تعميق الوعي لدى الأجيال الشابة وترسيخ قيم الثورة المظفرة ألقى الفريق قايد صالح نائب وزير الدفاع القائد الأعلى للجيش كلمة في الندوة التاريخية « عبقرية جيش التحرير الوطني في مواجهة الاحتلال الفرنسي» ، أبرز خلالها أهميتها ودلالاتها في الاحتفالية بعيد النصر داعيا إلى تعميق البحث في الجوانب العسكرية لثورة نوفمبر المجيدة واندماج الأساتذة في كتابة التاريخ الوطني بصفته أحد مقومات الهوية الجزائرية، مذكرا بضرورة تعميق الوعي لدى الأجيال الشابة وترسيخ قيم الثورة التي يسير على دربها الجيش الوطني الشعبي لحماية الجزائر وصون سيادتها واستقرارها إليكم ما جاء في الكلمة مفصلة. بسم الله الرحمن الرحيم أحرص في البداية على أن أرحب ترحيبا خاصا بالمجاهد الطاهر زبيري الغني عن كل تعريف، الذي شرفنا اليوم بالحضور في هذه الندوة التاريخية الهامة، معالي السادة الوزراء، إخواني الكرام رفاق الجهاد والسلاح، حضرات الضباط، أيها الحضور الكريم، يطيب لي في البداية، أن أعبر عن بالغ امتناني بحضور والإشراف الرسمي على افتتاح أشغال هذه الندوة التاريخية الهامة، التي أردنا أن تنظم بمناسبة احتفال بلادنا بالذكرى ال55 لعيد النصر، ورأينا بان يكون موضوعها متوافقا مع رمزية هذه الذكرى العظيمة والمجيدة، فإبراز»عبقرية جيش التحرير الوطني في مواجهة الاحتلال الفرنسي، هو موضوع نرى أنه يحتاج دوما إلى المزيد من التمحيص وإلى المزيد من التأمل وإلى المزيد من الاستحضار، حتى تعرف أجيال الاستقلال عظمة النصر المحقق وعبقرية من حققوه، فذلكم هو موضوع هذه الندوة، وتلكم هي الغاية من النتائج المرجوة منها، كما يطيب لي في مستهل هذه الكلمة الافتتاحية لأشغال هذه الندوة التاريخية، أن أتوجه بأطيب عبارات الترحيب لمعالي الوزراء وللسادة المجاهدين رفقاء الجهاد وللسيدات والسادة الضيوف الكرام، وأن أخص الجميع بجزيل الشكر على تلبية الدعوة وتشريفنا بالحضور، ولا شك أن الولايات الستة التاريخية، التي سيمثلها إخواننا المجاهدون بمداخلاتهم وشهاداتهم الحية، عن التنظيم والتسليح والأعمال القتالية لجيش التحرير الوطني، ستلقي المزيد من الضوء على موضوع هذه الندوة التاريخية، وتسهم بالتالي في تسهيل إظهار ما تميز به جيش التحرير الوطني، من عبقرية لا تضاهى في مجال القدرة الفائقة على التكيف مع متطلبات العمل الميداني، والقدرة على الاستغلال العقلاني للوسائل البسيطة الموجودة في الحوزة، لاسيما في الفترة الأولى من الثورة التحريرية، والقدرة على مواجهة أساليب الدعاية التي لم يمل العدو من اللجوء إليها، هادفا من خلالها إلى إيجاد شرخ بين جيش التحرير الوطني وعمقه الشعبي، وذلك بعدما فشلت وسائله المادية والبشرية وحتى الدبلوماسية والسياسية، عبقرية تجلت أكثر فأكثر في مجال التنظيم والتسليح وأيضا في مجال أساليب الأعمال القتالية التي كانت تتنوع بتنوع أساليب الاستعمار، لقد اعتقد العدو أن الأمر يقاس بنوعية الوسائل المادية والتسليحية والبشرية المجندة، واكتشف في الأخير أن كل ذلك ليس كافيا، ما لم يرتبط برؤية عبقرية مسنودة بمد شعبي جارف، ومشحونة بقيم وطنية وإنسانية راقية، ولا شك أن تزامن تنظيم هذه الندوة التاريخية الهامة، مع احتفال بلادنا هذه الأيام بالذكرى ال55 لعيد النصر، سيجعل منها دلالة