كان جمهور الموسيقى العالمية على موعد، سهرة الاثنين، مع أول عرض أوبرا يحتضنه صرح أوبرا الجزائر بوعلام بسايح. «زواج فيغارو» للموسيقار العالمي موزار، الذي تمّ عرضه على مدى يومين، جمع كوكبة من الفنانين العالميين من مختلف الجنسيات، إلى جانب نجوم جزائرية صاعدة، وكان فرصة للاطلاع على الإمكانيات التقنية والفنية التي يمتلكها مبنى الأوبرا، في انتظار عروض راقية قادمة. أحيت كوكبة فنانين من مختلف الجنسيات هذا الموعد الفني الهام، وهو احتضان أوبرا الجزائر «زواج فيغارو» ليكون أول عرض أوبرا كامل لها. ألّف موسيقى هذه الأوبرا الموسيقار النمساوي فولفغانغ أماديوس موزار، وكتب نصّها لورانزو دا بونتي.. و قد أخرج هذا العمل، في طبعته «الجزائرية»، المخرج أوليفييه توزيس، أما الديكور فكان لكريستوف تسيولي، و التنسيق الفني لأوليفييه كونتوغوم. وكانت الموسيقى من أداء أوركسترا أوبرا الجزائر تحت قيادة المايسترو أمين قويدر. و وزعت الأدوار كالتالي: بيار إيف بينار (الراوي)، مارك سوشيه (فيغارو)، في أفوغلان (سوزانا)، أنس سوغان (الكونت)، كاترين مانندازا (الكونتيسة)، كاتالينا سكينر (شيروبينو)، إلينا راكوفا (مارسلينا)، المخرج أوليفييه توزيس (بارتولو أنطونيو)، حاج عيسى عمارة (بازيليو دون كورزيو)، وباربلينا (ابتسام عمران)، إضافة إلى كورال ضمّ عددا من الفنانين الجزائريين الشباب. تجربة إنسانية فريدة التقينا بمخرج العمل، الفرنسي أوليفييه توزيس، و سألناه عن اختصار الأوبرا من مدة تفوق 3 ساعات إلى ساعتين فقط، فأجابنا بأن ذلك تمّ بالتعاون بينه وبين المايسترو أمين قويدر، الذي قام أيضا بإدخال مقاطع وعبارات بالعربية والعامية الجزائرية: «لا يجب أن ننسى أن هذا العمل الفني عمره يقارب 240 سنة، وأنه كتب بالإيطالية، و في فيينا، وأتوقع أنه لا أحد كان يفهم القصة حينها خاصة و أن السترجة لم تكن متوفرة في ذلك الوقت.. القصة معقدة جدا، وهناك مقاطع وأجزاء قمنا بحذفها، وفي أكثر من مناسبة عرفت الأعمال المشكلة لثلاثية موزار الاختصار و التشجذيب وهو أمر اعتيادي.. ولكن أهم ما ركزنا عليه أنا وأمين قويدر هو الاحتفاظ بجميع شخصيات الأوبرا». و عن طريقة العمل على هذه الأوبرا التي ضمّت فنانين من جنسيات مختلفة، يقول المخرج: «بدأنا العمل الركحي بباريس مع الفنانين الذين ليسوا جميعا فرنسيين ولكنهم متواجدون هناك، ثم عملنا مع الفنانين الجزائريين منذ أسبوع فقط.. صحيح أننا كنا نحبّذ لو كان لدينا وقت أطول، شهر مثلا مثلما هو معتاد، ولكن ضيق الوقت كان تحديا و قد نجحنا في رفع التحدي». كما أشار المخرج إلى تقنيي الأوبرا الذين عملوا لأول مرة على عرض أوبرا، وفي وقت قصير، وكانت هذه تجربة مفيدة للجميع. دون أن ينسى الحديث عن الأوكسترا التي عزفت طيلة ساعتين من الزمن، خاصة وأن موسيقى موزار ليست سهلة وليست في متناول جميع الموسيقيين «كون عمر موسيقى موزار 250 سنة لا يجعل منها سهلة بالضرورة»، يقول أوليفييه توزيس. أحد أشهر أعمال موزار «زواج فيغارو» أوبرا ألفها موزار سنة 1786، وتعتبر من أعظم أعمال الموسيقار النمساوي. الأوبرا مستوحاة من قصة «زواج فيغارو» للكاتب الفرنسي بومارشيه، وهي تكملة لسابقتها التي كتبها بومارشيه تحت عنوان «حلاق إشبيلية». تدور أحداث الأوبرا في إشبيلية في القرن الثامن عشر، حول الكونت ألمافيفا الذي تمكن من خلال مساعدة خادمه فيغارو من التودد والفوز بروزين الجميلة بعيدا عن حارسها العجوز الفظ وزوج المستقبل دكتور بارتولو. وفي رواية «زواج فيغارو» أكمل بومارشيه تلك القصة، حيث تزوج