تعرف الجزائر انتشارا واسعا لظاهرة القرصنة الإلكترونية التي تعتبر وافدا جديدا على مجال الفساد في بلادنا والتي تتسبب في نتائج خطيرة أهمها الإساءة لسمعة البلاد وإعطاء صورة قاتمة عن واقع الإستثمار في بلادنا خاصة في مجال التكنولوجيات الحديثة. وتشير التقارير العالمية أن أكثر من 80 من برمجيات الإعلام الآلي والدعائم الإلكترونية المستعملة في بلدان العالم الثالث ما يجعل خسائر كبرى الشركات العالمية الناشطة في مجال الإعلام الآلي تتضاعف ومنه تعزف على نقل استثماراتها لدول الجنوب لأن نسبة المخاطرة تكون كبيرة. وفي ظل الخسائر التي يتكبدها الإقتصاد الوطني جراء انتشار تجارة الدعائم والبرمجيات الخاصة بالإعلام الآلي والمنتجة بطريقة غير شرعية وغير مطابقة للمقاييس العالمية قامت الدولة بإصدار عدة تشريعات للحد من هذه الآفة الإقتصادية غير أن الواقع يظل أقوى والقضاء على ظاهرة القرصنة الإلكترونية لن يكون سهلا. ويتعقد أكثر فأكثر دور الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة في مكافحة ظاهرة القرصنة في هذا المجال لأنها هي التي تضمن الحماية لبعض المنتجات الإلكترونية خاصة الأقراص المضغوطة للفنانين والأقراص الخاصة بالأفلام التي تعتبر من أكثر المنتجات تضررا من القرصنة حيث باتت تلك المنتجات المنسوخة تباع جهارا نهارا في كبرى المساحات العمومية تحت أعين الجميع ودون أن يتدخل أحدا وهو ما يجعلنا نتساءل عن أهمية الترسانة القانونية التي سنت لمكافحة هذا النوع من الجرائم مع التذكير أن هذا المجال استفاد من تغيير قوانين في ظرف قياسي حيث بعد قانون 1997 صدر قانون جديد لحماية الملكية الفكرية في 2003 وهو ما يؤكد التطور السريع لهذا النوع من الآفات التكنولوجية المرتبط بالإنترنت بصفة كبيرة. حجز 600 ألف قرص سنويا تشير إحصائيات الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة أن الدعائم والبرمجيات والأقراص المضغوطة المحجوزة قد تجاوزت 600 ألف سنويا مؤخرا بعد أن كانت لا تتجاوز في سنوات نهاية التسعينات 80 ألفا ويعود ارتفاع هذه الظاهرة الخطيرة إلى اتساع إستعمال الأنترنت وانتشاره في مختلف ربوع الوطن بالإضافة إلى الإقبال الكبير من الفئات الشبانية على القيام بدورات تكوينية في هذا الجانب ما سمح بإنشاء جمعيات ''هاكرز'' جزائرية تعيث فسادا في مجال الأنترنت والقرصنة ووصل نشاطها إلى مختلف دول العالم ما أدى إلى بروز محترفين في هذا المجال جعلوا من عالم الإعلام الآلي والأنترنت مسرحا لجني أموال طائلة من خلال بيع الأقراص والبرمجيات التي تحتوي مضامين موسيقية وأفلام وبرامج خاصة بمختلف الإدارات ومكاتب الدراسات حيث تكفي 100 دينار لشراء ما تحتاج من تلك البرمجيات بينما يدفع في الدول المتقدمة عشرات الأضعاف لاقتناء منتجات الإعلام الآلي. وقامت ''الشعب'' بجولة في مختلف شوارع العاصمة للإستفسار عن انتشار تجارة الأقراص المضغوطة سواء الخاصة بالغناء والأفلام أو المتعلقة ببرمجيات الحواسيب ووقفنا في شارع ''بيشون'' الرابط بين ساحة ''أودان'' و''حسيبة بن بوعلي'' على شباب يبيعون مختلف الأقراص المضغوطة المنسوخة الخاصة بالأفلام والأغاني بأسعار لا تتجاوز 100 دينار وعند استفسارنا لديهم أكدوا لنا بأن ما دفعهم لهذه التجارة هو الحاجة والفقر فهذا المجال فتح