أخرى قوية ورمزية، على مدى الأهمية التي نوليها في الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني لعمقنا التاريخي، مستعينين في ذلك بدعم وتوجيه المجاهد فخامة السيد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، الذي يولي أهمية قصوى لتاريخنا الوطني باعتباره عنصرا أساسيا من عناصر مقومات شخصيتنا الوطنية، استخلاص الدروس وتحليل أسباب النصر والأكيد أن الأهداف المراد تحقيقها من خلال تنظيم هذه الندوة التاريخية، المتمثلة في تعميق البحث في الجوانب العسكرية لثورة نوفمبر 1954 وتوضيح طبيعة الصراع الذي خاضه جيش التحرير الوطني، هذا بالإضافة إلى استخلاص الدروس وتحليل أسباب النصر في هذا الصراع، قلت، ستكون حصيلة هذه الندوة، إضافة مفيدة لحصيلة النتائج التي تم تحقيقها خلال العديد من الندوات والملتقيات التاريخية ذات المواضيع المتنوعة والأهداف المتعددة، التي حرصنا على تنظيمها ورعايتها في السنوات القليلة الماضية، وحرصنا أيضا، على اعتبار نتائجها بمثابة الأشواط التي لابد من قطعها في سبيل تعميق الوعي لدى الأجيال الشابة، وترسيخ قيم ثورتهم المظفرة خصوصا وتاريخهم الوطني عموما، في أذهانهم وعقولهم بما يشعرهم بثقل المسؤولية التي هم بصدد تحملها في كافة مواقع عملهم، ويحفزهم على القيام بها على الوجه الأكمل والأصوب، وبالعودة إلى موضوع هذه الندوة التاريخية الهامة المتمثل في «عبقرية جيش التحرير الوطني في مواجهة الاستعمار الفرنسي» فإن المتأمل في هذا الموضوع يكتشف للوهلة الأولى أنه يحوز على مجال رحب من السهولة واليسر عند تناوله بالدراسة لهذا الموضوع، وذلك بالنظر للحقيقة التاريخية التي تسند عبقرية جيش التحرير الوطني وتؤكد خصائصه ومواصفاته على أكثر من صعيد سواء من حيث نشأته وأهدافه، أو من حيث تركيبته البشرية وعمقه الشعبي هذا إضافة إلى مجال القيم الروحية والدينية والمبادئ الوطنية والإنسانية التي تعتمر بهما أذهان المجاهدين، والأكيد أن هذه الندوة التاريخية الهامة التي يحضر أشغالها صفوة من الإخوة المجاهدين من الرعيل الأول، الذين أنعم الله عليهم بشرف الانتماء إلى جيش التحرير الوطني الذي استعان بالله تعالى واعتمد على عمقه الشعبي، واستطاع أن يصنع أحداث ملحمة الثورة التحريرية المجيدة، ستمكن نتائجها من أن يدرك الجميع كم كان المجاهد شهما وكم كان شجاعا وكم كان حكيما، وحريصا على الطابع الإنساني والأخلاقي في حربه ضد الغزاة، بل كان ساعيا إلى السلم وعدم إراقة الدماء لو جنح إليه العدو، واعترف بحق الجزائر في استعادة استقلالها، لكن الاستعمار الفرنسي الغاشم ظل يتفنن في أساليب الجريمة ، بل ويتباهى بجرائمه من أجل حلم زائف وباطل، إلى غاية طرده مدحورا، جيش ولد من رحم المعاناة فجيش التحرير الوطني، هم فتية من أولي النهى، والعقول الراجحة، أحبوا وطنهم وآمنوا بربهم، فزادهم الله هدى على هدى، ولدوا من رحم معاناة شعب حر وأصيل وكانوا عصارة لنضالاته الطويلة والشاقة وتضحياته الجسام وكفاحه الطويل والمضني والمتعدد الأشكال منذ أن وطئت أقدام الاستعمار الفرنسي البغيض أرض الجزائر الطاهرة سنة 1830، كانوا يرجون من الله ما لم يكن يرجوه عدوهم، سمت بهم أنفسهم الأبية إلى معالي الأخلاق الكريمة وعنان القيم النبيلة، ففضلهم الله سبحانه