لااعرف لماذا أصر المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بعد فشله المتكرر في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ولو بتجميد الاستيطان لفترة محددة ولا حتى إزالة حاجز على دعوة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى واشنطن ، وماذا سيقول لهم غير الذي كرر قوله كثيرا ، وماذا يريد أن يسمع غير الذي سمعه ؟ ميتشل عاد إلى واشنطن في المرة الأخيرة خالي الوفاض ، بخفي حنين ، حتى انه لم يجد ما يقوله للإعلاميين ، لم يحقق شيئاً في مفاوضاته الممتدة بين تل أبيب ورام الله على مدى شهور، وواجه الرجل في كل مرة خيبة في إسرائيل لا تقل عن سابقاتها ، وعنادا وصلفا في التعامل وعدم القبول بأية صيغة تمهد لاستئناف المفاوضات، على الرغم من المرونة المفرطة التي أبداها الجانب الفلسطيني، فماذا يمكن أن يحقق المبعوث الأمريكي من نقل المشاورات إلى واشنطن وخصوصا بعد أن صوتت بلاده في مجلس حقوق الإنسان ضد الإنسان الفلسطيني وحقوقه ؟ أخشى أن يكون هذا السناتور المشهود له بالحذاقة السياسية قد خلط بين السياسة والأخلاق هذه المرة ، لآن كل انجازاته التي حصل عليها مع إسرائيل كانت مجرد وعود تتبخر بسرعة ولا رصيد لها من الصدق والشرف والالتزام . نتنياهو أكثر من يتحدث عن السلام ولكنه اقل الرجال احتراما لما يقول ، نتنياهو هو الذي يرفض كل اتفاقيات السلام بما فيها الموقعة مع الأردن ومصر ، وهو زعيم حزب )الليكود( المتطرف الذي لا يؤمن بالسلام ، وهو قد وصل إلى رئاسة الحكومة بموجب برنامج سياسي لا يعترف بالسلام ، ويقود ائتلافا حكوميا صهيونيا متطرفا يكره كلمة سلام . فهذا وزير خارجيته افيغدور ليبرمان، يعلن على الملأ وبكل وقاحة عن عدم رغبة حكومته في تحقيق أية تسوية لا استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية ولا امتثالاً لمضمون خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية، ولا حتى تطبيق اتفاقات أوسلو، ولا تحقيقاً لرغبة إدارة أوباما الذي اختصر السلام بمسالة تجميد مؤقت للاستيطان ، فلماذا مشاورات واشنطن ؟ يبدو أن إدارة أوباما العاجزة عن ممارسة أي ضغط على إسرائيل ولو في الحدود الدنيا، والتي انكفأت على وعودها بإطلاق مبادرة للسلام، دخلت في لعبة إضاعة الوقت للإفساح في المجال أمام إسرائيل لاستكمال توسيع مشاريع الاستيطان في القدس والضفة الغربية، ووضع الفلسطينيين أمام )أمر واقع ( لتقديم المزيد من التنازلات وفقاً لمتطلبات الأمن الإسرائيلية كما يرغب تجمع حكومة نتنياهو، بحيث لا يظل للسلطة الفلسطينية ما تفاوض عليه، لا الأرض ولا الدولة ولا القدس ولا حق العودة ولا أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، باعتبار أن أمن إسرائيل هو السلام المنشود . إن حكومة نتنياهو التي تمثل ذروة العنصرية الصهيونية بما تضم من أحزاب وقوى إسرائيلية يمينية متعصبة ومتطرفة. تعرف ما تريد ، وتعرف تماماً المدى الذي يمكن أن تصله الضغوط العربية والأمريكية ، وهي مطمئنة وقادرة على التمسك بموقفها أمام طرفين عاجزين ، وتعرف الكثير عن الوضع الفلسطيني الداخلي ، ومدى التخلي العربي والإسلامي عن قضية لم تعد مركزية . فهل يطول الزمن بالفلسطينيين بعيدا عن الفعل وإعادة الهرم إلى قاعدته ..؟