التقييم الايجابي الذي قدمه ممثلو صندوق النقد الدولي حول اداء الاقتصاد الجزائري طيلة السنة لم يكن مفاجئا في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية التي عصفت بأكبر اقتصاديات العالم رغم بعض بوادر الانفراج التي تنتظر التأكيد والدعم في الأشهر القادمة. الزيارة التي قامت بها بعثة صندوق النقد الدولي الى الجزائر واستغرقت اسبوعين في اطار التقييم الدوري السنوي، دعمت الى حد كبير التقييم المحلي لآداء الاقتصاد الوطني الذي وعلى غرار العديد من الدول تأثر بتداعيات الأزمة العالمية، لكنه ظل يحافظ على نوع من التماسك وقاوم بفضل صلابة بعض الآليات المنتهجة، انعكاسات الصدمة الخارجية. وماعدا الملاحظة المسجلة حول نسبة البطالة التي ظلت لمدة سنتين ترارح مكانها اي 11٪ خلال السنتين الماضيتين ولاسيما في فئة الشباب منهم، فإن بعثة صندوق النقد الدولي اثنت وبدون تحفظ على الجهود التي قامت بها الدولة الجزائرية في مواجهة تداعيات الازمة التي مست الاقتصاد الوطني عبر قناة الايرادات النفطية حيث انخفضت الى 19,96 مليار دولار في منتصف العام الجاري مقابل 35,49 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي على الرغم من ان اسعار النفط سجلت اتجاها تصاعديا في الاشهر الستة الاولى من السنة الجارية بنسة تفوق 57٪ بينما بلغ متوسط سعر البرميل 56,59 دولارا مقابل 115,91 دولار في الثلاثي الثالث من العام الماضي. ثناء صندوق النقد الدولي على طريقة مواجهة الازمة، لايعني ان مؤثرات الاقتصاد الكلي ظلت ثابتة ولم تمسها الازمة، حيث ان الحسابات الخارجية الجارية تعكس تراجع الصادرات خارج المحروقات الى 0,37 مليار دولار فقط خلال السداسي الاول من العام الجاري مقابل 0,82 مليار دولار في السداسي الثاني من العام الماضي، كما أن مستوى الاستثمارات المباشرة الاجنبية الصافية عرف تراجعا في الأشهر الستة الاولى يقدر ب 0,70 مليار دولار، وسجل ميزان المدفوعات الاجمالي عجزا ب 1,64 مليار دولار. ومن جهة اخرى، ونتيجة لتراجع ايرادات الجباية البترولية انخفضت ايرادات الميزانية او الادخار الميزاني بنسبة 21٪ وبالنظر الى حجم الجباية البترولية المقدر ب 1238,7 مليار دج في السداسي الاول من سنة ,2009 فإن الهدف المحدد في الميزانية على أساس سعر 37 دولارا للبرميل لم يتم بلوغه اذ كان من المتوقع أن تبلغ 1927 مليار دج مقابل 1918,3 مليار دج في نفس الفترة من العام الماضي. هذه التأثيرات المباشرة الناجمة عن تداعيات الأزمة لم تمنع من تسجيل نمو هام خارج قطاع المحروقات من المتوقع ان يناهز 9٪ بحسب تأكيدات صندوق النقد الدولي، كما ان المحافظة على مستو ى معتبر من احتياطي الصرف يقترب كثيرا من 150 مليار دولار في نهاية العام الجاري، وقد يتجاوز هذا الرقم مع التحسن المرتقب في قطاع المحروقات، الذي يتوقع له انتعاشا محسوسا مع بداية بروز اولى بوادر لعودة النمو في اهم اقتصاديات العالم، ولاسيما في الولاياتالمتحدةالامريكية، هذا الانتعاش في قطاع المحروقات قد يرفع النمو في الجزائر الى 2,5٪ وفي خارج هذا القطاع مابين 5و6٪ وإجمالا فإن نمو الناتج الداخلي الخام قد يصل الى مستوى يتراوح مابين 5,4٪ مما قد يساهم في تحسن الحسابات الجارية وميزان المدفوعات . وماميز آداء مؤشرات التوازنات المالية الخارجية الغياب شبه الكلي للجوء الى الاستدانة الخارجية وهو مايزيد بحسب جهات نقدية ومالية محلية في صلابة الاستراتيجية المنتهجة في اطار تقليص المديونية الخارجية التي تراجعت الى 3,9 مليار دولار في نهاية جوان الماضي مقابل 4,3 مليار دولار في نهاية 2008 وذلك في الشق المتعلق بالديون المتوسطة والطويلة الأجل. تراجع اجمالي الدين الخارجي الذي لم يعد يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني، ومواصلة تسجيل مستويات معتبرة لاحتياطي الصرف رغم الارتفاع الطفيف جدا المسجل هذا العام مقارنة مع السنوات القليلة الماضية واستمرار تسجيل مستويات نمو مشجعة خاصة خارج قطاع المحروقات بفضل المحصول الفلاحي القياسي هذه السنة، كلها عوامل بدت في نظر ممثلي صندوق النقد الدولي مريحة ومشجعة، خاصة وان الدولة تعتزم المواصلة في نفس الاتجاه والدعم والاستراتيجية لاعطاء حركية اكثر فعالية على المستوى القطاعي قصد تحقيق المزيد من فرص العمل خاصة في فئة الشباب، ولعل التدابير المقترحة في قانون المالية لسنة 2010 لمحاربة البطالة قد تؤدي في نهاية المطاف الى التخفيف من اعبائها ، والتي تتلخص عموما في تجنيد اكثر من 100 مليار دج لهذا الغرض، منها 84 مليار دج لتمويل منح التضامن الجزافية وانشاء مناصب شغل مؤقتة و 24 مليار لتمويل جهاز المساعدة على الاندماج المهني و 10 ملايير موجهة لتشجيع المؤسسات على انشاء مناصب شغل.