وتعالى لأجل ذلك، بإرادة لا تقهر وعزيمة لا تضاهى، فحددوا الأهداف وقرروا بلوغها، مهما كانت التضحيات، وجعلوا من مآثرهم وبطولاتهم السبيل الأوحد لنهاية حقبة استعمارية عصيبة ولنفق استيطاني مظلم وعسير، فالشيء بالشيء يذكر، كما يقول المثل الشائع، فإذا ذكرنا جيش التحرير الوطني، فإنه يتبادر إلى أذهاننا بالضرورة، قوة الإيمان بالله، وحسن التوكل عليه سبحانه وتعالى، وعلو همم ثوار جيش التحرير الوطني، ويقينهم بعدالة قضيتهم وثقتهم الكبرى في شعبهم وبحتمية انتصارهم على عدوهم طال الزمن أم قصر، فتلكم هي صفاتهم التي أرى أننا مهما تحدثنا عنهم ومهما وثقنا بطولاتهم وأحصينا مآثرهم، فلن نفيهم حقهم أبدا، فهم من أخرجوا الشعب الجزائري من ظلمات الاستعمار إلى نور الاستقلال، بل وكان لثورة شعبهم صداها المدوي والمسموع عبر كافة أرجاء المعمورة، وكانت ملهمة الملايين من الشعوب المقهورة والمظلومة ومحفزهم على تحطيم أصفاد الاستعمار وانفراط عقده، فذلكم هو جيش التحرير الوطني، وتلكم هي خصائصه الأساسية والطبيعية التي سيظل الجزائريون يرددونها على الدوام بكل اعتزاز، مع كل نفس يخرج من صدورهم، ومع كل نبضة تنبض بها قلوبهم، أما إذا ذكرنا الاستعمار الفرنسي، فإنه لا بد لنا، بل لا بد لكافة أحرار العالم، أن يتذكروا تجسيده للظاهرة الاستعمارية العدمية، المتنكرة لكافة القيم الأخلاقية والإنسانية، وان يتذكروا خبث الأهداف وهمجية الوسائل المستعملة لتحقيق أهدافه، ويتذكروا أعماله الشائنة وجرائمه الشنيعة التي تفوح منها رائحة الكراهية والحقد والعنصرية، فكل إناء بما فيه ينضح، فطوبى لشعب أنجب جيش التحرير الوطني، وطوبى لذاكرة تحمل مثل هذا الرصيد التاريخي الوطني. على درب جيش التحرير لحماية الجزائر فاعتزازا بما تختزنه الذاكرة الجماعية لشعبنا، سنواصل، بإذن الله تعالى وقوته، منح رصيدنا التاريخي المجيد، كل ما يستحقه من رعاية وما يستوجبه من عناية، حتى يبقى دائما وأبدا منارة يستنير بها الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني ويشق عبرها طريق التطور والتفوق الكفيل بمواصلة حفظ الجزائر وحماية حدودها المديدة، وتأمين استقلالها وسيادتها الوطنية، وأَغْتَنِمُ فُرْصَةَ حضور مجموعة من الأساتذة الجامعيين، والطلبة الْمُخْتَصِّين في مَجَال التاريخ لِأَدْعُوَ كل المعنيين إلى الاهتمام أكثر باستكمال أشواط كتابة تاريخنا الوطني ، خاصة تاريخ الثورة التحريرية، وإننا نعتبر في هذا السياق أن الكتاب والمؤلفين هم جنود يكافحون على الصعيد الثقافي، سلاحهم الكلمة الصادقة والمخلصة، القائمة على حقائق تاريخية وأحداث حقيقية وموثوقة، وليس على أحداث دنستها نوايا خفية خطط لها أعداء الشعوب. هؤلاء المؤرخون الذين أعتبرهم شخصيا حافظين أوفياء للذاكرة الجماعية لشعبنا، التي تبنى من خلالها شخصية الأجيال الحاضرة والمستقبلية، وتترسخ عبرها قيم التضحية والتفاني في أرواحهم وتتعزز عزيمة الحفاظ على إرث شهدائنا الأبرار ومجاهدينا الأشاوس. أخيرا ودون إطالة، اسمحوا لي بأن أعلن على بركة الله عن الافتتاح الرسمي لأشغال هذه الندوة التاريخية الهامة، متمنيا لها تمام التوفيق والنجاح، المجد والخلود للشهداء الأبرار، تحيا الجزائر، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.