أدت التدابير التشريعية الجديدة حول تنظيم حركة التجارة الخارجية وضبطها إلى تراجع عدد المستوردين بنسبة ملحوظة تقدر ب 11 في المائة خلال الشهور ال10 الأخيرة. وجاء هذا التراجع المنتظر بعد إقرار العمل بالبطاقة المغناطيسية لرقم التعريف الجبائي التي اعتمدت بهدف واضح تعميم الشفافية في ممارسة نشاط الاستيراد والحد من التصريح الخاطئ والغش والتهرب الضريبي الذي بلغ مستوى لا يمكن إغماض الأعين عنه. ويحمل إجراء استعمال البطاقة المغناطيسية إرادة راسخة في إضفاء مزيدا من الاحترافية في النشاط التجاري لا سيما في شق الاستيراد الذي اقتحمته الوكالات بغزارة في مرحلة سابقة من الانفتاح وبناء اقتصاد سوق بعجالة دون تريث وتحضير. وصارت الوكالات التي تحصل على رخص النشاط وتعتمد لتأدية الوظيفة استيراد وتصدير في تكاثر.لكنها تقتصر على جزء من الوظيفة المكلفة بها ضمن دفتر شروط، وهي الاستيراد فقط دون تكليف نفسها عناء التصدير الحلقة الأضعف في تجارة الجزائر الخارجية. ولم تبق السلطات العمومية على هذا الوضع الفوضوي. ولم تترك المجال مفتوحا لهذا النشاط الاستيرادي الذي اغرق السوق الوطنية بسلع وخدمات ليست على الدوام في المستوى وتتجاوب وطلبات ضرورية ملحة، وزاد في الوضعية سوءا نقص المخابر الوطنية وهيئات المراقبة محولة الجزائر إلى مفرغة للمنتوج الأجنبي الذي يفتقد في غالبيته للمواصفات والمعايير. ولتنظيم الوضعية اكبر وتجاوبا مع المتغيرات،اتخذت تدابير جديدة في قانون المالية تطالب وكالات الاستيراد بمزيد من المهنية وعدم ترك هذا النشاط لمن هب ودب. وتقررت جملة من الشروط مقابل منح القروض البنكية للمستوردين جاعلة الهيئات البنكية شريكا كاملا في العملية التجارية، فهي ترافق المستوردين وتشترك معهم في عقود البيع والشراء، ولا تتوقف مهمتها في إعطاء القروض دون التحقق من نوعية الصفقات التجارية ومضمونها وجدوى السلع محل الاهتمام والتفاوض. وتدرج في هذا المسعى البطاقة المغناطيسية لرقم التعريف الجبائي المشترطة على المستورد، المحددة بدقة معالم نشاطه ووضعيته إزاء مصلحة الضرائب وجديته بالعمل في أجواء شفافة بعيدة عن التوائية والتحريف والتهرب الذي يحرم الخزينة العمومية من مداخيل أساسية للتنمية والبناء. لكن هذا التنظيم أدى إلى تقليص عدد الناشطين في الحقل التجاري الذين تعودوا على الطرق الملتوية ولم يستثمروا في الموارد البشرية وعصرنة المصالح وتأهيلها. وحسب المركز الوطني للإعلام الآلي والإحصائيات، فان المستوردين في تراجع كبير بنسبة 11 في المائة من الأشهر ال10 الأخيرة. وهي نسبة مرشحة للارتفاع بالنظر إلى الآليات التنظيمية المعتمدة التي تحتم على المستوردين مهنية لا تقبل الجدل والتقاعس. وتخضع عمليات التصدير والاستيراد على مستوى المكاتب الجمركية منذ بداية العام إلى شرط أساسي : تقديم بطاقة التعريف الجبائي ذات القيمة الكبرى في تطهير الاقتصاد الوطني من التلاعبات الوهمية والغش والتهرب الضريبي، وتجري المراقبة والتدقيق بصفة آلية دون تدخل بشري يحول دون تطبيق إجراء التطهير والمتابعة. وسجل حتى الآن أكثر من 17 ألف تدخل بدل 20 ألف تدخل خلال العام الماضي مما يعطي القناعة بأن الأمور تجري على أحسن ما يرام، وبات هامش الغش في أدنى المراتب بعد إقرار العمل الجماعي المنسق بين الجمارك والبنوك والمصالح الوزارية المعنية بالتجارة. وهو تنسيق يقضي بتبادل المعلومات والمعطيات الخاصة بالعملية التجارية التي تسمح بتطهير ملفات التوطين البنكي. مع العلم سجل فائض الرصيد التجاري للجزائر خلال الشهور ال10 الأخيرة 36,3 مليار دولار، مؤديا انخفاضا ب 52,90 في المائة وسببها تراجع الصادرات ب 13,47 في المائة بحيث انتقلت إلى 97,35 مليار دولار بدل 04,68 مليار دولار خلال الحقبة الماضية. واستقرت الواردات في حدود 32 مليار دولار، وهو وضع فرضته السياسة الوطنية حول ترشيد النفقات وإعطاء الأولوية للإنتاج الوطني أكثر من إبقاء الباب مفتوحا للاستيراد وما يحدثه من نزيف في مدخراتنا المالية الواجب توظيفها في موقعها خاصة في ظل أزمة مالية تضرب تداعياتها الاقتصاد الوطني، وتحتم هذا الخيار الإجباري.