تشهد اقتصاديات دول العالم منذ خريف 2009 إنفراجا محسوسا بعد تأثرها الشديد من تبعات الأزمة المالية التي عصفت بأكبر اقتصاديات العالم، مع توقع تعافي اقتصادي عالمي بطيء ومتعرج في 2010 مدفوع للأمام بتحقيق الصين والبلدان الناشئة لمعدلات نموقوية تنذر بانتشال الاقتصاد العالمي من الكساد.فبعد مضي سنة 2008 "القاحلة" التي شهدت انهيار الأنظمة المالية بأهم البلدان العضوة في مجموعة الثمانية، وكذا تراجع عام في نمو بلدان منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية والتسريح الجماعي للعمالة في القطاعات الصناعية وتعطل وتيرة الاستثمارات حل السداسي الثاني من 2009، ليلقي بوادر أمل في إمكانية تحقق التعافي في الاقتصاد العالمي مدعوم بسياسات عمومية "تشاورية" على الصعيد العالمي لدفع الطلب وحماية النظام المالي الدولي من الانهيار. وبعد جولات من المفاوضات العسيرة بين الأطراف التي تؤيد بعث الميزانية والأطراف التي تؤيد ضبط النشاطات المالية، اتفقت دول مجموعة 20 خلال اجتماعاتها على جميع الملفات التي طرحت في خضم الأزمة المالية الدولية والتي تمخض عنها قرار استحداث "نظام عالمي جديد". وتمثلت التوافقات التي توصلت إليها مجموعة 20 خلال القمة التي عقدتها في أفريل الفارط بلندن، بدعمها لخزينتي صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وكذا تحديد معايير تعيين رؤساء هذين المؤسستين المالية وتنظيم الأجور والحوافز. كما أجمع قادة مجموعة ال 20 للدول الغنية والاقتصاديات الصاعدة خلال لقائهم في سبتمبر الفارط في بيتسبرغ (الولاياتالمتحدة)، على ضرورة المحافظة على توازن الاقتصاد الكلي الكفيل بمساعدة الاقتصاديات العالمية على الانتعاش من الأزمة العالمية بشكل قابل للاستمرار، وكذا التعهد بالتزام أقوى بفتح الأسواق. وحرصا منها على ضمان إزالة أي عقبات قد تحول دون سيرورة عجلة الانتعاش الاقتصادي العالمي، لم تتخذ منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك أي قرار بتقليص إنتاجها للنفط منذ ندوة وهران في ديسمبر 2008 وأصرت على الإبقاء على سقف إنتاجها (8ر24 مليون برميل يوميا) لتفادي التأثير سلبا على الاقتصاد العالمي الذي أبدي إجمالا توجها نحوالاستقرار والانتعاش. وستكون سنة 2010 حسب توقعات الخبراء لا أسوأ ولا أحسن من سابقتها، ولكنها ستسجل معدلات نمو قوية، لاسيما في آسيا. وعلى حد تعبير محللي الأسواق المالية، فإن مخططات الدعم المسطرة بدأت تعطي ثمارها بالنظر إلى بوادر تعافي معظم اقتصاديات العالم. وفي نفس السياق، أكد المدير العام لصندوق النقد الدولي "دومينيك ستروس كان" أن الانتعاش الاقتصاد العلمي بدأت ملامحه ترتسم في الأفق، محذرا من أن التخلي عن سياسات الدعم "قد تجهض هذا الانتعاش الاقتصادي". وعلى الصعيد العالمي، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لسنة 2010، بحيث يتوقع نموا ب 1ر3 % مقابل 5ر2 % في توقعاته لشهر جويلية الفارط، مشيرا إلى أن هذا التحسن هو نتيجة الأداء الجيد لاقتصاديات البلدان الآسيوية والاستقرار أو الانتعاش المتواضع لاقتصاديات بلدان أخرى، غير أن "هذا الانتعاش سيكون بطيئا نسبيا، لأن الأنظمة المالية تبقى متضررة ونظرا للسحب التدريجي لدعم القطاع العام ومواصلة العائلات في البلدان التي تعرضت اقتصادياتها إلى انهيار سعر الأصول في إعادة تشكيل مدخراتها". وفيما يخص الجزائر، فقد أوضح صندوق النقد الدولي أنه بالرغم من السياق الدولي الصعب، إلا أنها استمرت في تسجيل أداء اقتصادي جيد يتماشى مع التطور المسجل خلال السنوات الأخيرة، موضحا أنه بالنسبة لسنة 2009 سيبلغ الناتج الداخلي الخام 2 %، بينما ستتراوح نسبته خارج قطاع المحروقات 9 % بفضل قطاع الفلاحة ونجاعة جيدة للقطاعات التي تعتمد على برنامج الاستثمارات العمومية. وتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراوح نمو الناتج الداخلي الخام للجزائر ما بين 4 و5 % سنة 2010. وبالنسبة لإفريقيا، تتوقع مؤسسة "بروتون وودس" معدل نمو + 7ر1% في 2009 و+4% في 2010. وتمكنت الجزائر بفضل السياسات المالية الاحترازية التي باشرتها من تكوين احتياطات خارجية ومدخرات مريحة وتم إبقاء الديون الخارجية في مستوى ضعيف جدا، مما جعلها تنجح في التصدي للآثار الوخيمة التي ترتبت عن الأزمة الاقتصادية العالمية. وبعد ظهور الأزمة في نهاية 2008، طمأن الوزير الأول أحمد أويحيى في مناسبات عدة بأن الجزائر تملك اليوم مؤهلات "لا نظير لها" مالية ونقدية تحصنها من كافة التبعات السلبية التي ألحقتها الأزمة باقتصاديات بلدان العالم. ومن جهته، كان وزير المالية كريم جودي قد أكد أن قانون المالية التكميلي ل 2009 جاء في ظروف عدم استقرار مالي نتيجة الأزمة المالية العالمية، حيث تضمن تدابير تسيير وضعيات استثنائية على غرار تداعيات هذه الأزمة. وبالرغم من تراجع الإيرادات النفطية، فإن الدولة عازمة على مواصلة جهودها في مجال السياسة الاجتماعية وكذا مكافحة البطالة وتوفير جميع الظروف الكفيلة بتحقيق نمو أقوى واستحداث محلي أمثل للثروات، ومنه يقضي قانون المالية والميزانية لسنة 2010 الذي سيتم بموجبه تمويل المخطط الخماسي المقبل 20102014 الذي رصدت له الدولة 150 مليار دولار بتحديد نفقات الميزانية ب 860. 5 مليار دج، منها 2.838 مليارا للتسيير و3.022 مليارا للتجهيز موفرة بذلك للحكومة الآليات الضرورية لتطبيق هذا البرنامج الخماسي.