شهدت ظاهرة الغش على مستوى التجارة الخارجية، استفحالا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بعد توقيع الجزائر على اتفاقية المنطقة العربية للتبادل الحرّ، حيث عمد بعض المستوردين إلى تضخيم فاتورة استيراد البضائع وذلك بالتواطئ مع الممون في غالب الأحيان، ليتسنى لهم تحويل الفارق بين السعر المصرح به والسعر الحقيقي بالعملة الصعبة للسلع المستوردة من الخارج. وفي هذا الصدد، أكد مسؤولون بالمديرية العامة للجمارك، بأنه تم تنظيم مصالحهم المعنية بمكافحة الغش في إطار تطهير التجارة الخارجية، حيث تندرج عملية إعادة التنظيم في إطار المخطط الجديد لهيكلة إدارة الجمارك، هذه الأخيرة قسمت مديرية مكافحة الغش إلى مديريتين مركزيتين منفصلتين هما: مديرية الاستعلامات، ومديرية المراقبة في مرحلة لاحقة. وأوضح ذات المصدر، بأن المديرية الأولى تعمل على جمع المعلومات ومتابعة العمليات ذات المخاطر (تبييض الأموال، رفع قيم المنتوجات المستوردة، التقليد والتحويل غير الشرعي لرؤوس الأموال ... إلخ). في حين يختص دور مديرية المراقبة على تسيير ملفات جمركة السلع المستوردة والمصدرة، وكذا مراقبة السلع مابعد عملية الجمركة، نظرا للحاجة إلى التقليص من آجال الجمركة بالنسبة للمتعاملين الاقتصاديين الناشطين فعليا في فضاء الإنتاج والذين يستفيدون من تسهيلات على مستوى الموانئ والمطارات، حيث يتم إخضاع هؤلاء للمراقبة فور الانتهاء من جمركة سلعهم لتفادي عرقلة مراحل الإنتاج، شرط أن لا يكون لهؤلاء المستفيدون سوابق جبائية أو مصرفية. وأضاف مسؤولو المديرية العامة للجمارك، بأن الهدف من هذه الهيكلة هو عقلنة وسائل المراقبة لمصالح الجمارك، قصد توجيهها نحو العمليات الخطرة، خاصة تلك المتعلقة بإيجار السجلات التجارية بأسماء مستعارة، واستيراد منتوجات مقلدة، وكذا المنتوجات الخاصة بالصحة العمومية، مشيرين إلى أن أسماء هؤلاء المتعاملين ستدون في البطاقة المتعلقة بالمتعاملين الإقتصاديين المعتمدين، قصد تمكين مصالح الجمارك من مكافحة الغش بصفة فعّالة مع تسهيل التجارة الشرعية. ومع حلول السنة الجديدة 210 ستكثف مصالح الجمارك نشاطها لمحاربة الغش لاسيما في شق رفع قيمة البضائع المستوردة من بلدان المنطقة العربية للتبادل الحر، وفي هذا الإطار، أوضح المدير المركزي للاستعلامات لدى المديرية العامة للجمارك، مجبر بوعانم بأنه تم وضع ترتيبات لمحاربة هذه المخالفة في الصرف، وذلك على إثر الانحرافات المسجلة في إطار المنطقة العربية للتبادل الحر. وأضاف مجبر، أنه غالبا ما ترتكب هذه المخالفة في الصرف في حالات الإعفاء من الرسوم والتفكيك التعريفي أو منطقة التبادل الحر، بحيث أن إلغاء أو خفض الرسوم يشجع المهربين على رفع قيمة منتجاتهم، وفي حالة نظام تعريفي عادي يلجأ هؤلاء إلى تخفيض قيمة المنتوج للتهرّب من الأعباء الجمركية الإضافية. الزيادة في أسعار البضائع تضرّ باقتصاد الدولة واستنادا لذات المسؤول، فإنه سجل ارتفاع في حالات الزيادة في قيمة البضائع، وانخفاض محسوس في تصريحات إنزال الأسعار، وهذا منذ انضمام الجزائر إلى المنطقة العربية للتبادل الحرّ في جانفي ,2009 مؤكدا بأن الزيادة في أسعار البضائع تمسّ باحتياطات الصرف الرسمية، وتسبب خسائر مادية للدولة. من جهته، أفاد بن عمر الراغ، المدير المركزي المكلف بالمراقبة اللاحقة، بأنه غالبا ما ترتكب هذه