لنا مجالا للنشاط بالرغم من أننا نعلم بأنه غير شرعي ويعاقب عليه القانون لكن ما بيدنا حيلة. كما أن غلاء المعيشة يسمح بتقديم منتوج في متناول الجميع وخاصة الطبقات البسيطة لمشاهدة ما يحلو لهم من أفلام وأغاني. ويقتني هؤلاء الباعة الذين ينتشرون في ساحة ''كينيدي'' بالأبيار، وساحة أول ماي، والأزقة القديمة في العاصمة منتجاتهم من مقاهي أنترنات معينة وبعض الأشخاص البارعين في الأنترنت، حيث يترصدون جديد الأنترنت وينسخونه في أقراص مضغوطة في عملية لا تتعدى دقائق معينة وقد كثر هؤلاء الشباب الذين ينشطون في هذا النشاط حيث يقتنون الأقراص المضغوطة الفارغة بأسعار لا تتجاوز 20 دينارا ثم ينسخون فيها الأفلام والأغاني ويبيعونها بالجملة بأسعار لا تتعدى 60 دينارا وهو ما يؤكد وجود شبكات منظمة تقوم حتى بتزويد المتاجر التي تنشط في المجال الرسمي لأن الأسعار منافسة والربح مضمون كما أن ذلك المنتوج يسمح للباعة الرسميين من التهرب الضريبي لزيادة الأرباح وهو ما يجعل الأوضاع تتعقد أكثر على الهيئات المكافحة لهذا النشاط وتشير تقارير الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة بأن أكثر من 75 من المحجوزات عبارة عن أقراص مضغوطة. وعند اقترابنا من محل يبيع برمجيات الإعلام الآلي ب ''شارع شاراس'' على غرار النوافذ ''ويندوز'' ومضادات الفيروسات سألنا البائع عن الأسعار والتي بدورها لا تتعدى 400 دينار وسألناه إن كانت أصلية فاستغرب وقال بأن كل شيئ يباع في الجزائر منسوخ وهو ما يعكس واقع سوق الإعلام الآلي في بلادنا. وحتى القضايا أمام العدالة التي فاقت المائة لم تسمح بالتقليل من القرصنة والإستيلاء على الملكيات الفكرية للبعض. خبير يحذر من البرمجيات والأقراص المنسوخة كشف ل »الشعب« ''يسعد عبد العالي'' تقني سامي في صيانة أجهزة الإعلام الآلي والعامل بإحدى المؤسسات الخاصة بأن البرمجيات والأقراص المضغوطة تؤدي نفس دور البرمجيات والأقراص الأصلية، لكن هناك أمر مهم يجب التنبيه له وهو قيام الشركات الأم الأجنبية بإرفاق منتجاتها على شبكات الأنترنت، بجواسيس إلكترونية وفيروسات تعطل الحواسيب وتدمر أنظمتها في حالة استنساخ منتجاتها واستعمالها وهو ما يفسر حاليا كثرة الأعطاب التي تصيب الحواسيب. وحذر نفس المتحدث ل »الشعب« من مغبة نسخ البرمجيات من الأنترنت في البيت لأن الشركات الأم بمقدورها تدمير أنظمة الحاسوب مباشرة ووصل الأمر بالتقنيات التكنولوجية الحديثة إلى إمكانية توقيف الحاسوب نهائيا. ويرى المتحدث أن هذه الوضعية التي تميز هذا النوع من التجارة أمر غير محبذ لأنه يؤثر على سمعة البلاد في الخارج فتصنيفنا في مراتب متقدمة في القرصنة يفقدنا إمكانية استقطاب الإستثمارات وإنشاء صناعة في هذا المجال الذي يبقى نقطة ضعف كبيرة في بلادنا. أكد التاجر ''صالح'' صاحب محل لبيع الأقراص المضغوطة الخاصة بالأغاني، أن تجارته مهددة بالزوال في ظل ارتفاع الباعة الفوضويين الذين يروجون لأقراص بأثمان بخسة فالفرق في السعر بين منتوجنا الأصلي ومنتوجهم يفوق 100 دينار في بعض الأحيان وهو ما جعل المواطن يقصدهم وبقوة. وأضاف المتحدث في حديث ل »الشعب« أن غياب نقابة خاصة بهم قد زاد الطين بلة لأن الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لا يستطيع مجابهة أرمادة السوق الموازي