الكونت من روزين، إلا أن علاقتهما الزوجية تأثر بسبب تغزله بالسيدات الأخريات. توقف فيغارو عن مهنة الحلاقة وأصبح من المقربين للكونت، و أتمّ خطبته من سوزانا، التي كانت تعمل خادمة لدى الكونتيسة. ثم يعود بارتولو العجوز لينتقم من فيغارو، بمساعدة مدرس الموسيقى، بازيليو دون كورزيو. وتقع معظم الأحداث في يوم واحد. أما الأوبرا فقد اعتمد لورنزو دا بونتي في كتابتها على الرواية، مع التحفظ على المحتوى السياسي حيث كانت الثورة الفرنسية على الأبواب، وترجمت إلى اللغة الإيطالية. وقد استغرقت عملية التشجذيب والترجمة هذه 6 أسابيع حينها. وتعتبر هذه الأوبرا الأولى من ثلاثة أوبرات تعاون فيها دا بونتي وموزار. أحداث كثيرة في يوم واحد وتدور أحداث الأوبرا في أربعة فصول، ويصف الفصل الأول صبيحة اليوم المقرر فيه زواج الخطيبين فيغارو وسوزانا، التي تشتكي من الكونت الذي كان يغازلها، لكن فيغارو يطمئنها. في الفصل الأول نرى بارتولو الذي يريد الانتقام من فيغارو، ومدبرة منزله مارسيلينا المعارضة لزواج فيغارو لأنها تحبه، والخادم الشاب شيروبينو الذي يحب زوجة الكونت، ومدرس الموسيقى الذي يروج الإشاعات ويدبر المكائد. أما الفصل الثاني فيغني فيه شيروبينو أغنية رومانسية للكونتيسة، هذه الأخيرة تفكر رفقة سوزانا في استغلال شيروبينو لتنفيذ خطة لكشف الكونت، عن طريق ترتيب مقابلة بين الكونت وسوزانا على أن يذهب شيروبينو بدلاً منها وهو متخف بملابس نسائية. يعكس هذا الفصل تنامي الشك بين الكونت وفيغارو، وفي نهايته تدعي مارسيلينا بأن فيغارو متزوج منها كتعويض عن مديونية سبق لها وأن دفعتها نيابة عنه. في الفصل الثالث، وبينما تفكر سوزانا في خطتها رفقة الكونتيسة، خاصة مع رحيل شيروبينو، يخبرها الكونت بأن زواجها من فيغارو لن يتحقق.. وفي هذا الفصل أيضا يعلن فيغارو بأنه من عائلة نبيلة ولا يمكنه الزواج دون إذن أبويه. ودليله على ذلك العلامة على ذراعه الأيمن، وهنا تندهش مارسيلينا وتصرخ بقولها إن فيغارو هو ابنها الذي اختفى بعد ولادته، و أن بارتولو هو والده. وتبيّن مارسيلينا الموقف لسوزانا، فيما تواصل الكونتيسة في معاقبة الكونت بموعد وهمي مع سوزانا. وتتبادل سوزانا والكونتيسة ثيابهما لتواجه هذه الأخيرة زوجها بحقيقته. وهكذا تدور أحداث الفصل الرابع ليلا في الحديقة، مكان الموعد الوهمي، ويضمّ معظم شخوص الأوبرا، باربارينا، فيغارو ومارسيلينا، الكونت والكونتيسة، بارتولو وبازيليو، شيروبينو وسوزانا. وفي هذا الفصل تلقن الكونتيسة زوجها درسا، كما يؤكد فيغارو عمق حبه لسوزانا. صرّحوا ل«الشعب» - الفنانة الأمريكية في أفوغلان (سوزانا): «هي تجربة مدهشة وأعرف أنني صرت جزءً من التاريخ الآن لأنني شاركت في أوّل أوبرا تعرض في هذا الصرح، هو شرف لي وأنا شاكرة جدا». - الفنان الفرنسي مارك سوشيه (فيغارو): هي ثامن مرة أقدّم فيها عرضا بالجزائر، التي أحبها كثيرا.. دار أوبرا جيدة جدا من حيث «الأكوستيك»، والأوركسترا كان رائعا، والتواصل مع المايسترو أمين قويدر كان سلسا جدا والجمهور رائع ولطالما كان كذلك، وكان إلى جانبنا إلى أبعد الحدود..» - الفنان الجزائري حاج عيسى عمارة (بازيليو دون كورزيو): «كل شيء كان بتوفيق من الله وبفضل المخرج أوليفيي والمايسترو أمين قويدر اللذين وضعا ثقتهما فيّ.. يعجز لساني عن التعبير عن مدى فرحتي بالمشاركة في هذا العمل». - المخرج أوليفييه توزيس (بارتولو): «قبل أيام فقط لم نكن متأكدين بعد أن تقديم هذا العرض سيكون أمرا ممكنا.. كنا في سباق ضد الساعة.. لقد كانت تجربة إنسانية رائعة».