ورشة إصلاح المنظومة التربوية هي من ضمن الورشات التي فتحتها السلطات العمومية منذ 1999 إلى جانب إصلاح العدالة، ومهام الدولة، والرهان كل الرهان أن يتم اعتماد المرحلية والتدرج في تطبيق المحاور الكبرى الواردة في التقرير النهائي. وعمليا نحن في السنة ال10 من عمر هذه الإصلاحات الحساسة، التي دخلت مرحلتها النهائية والأمل كان معقودا على ترقية العامل البشري وإخراجه من كل الشوائب العالقة بهذا التوجه، ونقصد عدم العودة إلى زمن إثارة المشاكل في هذا القطاع، من خلال الذهاب إلى ما يعرف بالإستقرار الدراسي من السنة الأولى إبتدائي إلى غاية النهائي (قسم سنة الثالثة ثانوي). هذا هو الإنشغال الذي كانت دائما السلطات العمومية تبحث عنه إن عاجلا أم آجلا، إدراكا منها بحقيقة لا مفرّ منها، وهي أنها سخّرت له كل ما تملك من إمكانيات مادية طائلة، الأولى في ترتيب الميزانيات القطاعية للتسيير والتجهيز.. ولابد من ذلك أن تلمس ثمرة هذه الإصلاحات، بعدم الرجوع إلى نقطة الصفر. وهذا وفق تصورات تقرير ملف إصلاح المنظومة التربوية الذي شدد على تحديد آجال عشرية كاملة من أجل أن نتجاوز ''الفترة الإنتقالية'' وندخل في مسار الإستقرار النهائي، وهذا من خلال إنتهاج استراتيجية تقوم على تثبيت كل ركائز الفعل البيداغوجي باتجاه ''الثوابت'' التعليمية تكون عبارة عن مرجعية لكل الأجيال المتعاقبة على المدرسة الجزائرية. ونحن اليوم أمام هذا التحديد لتحقيقه في الميدان وفق توصيات ملف المنظومة التربوية خاصة بعد أن خرجنا من التصور النظري وولوج العمل التطبيقي الذي يسمح حقا باعتماد حيوية أخرى تراعي في كل الأحوال عنصرين أساسيين وهما: العنصر البشري، وعنصر النوعية. لأن كل ما تم وروده في ملف إصلاح المنظومة التربوية يرتكز على هذين الجانبين، لذلك فإن الحرص كان قويا على رعاية هذه الأدوات باتجاه الرغبات العميقة للسلطات العمومية في تطوير العلاقة التلازمية بين التلميذ والمعلم أو الأستاذ وكذلك الوقوف على النوعية أو المردودية الموجودة في أقرب وقت ممكن.. وفي هذا الشأن، كان مقررا أن تقيّم وزارة التربية الإصلاحات في ندوة وطنية لم تعقد حتى الآن. ومن حق السلطات العمومية أن تطالب اليوم، بالحسابات شعورا منها بأنها أعطت بما فيه الكفاية للوصاية من الوقت لترتيب بشكل نهائي معادلة العامل البشري ومسألة النوعية ونقصد المستوى هنا، وكذلك التكوين الذي يفرض نفسه في كل هذا الزخم، علما أن العدد الإجمالي الذي كان مقرر تكوينه حدد ب214 ألف معلم وتلميذ.. بالاضافة إلى أن نسب النجاح في إمتحانات كل الأطوار لم تستقر في سقف معين، بل كل سنة تسجل نسب معينة / من شهادة التعليم الإبتدائي إلى شهادة البكالوريا / .. هذا ما يقلق فعلا السلطات العمومية التي كانت تأمل في رؤية قطاع التربية في مقام أحسن وأفضل، ويخرج أو بالأحرى يتخلص من كل تراكمات الماضي التي إختلطت بمسار الإصلاحات مما صعّب كثيرا أي مسعى ينحو باتجاه الخروج من هذه الشرنقة. ولابد أن يتم تغيير طريقة العمل لدى وزارة التربية الوطنية، وهذا باشتراك كل المعنيين في القرار المتعلق بقطاع التربية .. ولا يكون العمل مع النقابيين فقط، بل يجب أن يتوجه الإهتمام إلى العاملين في هذا الحقل الحيوي ونعني به المعلمون والأساتذة، والمساعدون التربويون.. كذلك، فقد أثبتت التجربة أن إبعاد هؤلاء عن المساهمة في صناعة القرار التربوي يؤدي فعلا إلى عمل مبتور وهذا ما حدث مع إجراء المئزر والتوقيت، أي الحجم الساعي، الذي سوّى بين توقيت العامل في المصنع أو المكتب مع التلميذ في المدرسة، وغيرها من القرارات الأخرى التي أخذت من طرف واحد، دون إستشارة المعنيين ليشعر هؤلاء بالإقصاء والتهميش ويتخذوا مبادرة إصلاح الحجم الساعي وحدهم.