والناشطين في مجال القرصنة وعليه فالتكتل وتشكيل قوة ضاغطة من منتجي وتجار هذا النوع من التجارة هو الكفيل بالتقليل من أخطار هؤلاء الذين بات نشاطهم أكثر من الرسمي. وضرب صالح مثلا بتفوق السوق الموازي عليهم عند بروز المنتخب الوطني لكرة القدم حيث ما تم بيعه في السوق الموازي من أقراص مضغوطة خاصة بأغاني المنتخب الوطني يفوق مئات الآلاف بينما لم نستفد نحن إلا من نسبة ربح قليلة وفي ظل غلاء أسعار كراء المحلات والضرائب فتجارتنا التي شرعنا فيها منذ التسعينات مهددة بالزوال في أية لحظة إذا لم تتحرك الجهات المعنية. قلة الأعوان المحلفين يعتمد الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة على عشرات الأعوان أو المراقبين المحلفين حيث لم يكن يتجاوز عددهم في السنة ما قبل الماضية 50 عونا وبالتالي فضرورة توسيع المراقبين المحلفين أكثر من ضروري للسهر على حماية حقوق الأفراد في هذا المجال فالفنانون الجزائريون أكثر الفئات تضررا من عمليات القرصنة وهم الذين يفتقدون لقانون خاص بهم وبالتالي يفقدون الكثير من حقوقهم التي يضمنها قانون حماية الملكية الفكرية والحقوق المجاورة. وفي ظل نقص الثقافة القانونية الخاصة بالملكية الفكرية يبقى تطبيق القانون صعبا في الظروف التي تتوفر عليها بلادنا حيث يسيطر الموازي على كل جل الاقتصاد والتجارة الوطنية. كما أن الاتكال على رجال الشرطة والأمن الذين يجابهون تقريبا لوحدهم كل الآفات يكون قد رسخ فكرة عدم مسؤولية كل الهيئات والمؤسسات الرسمية عن ما يحدث من انتهاكات في مجال القرصنة الالكترونية والتي تنقل صورة قاتمة عن واقع الملكية الفكرية ببلادنا والتي تكون وراء عرقلة انضمام الجزائر للمنظمة العالمية للتجارة كما أن تغيير قوانين حماية الملكية الفكرية في بلادنا في ظرف قياسي بين 1997 و2003 أمر يؤكد خطورة الوضع. وينص القانون على عقوبات ردعية في حق المقلدين والمزورين للمضنفات الفكرية والكتب والأقراص المضغوطة والبرمجيات حيث تتوزع الجنح حسب المادة 151 من الأمر 0503 على الكشف غير المشروع عن مصنف أو أداء فني أو المساس بسلامة مصنف أو أداء فني واستنساخ مصنف أو أداء فني بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مزورة بالإضافة إلى استيراد نسخ مزورة أو تصديرها. وتتضمن الجنح كذلك بيع نسخ مزورة من مصنف أو أداء فني كما تشمل الجنح التي يعاقب عليها القانون تأجير مصنف أو أداء فني مزور أو عرضة للتداول. وتنقسم العقوبات التي تحدث عنها الأمر 03 - 05 إلى جزائية وتمتد حسب المادة 153 إلى عقوبة أصلية من 6 أشهر إلى 3 سنوات حبسا وغرامة مالية من 500 ألف إلى مليون دينار سواء تمت عملية النشر في الجزائر أو في الخارج وتنص المادة 157 على أن ''.. الجهات القضائية المختصة تقرر مصادرة المبالغ المساوية لأقساط الإيرادات المحصلة من الاستغلال غير المشروع للمصنف، أو أداء فني محمي وكل عتاد أنشئ خصيصا للقيام بنشاط غير مشروع وكل النسخ الأشياء المقلدة والمزورة''. وفي حالة العود (تكرار ارتكاب الجنحة) فالمادة 156 من العقوبات تحث على مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في المادة .153 وثانيا هناك العقوبات المدنية التي تتضمن التعويض من المعتدي لصاحب حقوق المصنفات موضوع التزوير أو التقليد وفقا للمادة .150