خاصة فيما يعرف بالمردودية. وفي هذا الشأن، فإن التوجه القائم على تحسين مستوى التلاميذ، تحوّل إلى هاجس حقيقي حتى تسجل النتائج المرجوة في إمتحانات السنة الدراسية لذلك، فإن ما يعرف بدروس الدّعم والإستدراك يتناقض تماما مع هذا التوقيت الجديد الذي يمتد إلى غاية الخامسة والنصف مساءً.. فماذا بقي في ذهن هذا التلميذ؟ سؤال يطرح بإلحاح ونحن في بداية السنة ليس عيبا في إعادة النظر في هذا التوقيت. ونحن هنا لا نجعل مسافات فاصلة بين التلميذ ومعلمه أو أستاذه وإنما هي حلقات متكاملة، فالضغط البيداغوجي الذي يشعر به التلميذ هو نفسه الذي يحسّ به الأستاذ وكلما خففنا هذا التوقيت تكون هناك قابلية أكثر من الطرفين للعمل وفق معايير ومقاييس متعارف عليها في كل أبجديات التعليم. وفي هذا الإطار، قال لنا المربي (ي. ع) من إكمالية (ح. ص)، أمضى31 سنة في هذا القطاع، أن التصوّر الحالي للحجم الساعي لا يرافق التلميذ في كل الأطوار من أجل أن يجد فضاءات مفتوحة على التلقين الجيد والمراجعة المريحة حتى يتمكن من إستيعاب كل ما تم دراسته في اليوم الواحد. والذين وضعوا هذا التصور المطبق اليوم في الميدان، لم يراعوا اهتمامات التلميذ خارج المدرسة، فهناك العديد منهم متألقون في أنواع الرياضات الفردية والجماعية، وملتزمون بمواقيت معينة لحضور الحصص التدريبية، فلماذا نحرم هذه المواهب من التطور أكثر فأكثر في هذه الرياضات، وهذا عندما نحتفظ بهم إلى غاية الخامسة والنصف. ومن جهة أخرى، أي وقت إضافي بعد تلك الساعة المحددة للخروج، يستفيد منه هذا التلميذ لتأدية الواجبات المطلوبة منه من طرف معلميه وأساتذته، وكيف الحال إن جاءت كل هذه الواجبات مرة واحدة، ونقصد في ليلة واحدة، نحن فعلا أمام إشكال حقيقي إن تواصل الحال على هذا المنوال. وفي هذا السياق، فإن المربي (ي. ع) تأسف لعدم قيام وزارة التربية الوطنية باستشارة المعنيين المباشرين العاملين في الميدان قصد إيفادها بجملة من الإقتراحات العملية التي تسمح لها فعلا بالوصول إلى التصور المرجو والذي يكون مبنيا على أسس بيداغوجية أولا وقبل كل شيء يختلف إختلافا جذريا عن الساعات في القطاعات الأخرى. ورغم هذا النقص الفادح في الاتصال، فإن المدارس التي تشهد إكتظاظا ستكون عرضة لكل الآثار المترتبة عن هذا التوقيت، تتمثل أساسا في نقص القاعات، والورشات وكل ما يترتب عن الفعل البيداغوجي في الميدان، لأن الحجم الساعي قفز عن المرجعية المتعارف عليها ليصل إلى 7 و8 ساعات يوميا من الدراسة، وفي العملية البيداغوجية، فإن مثل هذا التصعيد سيعود بالسلب على الدارسين، خاصة من ناحية التركيز، وما يثير الدهشة والحيرة هنا هو أن هناك من الأولياء من يحتّمون على أبنائهم الذهاب إلى الدروس الخصوصية خارج المدرسة لدى أناس يمتهنون فن إعطاء الدروس بأسعار خيالية، تنمّ عن تلك الذهنية المبنية على التجارة، فهل بإمكان هذا التلميذ أن يتحمّل كل هذه التجاذبات بين داخل وخارج المدرسة؟. وعليه، فإن الحجم الساعي للتلميذ يجب أن يتم تخفيضه من 32 ساعة إلى حوالي 27 ساعة، وهو المنطق المقبول بيداغوجيا يسمح على الأقل بتوزيع مريح للمواد المقررة في البرنامج من خلال التحكم في مبدأ إيصالها للتلميذ دون أي خلفيات أخرى حتى الأستاذ يجد نفسه في مقام أحسن لتبليغ رسالته التربوية لهذا الجيل.. ويعمل من أجل تزويد التلميذ كذلك بكل متطلبات التعليم والإستفادة بالقدر الكافي من المعلومة المقدمة له. ولا يستبعد المربي (ي. ع) بأن تسارع وزارة التربية من أجل إدخال إصلاحات عميقة على الحجم الساعي، حتى يكون ذلك متوافقا مع مبدأ تخفيف البرامج، المحور الذي توليه الوصاية أهمية قصوى حاليا.