المخالفات من طرف متعاملين كانوا يستوردون بضائعهم من قبل من الصين، ثم ابتعدوا عن هذا البلد منذ انضمام بلادنا للمنطقة العربية للتبادل الحر، لاقتناء بضائعهم من بعض الدول العربية بهدف الاستفادة من الإعفاءات من الرسوم، وتحويل العملات الصعبة نحو الخارج بشكل غير قانوني، وهذا ما أثبتته مصالح الجمارك عبر تحقيق ميداني قامت به، خلص إلى أن هذه المنتجات المستوردة ليست من منشأ عربي وإنما صيني مما يشكل أضاف المتحدث غشا مزدوجا (تزوير شهادة المنشأ، وتحويل غير قانوني للعملات الصعبة). وأبرز حالة لهذا التهريب تنطبق على مؤسسة جزائرية تنشط في مجال استيراد المنتوجات الغذائية الصناعية التي كانت تصرح أن سعر علبة السردين (110 غرام) يقدر ب06,0 أورو (58,5 دج) قبل دخول المنطقة العربية للتبادل الحر حيز التنفيذ، وتغير العدد بعد تطبيق الجزائر هذا الاتفاق إلى 295,0 أورو (43,27 دج)، أي بفارق يناهز 22 دج للعلبة. وفي هذا الإطار، أوضح المدير المركزي المكلف بالمراقبة، بأنه تم كشف حالة الغش هذه، بعد إجراء مقارنة في الفواتير بين عمليتين لاستيراد سمك السردين قام بهما هذا المستورد في أكتوبر 2008 (قبل دخول المنطقة العربية للتبادل الحر)، وفيفري 2009 (بعد دخولها سريان المفعول)، مشيرا إلى أنه ينبغي على مصالح الجمارك أن تبقى يقظة أكثر لتفادي فتح ثغرات عن طريق هذه الاتفاقيات. وللعلم، بأنه أوصي بتقييم اتفاقية المنطقة العربية للتبادل الحر بعد مرور سنة على دخولها حيز التطبيق على غرار ما يجري حاليا بشأن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفي حالة قضايا رفع القيم المطبقة في عمليات الاستيراد لدى كافة مموني الجزائر، فإن التحقيقات التي تفتح تعتمد على افتراضات يتطلب التأكد منها مساعدة دولية متبادلة وإن كانت تبقى نسبية، كون بعض الدول لا ترد أو تأخر ردها على الطلبات الجزائرية. كما أنه خارج المتابعات القضائية، فإن المزورين ملزمين في حال تأكيد جنحهم بدفع فارق القيمة التي أضيفت وحولت مع غرامة مالية تعادل الضعف مقابل قيمة البضاعة بالنسبة للأشحاص الماديين وأربعة أضعاف بالنسبة للأشخاص المعنويين، وبخصوص رفع قيمة الواردات المطبقة من قبل المستثمرين الأجانب خلال الفترة (2006 / 2007)، أفاد عمر الراغ بأن مصالحه كشفت عمليات تحويل عملات صعبة بقيمة 15 مليار دج (حوالي 210 مليون دولار)، علاوة على المنتوجات المصنعة المستوردة في إطار المنطقة العربية للتبادل الحر. وأضاف ذات المسؤول، بأن مصالح الجمارك تشك بقوّة في رفع قيمة مواد التجهيز المستوردة وهو مجال حساس بحكم أنه يمثل لوحده أكثر من ثلث القيمة الإجمالية للواردات الجزائرية، وما يجدر به الذكر، فإن الجزائر استوردت سنة 2008 ما يقارب 40 مليار دولار من البضائع، منها 34٪ مواد التجهيز التي فاقت فاتورتها 13 مليار دولار. وبالموازاة مع ذلك، أشار المتحدث إلى أن المتعاملين المزورين بضمّون كذلك المستثمرين المزيفين الذين يستفيدون من امتيازات جبائية في إطار وكالة تطوير الاستثمارات، ويقومون برفع قيمة التجهيزات التي يستوردونها والتي ليست لها قيمة تجارية. وبالمقابل، نبّه المدير المركزي المكلف بالمراقبة البعدية، من أن هؤلاء المستثمرين المزيفين يهتمون فقط بالتحويل غير القانوني للعملة الصعبة وتهريب رؤوس الأموال وتبييضها، داعيا إلى ضورة سدّ الطريق أمام هذه الجماعة.